دعا مصرفيون واقتصاديون بحرينيون الحكومة إلى تبني موازنة توسعية وزيادة الإنفاق الحكومي وخصوصا على المشروعات وتحويل موازنة الدولة إلى موازنة عجز وتمويلها عبر الاقتراض، في خطوة تساعد على تفادي الدخول في مشكلة ركود اقتصادي بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وانخفاض أسعار النفط.
المنامة - علي الفردان
دعا مصرفيون واقتصاديون بحرينيون الحكومة إلى تبني موازنة توسعية وزيادة الإنفاق الحكومي وخصوصا على المشروعات وتحويل موازنة الدولة إلى موازنة عجز وتمويلها عبر الاقتراض، في خطوة تساعد على تفادي الدخول في مشكلة ركود اقتصادي بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وانخفاض أسعار النفط.
وطالب المصرفيون كذلك في ندوة اقتصادية عن «طريقة الخروج من تداعيات الأزمة» عقدت مساء أمس الأول بجمعية الاقتصاديين البحرينية، الحكومة بأن تسمح للشركات والمصارف بتغذية العجز في الموازنة العامة للبلاد عبر إتاحة المشروعات المؤجلة للاستثمار من قبل القطاع الخاص.
وقال المصرفي والاقتصادي خالد عبدالله إنه «من الخطأ أن تتبنى البحرين في الوقت الراهن موازنة تقشفية في هذه الظروف. أعتقد أنه على العكس من ذلك لمعالجة الاقتصاد يجب تبني موازنة توسعية وزيادة الإنفاق الحكومي وخصوصا أن الهيكل الاقتصادي في البحرين يعتمد على النفط والإنفاق الحكومي».
ومضى بالقول: «أعتقد أنه يجب تبني موازنة عجز وتمويل هذا العجز عن طريق الفوائض أو الاقتراض وخصوصا أن نسبة الديون الحكومية في البحرين لا تزال ضمن الحدود المقبولة وذلك عند نحو 30 في المئة؛ إذ ديون بنسبة 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي نسبة معقولة ولذلك لايزال للحكومة مجال للاقتراض».
وتابع قائلا «على الحكومة أن تستثمر الآن الفوائض المالية التي حققتها في السنوات الماضية من فروقات أسعار النفط. لا نملك أرقاما عن هذه الفوائض لكن بالتأكيد هناك ما تبقى من السنوات الماضية».
واتفق المصرفي المخضرم فريد الملا مع عبدالله بالقول: «يجب أن تتركز زيادة الموازنة على مصروفات المشروعات وتقليل المصروفات المتكررة، من الخطأ التوجه إلى زيادة في الرواتب في الوقت الراهن الأمر الذي سيغذي التضخم. علينا الإنفاق بطريقة توفر فرص عمل جديدة للمواطنين».
وأضاف الملا «هناك حديث عن عجز في موازنة البحرين بمقدار 700 مليون دينار، وأعتقد أن ذلك قد يكون أمرا محمودا، فهو يشكل فرصة للقطاع الخاص من أجل الاستثمار في المشروعات. لماذا لا تتوجه الحكومة وتعطي المشروعات المؤجلة بسبب عدم وجود الموارد المالية إلى القطاع الخاص ليتولاها؟ شارع تطوير الملك فيصل مثلا تم تأجيله وهو يتكلف 120 مليون دينار تقريبا. أعتقد أن على الحكومة والنواب بصورة سريعة أن يطلبوا من القطاع الخاص المساهمة في تغذية العجز».
وانتقد الاقتصاديون طريقة إدارة الحكومة للموازنة واعتبروها طريقة «محاسبية أكثر من أنها اقتصادية تأخذ في عين الاعتبار احتياجات البحرين الاقتصادية في الوقت الراهن».
ويقول خالد عبدالله: «في حين نرى سياسة نقدية تميل إلى التوسع نجد على النقيض سياسية مالية (الموازنة العامة) في اتجاه تقشفي. على الدولة أن تتجنب قليلا الجانب المحاسبي وأن تعطي الدور الاقتصادي جزءا أكبر».
وتأتي دعوات الاقتصاديين في وقت لا زالت الموازنة لم تقر بعد من قبل المجلس التشريعي؛ الأمر الذي يثير حفيظة الاقتصاديين ويضع علامة استفهام بشأن مدى انسيابية القرار الاقتصادي.
ويقول الملا: «أستغرب أن يأخذ إعداد الموازنة في بلد صغير مثل البحرين كل هذا الوقت، هذا يجعلنا أمام مشكلة في سد النفقات، فالنواب برأيي غير مؤهلين تماما لبحث هذه الأمور لنكن أكثر جدية ونعطي مثل هذه القرارات جهات مختصة نثق بها ليكون القرار أكثر عملية وسرعة».
من جانبه قال الاقتصادي عبدالله الصادق: «السياسية المالية التوسعية يجب أن تذهب نحو تعزيز الطلب المحلي وذلك عبر التعاون مع دول الخليج المجاورة، وتعزيز الاستهلاك والاستثمار لكي لا يتسرب الإنفاق إلى الخارج وبزيادة المضاعف الاقتصادي والكلي نستفيد بصورة أكبر من الأموال التي تنفقها الحكومات».
في حين قال رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية أحمد اليوشع: «طريقة إدارة الموازنة محاسبية وليست اقتصادية. الموازنة أداة لتفعيل الاقتصاد ثم إن علينا التوجه للصناعة بدلا من النشاط العقاري الذي لا يمثل فائدة حقيقية للاقتصاد البحريني».
طريقة تعامل دول المجلس مع الأزمة
وأشار الاقتصاديون إلى أن حل الأزمة المالية العالمية في البحرين لا يتطلب معالجة مفردة، بل يستدعي ذلك تحركا جماعيا من قبل دول مجلس التعاون.
وحذر خالد عبدالله من أن تعمد بعض الشركات الخليجية إلى تحويل الأموال من شركات لها في البحرين إلى الخارج ما سيشكل مزيدا من الضغط في السيولة. وقال: «إنها ستشكل تضييقا غير محدود».
الملا تحدث عن طريقة تعامل دول مجلس التعاون مع الأزمة قائلا: «الغريب في المرحلة الأولى من الأزمة الائتمانية التي بدأت من صيف 2007 إلى صيف 2008 نجد أن هناك تأثر في الخليج لكن الكثير من المؤسسات والمصارف معزولة عما يجري وليس لديها القدرة على ربط ما يجري في العالم على منطقة الخليج، وما حدث في هذه الفترة أن أسعار النفط ارتفعت ولكن نفسيا، السوق والحكومات شعرت أنها في عزلة تامة عما يجري في العالم. فليس لدينا آليات لتحليل المشكلة وتأثيرها علينا فالتحيل الاقتصادي أصبح عاما والبعض يقول إن البحرين صغيرة والأمثلة المسموعة دائما مثل «العقار يمرض ما يموت» وغيرها. نسينا أن الاقتصاد متحرك قد يصاحبه ازدهار وركود».
وأضاف «الى اليوم لا نجد هناك استيعاب للمشكلة. والكثير من الردود التي رأيناها كلام شفوي (الأمور طبيعية) و(تهدئة) وضمان ودائع المقيمين في الإمارات وضمان الاقتراض بين البنوك في الإمارات ومثل هذه الأمثلة».
حلول الأزمة
وعن حلول تداعيات الأزمة على اقتصاد الخليج قال الملا: «أعتقد أنه يجب أن تكون هناك حلول جذرية مؤلمة. الحل يجب أن يكون على نطاق دول مجلس التعاون والحل المتفرد خطأ ولن يحل المشكلات وليس هناك دولة في الخليج محمية من هذه المشكلة. هناك دول لديها احتياطيات أكثر من الدول الثانية لكنها ستتأثر في النهاية فالحل يجب أن يكون جماعيا».
ومضى «المستثمر السعودي كان يعمل على نطاق بلاده لكن الآن يعمل في عدد من الدول الخليجية والأمر نفسه بالنسبة إلى مواطني الدول الأخرى، فهذا المواطن يخلق فرصا ولكن يخلق ذبذبات في السوق».
وتساءل قائلا: «لماذا لم ترد الحكومات بطريقة منتظمة؟ في المجتمع لدينا قيادات في الأسواق والبرلمان وغيرها، ومن الأسباب قلة الخبرة والأمر الآخر ليست لدينا آليات, ففي حال ارتفاع سعر النفط الكل يصرف وفي حال هبوط السوق لا نعرف كيف نعمل ليس لدينا آليات لتهبيط الاقتصاد بطريقة تدريجية».
وانتقد الملا سياسة الاستثمار الحكومية في المنطقة قائلا: «الأزمة أثببت أن سياسية الصناديق السيادية فيها أخطاء، فهذه الصناديق خلقت لتنويع الاستثمار وخلق عائد في حين اعتمد تمويل مشروعات الدولة على التمويلات الأجنبية، لنجد لاحقا أن الصناديق السيادية إنهارات وأصبح من الصعوبة تسييل استثمارتها».
وأضاف «يبنغي أن توظف هذه الأموال في الشرق الأوسط. أعلم أن هناك عوائق بين هذه الدول، ولكن يجب أن نفكر في الموضوع. دول الخليج لا تستطيع العيش في محيط فيه مشكلات. أعتقد أنه ينبغي الاستثمار لدى الجار أولا».
التوجه نحو الكساد
وتنبأ الملا بحدوث كساد اقتصادي قائلا: «الأزمات المالية بدأت العام 1921. توقعاتي أننا اقرب إلى الكساد العالمي مثل 1921. باعتقادي، الأزمات المالية بين 45 إلى الآن 25 أزمة مالية كثير منها كانت متخصصة ومركزة على دولة أو على قطاع مثل «الدوت كوم» في مطلع هذا القرن، لكن في الثلاثين سنة الأخيرة الأزمات المالية بدأت تشمل أكثر من قطاع وأكثر من دولة وبدأت تسمية المخاطرة بالمخاطرة الجماعية».
وقال الملا: «هناك تشابه بين الأزمة الحالية وأزمة الثلاثينيات. في تلك الفترة دخلت الحكومة في قرارات منها عزل البنوك الاستثمارية عن التجارية، وفي 99 ألغي هذا النظام في أميركا وهذا أمر يجب أن نستوعبه حتى في منطقتنا».
وتابع «الثلاثينيات كانت فترة إعادة التسليح في أوروبا وهذا شغل الكثير من العمالة، ولكن في اعتقادي هناك سببان لحل الكساد في الثلاثينيات وهو الحرب العالمية الثانية الذي شغل الكثير من العمالة وموازنة في الاستهلاك مع ترشيد الاستهلاك بغض النظر عن آثارها الانسانية، الأمر الثاني هو نظريات الاقتصادي البريطاني «جميس وييل كنغ».
وأضاف «في اعتقادي اليوم الأزمة تحتاج إلى عملاق مثل جميس وييل كنغ. نحن نسمع كلمة (لا صبر له) او (مياه لم ندخلها من قبل) ، فنحن نأتي بشركة استشارية إذا كانت هناك مشكلة تكررت لجارك سابقا ويمكن حلها بالطريقة نفسها، ولكن في الانهيار الاقتصادي يجب أن نرجع إلى المدرسة والجامعة والنظرية، فالأمر الوحيد للخروج من الأزمة عبر الرجوع إلى الاقتصاديين»
العدد 2352 - الخميس 12 فبراير 2009م الموافق 16 صفر 1430هـ