يواجه المستهلك البحريني تحدي المعادلة بين مستوى دخله وشراء احتياجاته الحياتية اللازمة منها والاستهلاكية، وفي ظل تعدد الالتزامات يتجلى السؤال الذي تفرضه الحال: هل يدفع المستهلك ثمنا أعلى مقابل الجودة؟ أم يحسب ألف حساب للسعر؟ وما رؤيته للبضائع الغالية؟ هل يجد ثمنها حقيقيا، أم يرى أن المسألة دعائية فقط؟
«الوسط» تناقش هذه المسألة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بمستوى دخل الفرد والتزاماته المالية، مستعرضة وجهات نظر مختلفة لعينة مختارة من الناس وأصحاب محلات تجارية واقتصاديين.
وفي سياق رده على أسئلتنا قال الموظف عبدالعزيز عجاج: «لا أجد حقيقة كبير فرق بين أسعار البضائع إلا في البضائع ذات الاستهلاك اليومي، أما البضائع الكبيرة كالأجهزة الالكترونية مثلا، فالفرق في أسعارها ليس كبيرا فهي غالية بطبيعتها، فكيف اشتري بضاعة غير جيدة بسعر منخفض لا تعيش كثيرا مع أني استطيع الحصول على الأفضل ذات المواصفات الممتازة والمضمونة بزيادة معقولة في السعر؟ الفرق ليس كبيرا، وهو يدفع مقابل مزايا أكثر وحياة أطول». وشاركته الرأي العاملة في أحد مصانع الألبسة الجاهزة خولة إبراهيم التي ترى أن اسم المحل كفيل بإزالة الحيرة إزاء البضاعة الجيدة، سواء كانت غالية أم رخيصة الثمن، وقالت: «أهم شيء في نظري هو اسم المحل المشهور الذي يرتاده الناس، فهو كفيل بإزالة أي لبس من قبل المشتري، فمحل مثل ذلك تهمه سمعته، وهو يحافظ على مستوى البضائع التي يبيعها، وان كانت البضائع غالية، فان سعرها فيها، وأنا شخصيا أثق في مثل هذه المحلات وأشتري ما تستورده وان غلا، فالحقيقة أن الشيء الرخيص تزهد فيه النفس، بعكس الغالي الذي تقبل عليه برضا كبير».
أما الطالبة سمية خالد فتنظر إلى بلد الصنع قبل كل شيء، وتقول: «لا يهمني سعر البضاعة المشتراة، فبضاعة يابانية غير الصينية، فقد قر في أذهاننا أن هناك بلادا تكون بضائعها أكثر جودة من غيرها، وقد نشأنا على شراء هذه البضائع منذ فترة طويلة، وتعودنا عليها، فمن الطبيعي أن نستمر في شرائها وان زاد سعرها، وأنا شخصيا أجد للبضاعة الغالية ميزتها، فنحن نستخدمها منذ فترة طويلة ونلمس الفرق الكبير بينها وبين البضائع الرخيصة ذات الماركات العادية وبلد المنشأ غير المشهور ببضائعه الجيدة».
غير أن المدرس فؤاد حسين كان له رأي آخر ذلك لأن المسألة من وجهة نظره لا تعدو أن تكون مسألة مظاهر فقط، يقول فؤاد «المحلات الرخيصة تقدم بضائع جيدة ومتنوعة وفي متناول الجميع، وأرى بنفسي الكم الهائل من الناس الذين يرتادون هذه المحلات، وهو اعتراف بأنها محلات تقدم بضائع جيدة، لذلك استغرب من زهد الناس فيها ورغبتهم في البضائع الغالية. أظن أن المسألة مسألة مظاهر لا غير، فالناس يحبون الذهاب للتسوق في المحلات «الهاي» وتعجبهم بضائع كثيرة فيأخذونها ليفاخرون الآخرين بشرائها، في حين أن الكثير من البضائع التي توجد في تلك المحلات هي نفسها موجودة في المحلات الرخيصة وتباع بسعر أرخص بكثير من المحلات الكبرى».
في حين نظر زميله المدرس، أيضا، عبدالرحيم محمد للمسألة نظرة مغايرة وقال: «الوضع المادي هو الذي يحكم المستهلك في الإقبال على البضائع الغالية أو الرخيصة، فلا يمكن لإنسان محدود الدخل أن يشتري ما يشتريه الغني، لذلك يجب عليه دراسة وضعه المادي تماما قبل أن يشتري مستلزماته». وربما يشتري الفرد منا البضاعة الغالية، ولكنه بالمقابل يقصر في أمور كثيرة تجاه نفسه وأسرته». وأضاف «هنا يجب على الفرد منا أن يكون أكثر وعيا بما يحتاجه، فهناك أشياء أكثر أهمية من غيرها، فلو اشتريت ساعة غالية مثلا ولها مزايا كثيرة، لكنها بالمقابل ستؤدي بي إلى التقصير في حق عائلتي في احتياجاتهم الضرورية فهذا خطأ كبير».
في رد على سؤال مهم للمحلات التجارية عن مدى إقبال المستهلك البحريني على البضائع، أجاب البائع في أحد المحلات التجارية عبدالغني علي: «أرى أن المستهلك البحريني مستهلك ذكي وواعٍ، ويستطيع تمييز البضاعة الجيدة من الرديئة، وهو يأخذ منها ما يروقه، فمحل كبير له خبرة واسم لامع في السوق لابد أن يثق به المستهلك، لأنه يعرف أن هذا المحل يحصل على تسهيلات كبيرة، وربما تعبأ له البضاعة خصيصا، ما يعني فرقا كبيرا في السعر». وأضاف «وأنا بصفتي بائعا أقف ضد النظر إلى البضائع الرخيصة على أنها بضائع غير جيدة!، أنا أبيع منذ فترة طويلة وأجد الناس يتناولون هذه البضائع باستمرار، ولو كانت غير جيدة لما أقبلوا عليها كل هذا الإقبال، وكونها رخيصة، يعني، أن المتاجر بها قد اكتسب بفعل خبرته في السوق من نحو الدراية والمعرفة بالبضاعة التي يطلبها المستهلك وأتى بها من المكان المناسب، فكانت في متناول جميع الناس، بكامل جودتها وامتيازاتها، ورخص سعرها». أما البائع علي السباع الذي يعمل في إحدى محلات الالكترونيات، فأشار إلى تراجع بيع البضائع ذات الماركات العالمية الشهيرة، وقال: «إن السبب في ذلك ليس جودة البضاعة وسعرها المرتفع بقدر ما يتعلق الأمر بحياة الناس وظروفهم المعيشية»، وأضاف: «على رغم التسهيلات الكبيرة التي نمنحها للمشتري والإمتيازات الكثيرة التي يحصل عليها عند شرائه لهذه البضاعة الفائقة الجودة مثل تخفيض الأسعار، وتقديم هدايا قيّمة، فضلا عن وثيقة الضمان، على رغم كل ذلك أجد أن الشراء قد انخفض، والأمر في نظري لا يتعلق بعدم وعي المستهلك بالبضاعة الجيدة، فهو يدرك تماما ما الذي نبيعه نحن من بضائع لن يجد أفضل منها في السوق» وأضاف: لكن الحياة وظروفها المعيشية هي التي تفرض عليه شراء بضائع أقل جودة، فالتزاماته كبيرة، بينما دخله محدود، لذلك حتى لو أحب شراء هذه البضاعة الممتازة، فإنه لن يستطيع شراءها».
من جهته اختار مدير إحدى المؤسسات التجارية محمود جابري الحديث عن المعوقات التي تقف في وجه التاجر البحريني، والتي تدفع به إلى التأزم مع انفتاح الأسواق الكبيرة التي تبيع البضائع المقلدة مثل المجمعات التجارية التي انتشرت على هذه الجزيرة الصغيرة، وقال: «إن محافظة مثل المحرق مثلا، فيها عدد كبير من المجمعات التجارية لا يتناسب أبدا مع عدد الناس القاطنين فيها، إضافة إلى القوانين الكثيرة التي تقف حجر عثرة أمام التاجر البحريني وتحد من حريته، فضلا عن التسهيلات التي لا تتيح له حرية كبيرة، إن هذه الأسباب وغيرها، هي المسئولة عن سد الباب أمام التاجر البحريني، ليبرز بضاعته الممتازة بالصورة اللائقة التي تشجع الناس على شرائها، وبالتالي تراجع الناس عن شرائها وانفتح الباب على مصراعيه بالمقابل للتجار الآخرين الذي يتاجرون بالبضائع المقلدة، هذه المحلات انتشرت كثيرا فمن الطبيعي أن يقبل عليها المستهلك البحريني، على رغم علمه بأنها لا يمكنها الصمود أبدا أمام البضائع ذات الماركات العالمية الشهيرة، لقد ضيق الخناق على التاجر البحريني الذي يسعى إلى أن تكون بضاعته على قدر كبير من الجودة والتميز».
في حين علق عضو جمعية الاقتصاديين عبدالعزيز أبل بقوله: «دخل الفرد هو المتحكم في هذه القضية، فمن البديهي أن الفرد المحدود الدخل لن يكون شراؤه كالفرد متوسط الدخل ولا متوسط الدخل كالفرد ذي الدخل المرتفع، فالسؤال: ما المتبقي من دخل الفرد والذي بموجبه يستطيع شراء احتياجاته؟ فلو أخذنا عينة من مئة شخص مثلا ووجدنا أن 75 في المئة منهم يبحثون عن السعر، و15 في المئة يبحثون عن المنتج الجيد مع السعر، بينما 10 في المئة الباقون يبحثون عن الجودة فقط، ان غالبية الناس لدينا من ذوي الدخل المحدود، والحقيقة أن دخل الفرد يؤثر على سلوك المستهلك والموزع أي التاجر والمنتج نفسه، فبلد مثل الصين مثلا نظرا لحياتهم البسيطة تكون منتجاتهم رخيصة في متناول الجميع، بينما بلد مثل الولايات المتحدة الأميركية توجد فيها أماكن للتسوق خاصة بالأغنياء وأخرى لمحدودي الدخل وأخرى لمتوسطي الدخل، فالدخل هو العامل الرئيسي في هذا الموضوع
العدد 588 - الخميس 15 أبريل 2004م الموافق 24 صفر 1425هـ