العدد 615 - الأربعاء 12 مايو 2004م الموافق 22 ربيع الاول 1425هـ

اليزدي: الفهم المغلوط للحداثة يضلل الفكر الإسلامي الأصيل

استمرار فعاليات منتدى الوحدة الإسلامية

أكد المفكر الإسلامي آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي الذي تستضيفه جمعية التوعية الاسلامية ضمن فعاليات منتدى الوحدة الاسلامية أن «الفهم المغلوط للحداثة يراد به تضليل معالم الفكر الإسلامي الأصيل المستمد من النظرية القرآنية وتراث الأنبياء وأهل البيت(ع)».

وأضاف اليزدي - في محاضرة له بمسجد مؤمن بالمنامة - قائلا: «ان أكثر ما ابتلينا به في هذا العالم من فتن فكرية تدور حول ألفاظ ومصطلحات مرنة ومشتركة ولها معان مختلفة، لتمهد بذلك الأرضية الخصبة للمغالطات(...) فالحداثة مفردة تحتمل معاني عدة، فمن منظور لغوي هي مستسقاة من مادة الحدوث في مقابل القدم، فالله سبحانه وتعالى قديم على الإطلاق، وماسواه من موجودات يتسم بالقدمية النسبية».

ويتابع اليزدي «لهذا المفهوم شحنة ايجابية في الأذهان تشعر المرء أن الحداثة مرغوب فيها» مستدركا «لكن هذا الوصف ليس وصفا عاما لكل ما يتسم بالقدم والحدوث».

كما أن هناك اصطلاح في العلوم العقلية لهذا المفهوم، فأصحاب هذه العلوم يرون أن كل ما في الكون يتصف بالحدوث، وبالتالي لا يوجد ما يتصف بالقدم على الإطلاق، ثم أكد فلاسفة الإسلام وخلقوا نظرية جديدة تسمى بـ «نظرية الخلق الجديد» التي تؤكد أن كل ما نراه ثابتا من الموجودات يتسم بالقدمية النسبية، وكل هذه الموجودات يفيض عليها الله لكي لا تفقد وجودها.

ويستعرض اليزدي مفهوم الحداثة في سياقها الاجتماعي، الذي يتردد كثيرا على ألسنة الكتّاب المعاصرين، وهي مفردة مترجمة من اللغة اللاتينية وتعني التجدد أو ما يطلق عليها بلفظة الحداثة.

واختلف علماء الاجتماع على تحديد هذا المفهوم، فبعضهم يرى أن التاريخ الإنساني يمكن تقسيمه إلى قسمين وفقا للاختلاف الزماني: الأول هو تاريخ الإنسانية حتى القرن15 الميلادي، فالبشرية - وفقا لهذا الرأي- كانت تسير على وتيرة واحدة وتتسم بوحدة الخصائص، وفي تلك القرون كان الإنسان يعتقد باعتقادات خاصة قد فقدها بعد مضي العهد القديم وتشمل الغيبيات؛ إذ كانت البشرية تعتقد بوجود آلهة يديرون العالم، ويجب على الناس طاعتهم، وهذا مرادف الدين.

ويردف اليزدي «من هنا يعتقد بعض الناس أن الآراء الدينية والعقائدية تعد من خواص الإنسان ما قبل الحداثة، فإنسان ما بعد الحداثة له آراء وطموحات مختلفة، ومن أبرز سماته أنه لا يميل إلى الغيبيات، بل ركز على المشهودات والمحسوسات فقط، فهو من هذا المنطلق لا يقبل بوجود الله لأنه غير محسوس، وبدلا من ذلك ركز على الاهتمام بتنمية عقله وادراكاته الذاتية فحسب، كما أن من خصائصه أيضا هو البحث عن الحقوق وتناسي التكاليف والواجبات، ويسعى لطرد الغيبيات من أطره ومفاهيمه».

ثم يعرج اليزدي على شرح مايراه السياسيون لهذا المفهوم «فالسياسيون يحولون نظرية الحداثة إلى خدمة أهواءهم، فهم رفضوا الأديان إلا ما يتناسب مع أذواقهم، ودعوا الناس إلى الاكتفاء بعقولهم، وذلك لإبعاد العلماء والمصلحين من الساحة ليتفردوا بها وحدهم، ونشروا في الناس المغالطات الكبيرة، وحاولوا ايهامهم بأن ماحصل عليه الإنسان من اختراعات وتقدم صناعي وآليات راقية تحقق الرفاه كان السر فيها إبعاد الدين وطرد الغيبيات والأخلاق».

ووضعوا الناس على مفترق طريقين مفصليين: الطريق الأول يتمثل في رفض الدين وقبول الرقي والتقدم، والآخر رفض المدنية والتقدم والقبول بالدين والغيبيات».

وينهمك اليزدي للرد على هذه الإشكالية بقوله «في الواقع ليس هناك تزاحما بين الدين والتقدم، فالله سبحانه وتعالى أمر الإنسان بعمران الأرض والاستفادة من مكنوناتها، وتحدثنا النظرية القرآنية عن صلحاء وأنبياء كانون يسعون وراء الرفاه والتقدم كسليمان (ع) الذي وهبه الله من النعم والفضائل والكمالات الإنسانية، في مقابل طاعة الخالق وتوحيده وشكر تلك النعم، قال تعالى: «اعملوا آل داوود شكرا» (سبأ: 13)، فالمسلم الذي يتمتع ويسعى نحو تحصيل النعم يحظى بالسعادة الأبدية فضلا عن الرفاه الدنيوي»

العدد 615 - الأربعاء 12 مايو 2004م الموافق 22 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً