العدد 640 - الأحد 06 يونيو 2004م الموافق 17 ربيع الثاني 1425هـ

عندما تتحول التراجيديات إلى واقع... يصبح الملاذ خيمة

على قارعة الطريق... أسرة بحرينية تعيش مآسي متشابكة

لم تجد أسرة مكونة من الجدة والأم وأبنائها الثلاثة ملجأ تأوي إليه سوى خيمة لا تتجاوز مساحتها الأمتار الستة قابعة على أحد شوارع الرفاع الغربي لتكون ملاذا ومأوى لها من حرقة الشمس وحرارة الجو، بعدما استغنى عنها أقرب الناس وأولى الناس برعايتها. ومن يحاول الاقتراب من هذه الأسرة لن يجد إلا عشرات القصص التي من شأنها أن تحكي قصة كل فرد فيهم على حدة. ففي هذه الأسرة امتزجت كل من قصص عقوق الوالدين والطلاق والتنازل عن الحقوق وعدم رحمة الناس.

زارت «الوسط» خيمة الأسرة لتجد امرأة كبيرة السن تجاوز عمرها الثمانين جالسة وسط الخيمة وغطت وجهها لتخفي علامات القهر وظلم الأبناء. وإلى جانبها تجلس فتاة تبلغ من العمر ثماني عشرة سنة، بينما يجلس صبي يبلغ من العمر خمس عشرة سنة في الطرف الآخر من الخيمة.

جزاء الأم!

بعدما قضت الجدة عمرها في تربية خمس بنات وولد، تنكروا لها ولم يرغبوا في عيشها معهم، إذ بعدما كانت الجدة تعيش مع ابنها تضايقت زوجة الابن منها وخصوصا بعدما جاءت ابنتها مع أبنائها ليضيفوا عبئا جديدا. فأعلنت زوجة الابن صراحة لعمتها عدم رغبتها في عيشها معها وقامت بطردها ولكن الأم مكثت إلى حين سمعتها من ابنها الذي عبّر عن رغبة زوجته ولم يراع أبدا مشاعر والدته وأخته.

فانتقلت الجدة مع ابنتها لمنزل إحدى بناتها التي رحبت بها ولكن زوجها لم يفعل، إذ بدأ بتحريض أبنائه لتطفيش جدتهم وخالتهم وأبنائها ولكنهم تحملوا جميع وسائل التطفيش من ضرب بالأيدي وقذف باللسان ووضع قاذورات في الأكل، ولكن بعدما تحملوا كل ذلك لم يتحمل زوج البنت مكوثهم أكثر في منزله فطردهم شر طردة.

فانتقلت لمنزل ابنتها الثانية التي لم يكن زوجها أكثر رحمة من «عديله». الذي رجته زوجته بأنها لن تعطيهم غير فضلات طعامهم وطعام أبنائها فقال: «ارمي الفضلات ولا أعطيهم إياها». مضيفا «الابن لم يتحمل والدته والزوج لم يتحمل زوجته وأولاده فما يرغمني أن أتحملهم». فلم تجد الأسرة مأوى يضمها سوى الشارع!

طلاق الزوجة!

تحدثت الزوجة بقلب مكسور عن حياتها وقالت: «لم يوفقني الله مع زوجي الأول، إذ تركت عملي بعدما كنت أعمل في المستشفى من أجله، ولكنه طلقني وأنا حامل بأول أبنائي وتشردت بعدها في بيت أخي حتى صالح بيننا أهل الخير وعدت إليه مرة أخرى كي أحمل بالطفل الثاني، وطلقني مرة أخرى عندما كانت ابنتي في الصف الأول ابتدائي وابني لايزال طفلا لم يصل لسن المدرسة». مضيفة «جهزت منزلا كان لا يسكنه أحد وكان يعود للورثة ولكنني لم ألبث أن مكثت فيه حتى حرقوه أيام حوادث التسعينات وكنت حينها قدمت طلب وحدة سكنية في وزارة الأشغال والإسكان لكي أحصل على مكان يضمني أنا وأبنائي، ولكنني بدأت أتنقل إذ مكثت في شقة في سترة ولم أستطع أن أدفع إلا أجرة شهر واحد من أصل شهرين فرجاني صاحب الشقة أن أتركها مقابل أن يعطيني 500 دينار بدلا من العقد المبرم فخرجت لأتنقل من مكان إلى آخر أنا وأبنائي الذين أصرف عليهم مما أستجديه من الناس، إذ لم أجد طريقا إلا أن أستعطف هذا واسترق قلب ذاك لكي أستطيع أن أوفر لقمة العيش لأبنائي».

وأوضحت الزوجة أنه في العام 1994 حصل زوجها على الوحدة السكنية ولكنهم لم يقبلوا تسليمها إياه لأنه مطلق فقام الزوج بإقناع زوجته أن تتنازل عن حضانة أبنائها في مقابل أن يتنازل لها عن الوحدة لأنه سيعيش في منزل والده، ولكنها بمجرد تنازلها عن الأولاد وعن الوحدة خلف بوعده ولم يعرها أي اهتمام وقال لها لو بإمكاني أن أزيل اسمك من شهادة ميلاد الأبناء لفعلت.

وواصلت قولها: «إن الزوج أحضر زوجة وأبناء أخيه لكي يتقمصوا دور شخصية زوجته وأبنائه أمام لجنة التفتيش التي حضرت من الوزارة لكي تعاين من يسكن في المنزل، ولكن في المقابل كنت أنا وأبنائي نعيش متشردين من مكان إلى آخر». وأضافت: «تزوجت من رجل آخر أنجبت منه ولدا وتحملت العيش معه لكي أوفر مكانا لأبنائي على رغم ضربه وتعذيبه الدائم لي وتدخل الشرطة غالبا في مشكلاتنا، ولكن هذا الزوج لديه خمسة أبناء من زوجته الأولى كانوا يعيشون في أحد مساكن قوة الدفاع ولكن عندما علمت «القوة» أن له وحدة من الإسكان أعطته مهلة بسيطة لكي يأخذ زوجته وأبناءه وبالتالي فإن من الأولى أن يضم زوجته وأبناءه بدلا من أبنائي ووالدتي ولذلك خرجنا من منزله بعدما طلقني. فذهبنا لمنزل أختي التي لم يتحملنا زوجها، بينما ذهبت ابنتي لمنزل أختي الثانية لتكون مع ابنتها التي هي في آخر مرحلة دراسية، ولكنها بمجرد انتهائها من آخر امتحان انضمت إلينا في هذه الخيمة».

أما عن وزارة الإسكان فقالت: «ذهبت مرارا إليهم ولكن هناك مستشارة قانونية دائما تقول لي إن القانون لا يحمي المغفلين وبما أنك تنازلت عن الوحدة السكنية فليس لدينا ما نقوم به من أجلك، كما اتهمتني بالكذب لوجود من يحل مكاني في المنزل ويستخدم اسمي «مضيفة» ولكنني أناشد وزير الإسكان أن يوفر لنا وحدة سكنية بكفالة والدتي الأرملة لأنها متقاعدة ولديها راتب تقاعدي، وبكفالة أختي التي تعمل ممرضة، كما أناشد جلالة الملك أن ينظر إلى أحوالنا كوننا من أفراد الشعب ومن حقنا أن نجد مكانا نأوي إليه». وسألت: كيف تسمح الحكومة لرجل عازب أن يملك منزلا يستغله في أمور الدعارة؟

كما أشارت إلى أن زوجها السابق عرض عليها أن يضم أبناءه فقط ولا يريدها ولا يريد والدتها ولكنها رفضت لأنه أب غير صالح ولا تستطيع أن تؤمنه على أبنائها. كما عرض عليها زوجها الثاني أن يضمها مع ابنه من دون أبنائها ووالدتها ولكنها رفضت لأنها لا تستطيع الاستغناء عنهم.

ابنة لم تذق طعم الراحة!

تحدثت الابنة بعدما فضلت الصمت في بادئ الأمر نتيجة ما يختلج في صدرها من ألم وقهر وقالت: «لم أشعر بطعم الراحة طوال حياتي، ولم أقبل أبدا بما تقوم به والدتي من استجداء المساعدة ولكنني لم تكن بيدي أية حيلة، وعندما طلبت من والدي أن يعطينا المنزل وان والدتي ستقوم بدفع أجرة المنزل له كاملة، رفض ووبخني وطلب مني أن أنسى أن لدينا أب وأنه لو كان بمقدوره أن يتبرأ منا لفعل، فجرتني الظروف وأجبرتني والدتي على أن أعقد قراني على شخص يبلغ من العمر 30 عاما، أي يكبرني بثلاثة عشر عاما ولكنني لم أمكث معه أسبوعا واحدا لعدم رغبتي فيه وعدم ارتياحي للموضوع برمته، فانفصلنا بكل بساطة».

وتحدثت الابنة عن دراستها فقالت: «كانت والدتي ترغب في أن أخرج من المدرسة لعدم مقدرتها على دفع مصروفاتي، وكان والدي لا يدفع لي إلا 20 دينارا لا أستطيع بها شراء حتى «عباءة»، ولكن مع إصرار المشرفة الاجتماعية في المدرسة وابنة خالتي على إكمال تعليمي تركتني والدتي أواصل، وساعدتني المشرفة كثيرا في إعطائي مساعدات مادية وعينية أستطيع من خلالها شراء أدواتي ومستلزماتي، ولكنني ما لبثت أن انتهيت من آخر امتحان حتى طردت من منزل خالتي لكي انضم لأسرتي».

الابن لا يريد إكمال تعليمه

ومن ينظر للابن وهو يرتدي ملابس رثة ومتسخة يعتقد بأنه انتهى للتو من عمل شاق ولا يظن أنها ملابسه المعتادة التي لا تستطيع والدته توفيرها له إلا بصعوبة بالغة. وعندما اقتربنا منه وسألناه عن دراسته قال: «لم أكمل دراستي وخرجت من المدرسة لأمرين: الأول ان الأولاد في المدرسة كانوا دائما يتعمدون إحراجي بذكرهم ما يقوم به والدي من سفر طوال العام لدول شرق آسيا وما يقوم به معنا ومع والدتي، والسبب الآخر ان والدتي لا تستطيع أن تتحمل أعباء دراستي»، مضيفا بأنه لا ينوي الرجوع للدراسة مرة أخرى حتى لو سنحت له الفرصة لأنه كره الدراسة.

الطفل الصغير

ولم يوجد الابن الصغير الذي يبلغ من العمر 7 سنوات في الخيمة لان خالته جاءت لاصطحابه للمستشفى إذ رُكِّب عليه مغذٍ لارتفاع درجة حرارته.

ولكن هذا الطفل هل يدرك ما يجري حوله من مشكلات وأمور فاقت كثيرا مراحل عمره، ولو كان له أن يختار فهل سيختار والدته كما فعل اخوته أم سيختار والده لكي ينعم بمكان هادئ وآمن.

مسئولو القرية

عندما ذهبت للصندوق الخيري التابع للقرية اتهمني رئيس الصندوق بأن وضعنا الاجتماعي ممتاز ولا نستحق المساعدة، وقال لي إن أخي وأخواتي لديهم مراكز اجتماعية جيدة وعليّ ألا أعود مرة أخرى لطلب مساعدة! فكيف يقيس حالتي الاجتماعية بحال اخوتي الذين يعيش كل واحد حياته ما عداي؟

المحافظة الجنوبية

جاءت إحدى المسئولات من المحافظة الشمالية لكي تصطحب الأم معها لمقر المحافظة لتجمع البيانات عنها، وبعد ذلك أخذتها للديوان الملكي إذ وعدها مجموعة من المسئولين هناك بترتيب أمورها والتحرك على وضعها بشرط أن تزيل هذه الخيمة من مكانها وتذهب إلى مكان مؤقت لحين تدبر أمورها.

مصير هذه الأسرة

أسئلة كثير تلوح في الأفق... هل سيقوم المسئولون بتأجير مكان مؤقت لهذه الأسرة لكي تمكث فيه بضعة شهور لتعود بعدها إلى الشارع؟ أو سيبقونها على حلم تدبير أمورها حتى يأتي وقت يتناسون فيه هذه الأسرة ويطلبون منها تقديم طلب وانتظاره لعدة سنوات؟

أليس الأجدى بوزارة الأشغال والإسكان - التي أعطت وحدات سكنية وصلت للعام 2002 في مشروع تطوير القرى - أن تجد مكانا لمثل هذه الأسر التي لا تجد أربعة جدران تضمها؟

هذه الأسرة هي نموذج واحد لكثير من الأسر التي بنت لها منازل من الصفيح والخشب لكي تتمكن من العيش بعيدا عن أنظار الناس... ولكن يبقى الجميع على الأمل الذي لوح به جلالة الملك عندما قال «إن من حق كل مواطن مسكن خاص»، ولذلك فالجميع تأمّل خيرا من مشروع الملك لترميم البيوت الآيلة للسقوط، ولكن من يعيش في منازل من خشب وصفيح يبقى يحدق في المشروعات المرتقبة في ظل عجزه عن الترميم والبناء من جديد... كما أن هناك بعض الحالات المحزنة والمنازل غير الصالحة للعيش والتي يخشى ساكنوها أحيانا من طرق الباب خوفا من أن يقع على رؤوس أطفالهم

العدد 640 - الأحد 06 يونيو 2004م الموافق 17 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً