الوسط - علي القطان
أبدت الحكومة ممثلة في دائرة الشئون القانونية رفضها لمقترح إضافة مادة إلى قانون العقوبات لتجريم فعل التمييز قدمه النواب عبدالهادي مرهون ويوسف زينل وعبدالنبي سلمان وجاسم عبدالعال وحسن بوخماس وذلك في مذكرة قدمها المدير العام لدائرة الشئون القانونية سلمان عيسى سيادي. ونتيجة لذلك وبعد مناقشات مطولة مع أعضاء لجنة الشئون التشريعية والقانونية في اجتماع مشترك معهم قررت لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني رفض المقترح.
ينص المقترح إلى إضافة المادة «يعاقب كل من ثبت أنه مارس التمييز بكافة أشكاله أو أخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين سواء في تولي الوظائف العامة أو الوظائف الخاصة أو أثناءها أو في أي مجال من مجالات الحياة العامة بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو العقيدة أو الرأي السياسي بعقوبة السجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار مع عزله من وظيفته».
أين الركن المادي للجريمة؟ ومن المجني عليه؟
وبحسب المذكرة قامت دائرة الشئون القانونية ببحث هذا الموضوع واتضح لها أنه «بإمكان مجلس النواب بما له من صلاحيات رقابية مقررة دستوريا، أن يضمن عدم الخروج على الدعائم والركائز المنوه عنها والتي يستند إليها الاقتراح بقانون، وخصوصا أن المستقر عليه في نظرية التجريم أن الإفراط في التجريم، من شأنه أن يحول القانون الجنائي إلى مجرد أداة للرعب».
وفي التعليق على النص المقترح قالت الدائرة «غني عن البيان أن نص القاعدة الجنائية لا يتضمن الركائز أو الدعائم التي تخل الجريمة بها وتعد حكمة التجريم المقرر وعلة العقاب ومن المستقر عليه أنه يترتب على كون التجريم صورة خاصة من صور التأثيم تمثل أقصى درجاته، وجوب أن تشتمل القاعدة التي تجرم سلوك ما على المظهر الخارجي للسلوك المحظور وتفاصيله المادية وصفا ورسما وتحديدا وهو ما يكون الركن المادي للجريمة ويكشف عن ركنها المعنوي. فضلا عن بيان المجني عليه المباشر من هذا السلوك، ويكون إما شخصا طبيعيا وإما شخصا معنويا كالدولة بالنسبة إلى الجرائم الواقعة على مال من أموالها أو هيئة من هيئاتها».
الاقتراح خلا من بيان المجني عليه المباشر
وأضافت المذكرة أن «الثابت أن نص الاقتراح بقانون المنوه عنه قد خلا من بيان المجني عليه المباشر في جريمة التمييز والركن المادي لها، كما ورد هذا النص في صيغة من العموم والاتساع وعدم التحديد، بما لا يتفق ونص جنائي يقرر قهرا ماديا على من يخالف حكمه، ويجب من ثم ألا يصاغ الحكم فيه بهذا الاتساع العموم، حتى لا تكون ثمة مساعدة على مخالفة القاعدة التي تقضي بأن أحكام القانون الجنائي لا يتوسع في تفسيرها».
وأكدت الدائرة «أن الغاية مما تتمتع به الإدارة من سلطة تقديرية من مجالات معينة، هي تحقيق الصالح العام، ومن هذه المجالات التعيين في الوظائف العامة، بل إلى أي مجال من مجالات الحياة العامة، ومن ناحية أخرى قد يكون نتيجة هذا الاحجام عن تعيين موظفين جدد في الوظائف الشاغرة لخشية القائمين على ذلك من المسئولية الجنائية التي يقررها الاقتراح بقانون».
التعيين في الوظائف الخاصة
وعن مسألة القطاع الخاص قالت الدائرة «مد الاقتراح بقانون نطاق التجريم إلى التعيين في الوظائف الخاصة، ولا يغرب عن البال ما يحوط العمل في القطاع الخاص من مبادئ عدة أهمها حرية المستثمر في تشغيل من يقومون بإدارة أمواله وتنميتها، وذلك للاعتبارات الخاصة التي يراعيها كل مستثمر وفقا لما يرى أنه يحقق مصلحته الخاصة، ومن ثم فإن النتيجة التي تترتب على هذا الاقتراح هي هروب المستثمرين، مما يضر بالصالح العام ويتنافى مع التوجه العام للدولة وهو جلب وتشجيع الاستثمارات».
وأكدت الدائرة أنه «لا يوجد في التشريعات العربية المقارنة أية سابقة لتجريم فعل التمييز، كما أنه من المقرر وفقا للمادة (20/و) من الدستور أن حق التقاضي مكفول وفقا للقانون، ومن ثم فإنه بإمكان كل مواطن يرتأي أنه أضير بسبب قرار ينعي عليه انطواءه على تمييز أن يطعن فيه لدى المحكمة الكبرى المدنية الدائرة الإدارية». وفي توضيح قرارها قالت الدائرة أنه ارتأت «الالتفات عن إضافة مادة إلى قانون العقوبات لتجريم فعل التمييز».
أبدى نواب إصرارهم على إيجاد قانون صريح ضد التمييز. وقال النائب يوسف زينل في حديثه للجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بشأن اقتراح إضافة مادة في قانون العقوبات لتجريم التمييز أن «البحرين طرف في الإتفاق الدولي لمناهضة التمييز بجميع أنواعه وصوره وأن الجميع يحرص على تطبيق عدم التمييز في المجتمع لكن عدم وجود مادة قانونية حاليا تجرم فعل التمييز يضعف من عملية تطبيق العقوبات على من يمارس التمييز وإن وجود مثل هذه المادة تساهم في ردع من يحاول ممارسة ذلك الفعل. وكما يعلم الجميع بأنه لا عقوبة ولا تجريم إلا بنص ووجود مثل هذه المادة يعد ضرورة للتجريم ولتنفيذ العقوبة على الجناة».
وناقشت لجنة الشئون التشريعية والقانونية بحسب رئيسها النائب عبداللطيف الشيخ الموضوع من الناحية القانونية والدستورية ووافقت عليه بعد التحقق من سلامته قانونيا ودستوريا.
وقال النائب علي السماهيجي: «لا يوجد في كل قوانين العالم مادة لتجريم فعل التمييز وذلك لصعوبة تحريك الدعوى ولصعوبة تحديد صاحب الحق في تحريكها وعلى رغم أن هذا المقترح جيد إلا أنه صعب التنفيذ. التمييز يبدأ من القمة وليس من القاع ومن الصعوبة بمكان أن يتم تجريم القمة».
آل الشيخ يتحفظ ويرد
بمقترح آخر ضد التمييز
وأشارت لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني إلى تحفظ النائب محمد عبدالله آل عباس على قرار الرفض «بسبب أن البحرين صادقت على اتفاق تجريم أنواع التمييز كافة وهو اتفاق دولي وبذلك تكون البحرين ملزمة بما جاء فيها وعليها تكييف قوانينها الوطنية وفقا لذلك الاتفاق».
يذكر أن الأخير قدم حديثا بعد اتضاح رفض المقترح المذكور مع زميله النائب عبدالله العالي اقتراحا بقانون بشأن تجريم ومعاقبة ممارسة جميع أشكال التمييز في شغل المناصب القيادية والوظائف العامة في الدولة.
وفي هذا الصدد قال آل الشيخ: أصبحت الحاجة ملحة في ظل التقدم الحاصل على المستوى التشريعي والدستوري في المملكة، لوجود قانون يجرم ويعاقب فعل التمييز في التوظيف، وأهمية التحقق من استيفاء شروط ومعايير التوظيف لجميع المواطنين، وعلى جميع الوظائف سواء كانت في القطاع الحكومي بشقيها المدني والعسكري، وفي القطاع الأهلي، وجميع مؤسسات وهيئات الدولة الرسمية. سواء كانت هذه الشروط على مستوى الإفصاح عن الشواغر الموجودة بالوسائل المتعارف عليها وعن طريق الإعلانات في الصحف المحلية، ومن خلال استيفاء الشروط والمعايير الموضوعية والمحددة والواضحة للتوظيف أو الترقي أو استحقاق العلاوات والمكافآت أو الجزاءات والعقوبات، بما يسهم في تعزيز الشفافية والإفصاح ضمن الضوابط الدستورية والقانونية الحاكمة في هذا المجال، وبما يسهم في التصدي لأي من حالات التمييز التي يتعرض لها طالب الوظيفة، أو الموظف. والتي من شأنها تعزيز تفشي الضبابية والعمل غير المؤسساتي، على حساب الشفافية والاطلاع. وصولا إلى تأكيد وترسيخ مبدأ الشفافية في تطبيق المعايير الموضوعية والاختبارات والمقابلات الشخصية المتعلقة بالتوظيف والكشف عن نتائجها. ويأتي هذا المقترح سعيا منا لبلورة وعي وطني شامل يدعم الوحدة الوطنية ويرعى المنفعة العليا للمواطن، ويرسخ مقومات المسيرة الديمقراطية والوئام الوطني، على أسس واضحة من العدالة والمساواة بما يعزز الثقة المتبادلة، وبما يؤكد الالتفاف التام والدعم المطلق لتوجهات جلالة الملك الداعية للإصلاح.
رأي المقدم الرئيسي للاقتراح
من جانبه قال المقدم الرئيسي للمقترح الذي تم رفضه عبدالهادي مرهون «ان مبررات تقديم هذا الاقتراح تتمثل في تجريم كل أشكال التمييز من خلال بنود تعرف التمييز استنادا إلى العهود والاتفاقات والمعاهدات الدولية وكذلك تجريم كل الممارسات التي تؤدي الى التمييز، بالاضافة الى تحديد العقوبات في مواجهة كل أشكال التمييز وممارساته».
وأضاف مرهون «ان الكثير من الدول تتجه الى سن التشريعات والقوانين التي من شأنها تعزيز روح المواطنة لدى مواطنيها على اختلاف انتماءاتهم العرقية والسياسية والدينية وذلك حفاظا على لحمتها الوطنية وتعزيز أسس بقائها وانسجام التيارات والقوى كافة على اختلاف تلاوينها ومحدداتها الايديولوجية والفكرية بغية الوصول التدريجي الى أقصى درجات الوئام الاجتماعي بما يعزز الولاء الوطني ويحفظ للدول كيانها بعيدا عن عوامل الضعف والانهاك الذي أطاح بمقدرات الكثير من الدول والشعوب جراء سكوتها على الاخطاء المتعلقة بحرمان فئات اجتماعية من حقوقها لصالح فئات أخرى ما خلق بدوره عوامل انفصام مجتمعي أضرت كثيرا بمستقبل تلك الدول والشعوب».
القوانين الفيدرالية الأميركية التي تتعامل مع التمييز الوظيفي
ذكر أحد الخبراء القانونيين (فضل عدم ذكر اسمه)والتي سألته «الوسط» عن القوانين الخاصة بالتمييز في الولايات المتحدة الأميركية أن قانون الحقوق المدنية في العام 1964(مادةVII ) تمنع التمييز الوظيفي بسبب العنصر، أو اللون، أو الدين، أو الجنس، أو الأصل العرقي. وأن قانون المساواة بالأجور للعام 1963 (EPA) يحمي كل من الرجال والنساء الذين يقومون بالعمل نفسه وفي الشركة نفسها ضد التمييز في الأجور بسبب الجنس. وأن قانون التمييز الوظيفي بسبب السن، للعام 1967 (ADEA) يحمي الأفراد البالغين من العمر 40 عاما أو أكثر ضد التمييز الوظيفي بسبب السن. وأن قانون الأميركيين ذوي العاهات للعام 1995 (ADA) يمنع أصحاب الأعمال من التمييز الوظيفي ضد أشخاص مؤهلين بسبب عاهة أو عجز. وأن قانون الحقوق المدنية للعام 1991 يتيح الفرص للتعويضات المالية في حالات التمييز الوظيفي.
وأضاف «طبقا لمادة VII، فإن قانون الـ ADA ، والـ ADEA، فإنه يصبح غير قانوني القيام بالتمييز الوظيفي، أثناء التعيينات، أو الرفد، أو الأجور، أو المهمات، أو النقل، أو الترقية، أو التقاعد المبكر، أو الاستدعاء، أو امتيازات التصفية، أو خطط التقاعد، أو الإجازات، أو أية تنظيمات أو قواعد للتوظيف. وتمنع هذه القوانين ممارسات التحرش الجنسي أو المضايقة بسبب العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو الموطن الأصلي أو الإعاقة أو السن، والتفرقة بسبب الحمل. ويعد مخالفا للقانون أيضا الانتقام ضد فرد يرفع شكوى بتهمة التمييز أو يشارك في تحقيق أو يعارض ممارسات تمييز»
العدد 618 - السبت 15 مايو 2004م الموافق 25 ربيع الاول 1425هـ