العدد 651 - الخميس 17 يونيو 2004م الموافق 28 ربيع الثاني 1425هـ

هل ستسود الدكتاتورية هذا العالم؟

«من لم يكن معنـا فهو ضـدنـا»... عبارة قالها جورج دبليو بوش بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001 م، وهي عبارة تنم عن تعجرف وتعال وغرور، وعن هيمنة وسيطرة، وتجاهل وإلغـاء للآخرين، واستبداد مطلق بالرأي، وعدم اهتمام أو اكتراث برأي الآخرين، وعدم السماح للآخرين بأن يدلوا برأيهم، أو يعبروا عن وجهة نظرهم، ما يعني فرض الرأي عليهم، من دون إعطائهم الفرصة للتعبير عن مشاعرهم وآرائهم، ما يعني قمع الرأي الآخر، وهذا هو الاستبداد، والتفرد في اتخاذ القرار من دون الرجوع إلى الآخرين ومشاورتهم، وهذه هي الدكتاتورية بأم عينهــــا.

وعليه فإن أميركا باعتبارها إمبراطورية غير معلنة، تفرض سيطرتها ونفوذها وسلطانها وجبروتها على دول هذا العالم، بما فيها الدول الكبرى، أو الدول العظمى الأخرى، والتي تتملق وتداهن وتجامل تلك الإمبراطورية التي أصبحت لا تغيب عنها الشمس في عصرنـا الحديث.

فالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى، التي كانت من الدول الإستعمارية الكبرى، وكانت تسمى بسيدة البحار والمحيطات، والتي أفلت عنهـا الشمس في عصرنا هذا، وأصبحت تابعا لسياسة الإدارة الأميركية التي يديرها الصقور الطامعون في كسب ود ورضا اللوبي الصهيوني في أميركا وتل أبيب، وكانت بريطانيا العظمى - كما كان يطلق عليها في السابق - سبب بؤس وشقاء ومعاناة وعذاب وتشريد واغتصاب دولة فلسطين وشعبها بعد صدور وعد بلفور المشئوم العام 1917م بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وفي العام 1947م تم تقسيم فلسطين من قبل عصبة الأمم، وفي العام 1948م تم إعلان الدولة الصهيونية وعرف بعام النكبة أو (نكبة فلسطين).

شنت تلك الدولتان حربا مدمرة على العراق، بحجة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وتهديد جيرانه، وقامتا بإسقاط النظام الحاكم في العراق، ووعدتا بدمقرطة العراق، أو بالأحرى تصدير الديمقراطية إلى العراق، وإلى دول أخرى سيأتي عليها الدور، بحسب القائمة الموضوعة سلفا، والمعدة جيدا في مطابخ البيت الأبيض والبنتاغون، بإشراف أمهر كبار الطباخين الصهاينة في واشنطن وتل أبيب.

والغريب في الأمر أن أميركا وبريطانيا، اللتين تعتبران من قلاع الديمقراطية، كانتا ترفضان بشدة وإصرار مطالب الشعوب في العالم أجمع بوقف هذه الحرب التي أعدوا لها العدة، وحشدوا لها كل ما لذ وطاب من أصناف العتاد والسلاح وملأوا البحار والمحيطات بسفنهم وبوارجهم، وحاملات طائراتهم الحربية، والمليئة بشتى أنواع أسلحة الدمار الفتاكة.

وهذا التعنت والإصرار، وعدم التروي والتريث، وعدم الامتثال لنداء العقل والمنطق، وتجاهل المطالب الشعبية لتلك الحشود والجماهير التي فاقت في أعدادها الملايين من البشر التي خرجت لتعبر عن مشاعرها ورفضها لهذه الحرب وما تخلفه من دمار وخراب وقتل لملايين الأبرياء، وما يلحق ذلك من ويلات ومآس، وخسائر مالية وبشرية ضخمة تكون وبالا على الأجيال القادمة، وعلى مكتسبات وإنجازات الدول والشعوب في المنطقة... هذا التجاهل لصوت هذه الشعوب الرافضة والمنادية بوقف الحرب، يعني مما لا يقبل الشك والريبة، أن هؤلاء لا يكترثون بالآخرين، ولا يحترمون الرأي الآخر وبفعلهم هذا وشنهم الحرب على العراق، كانوا أول من زرع بذور الدكتاتورية في عصرنا الحديث، وأصبح منطق القوة والجبروت هو الذي يتحكم وشريعة الغاب والدكتاتورية هما اللتان تسودان هذا العالم، ولن يكون للدول الضعيفة مكان في هذا العالم، وستتحكم الدول القوية في مصير الدول الضعيفة، وستكون هيئة الأمم المتحدة مجرد منصة للخطابة على حد تعبير الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين.

وخير مثال على ذلك ما نشهده اليوم من تجاوزات وانتهاكات خطيرة، يقوم بها السفاح الإرهابي شارون بحق الشعب الفلسطيني من قتل وتدمير وهدم آلاف البيوت على رؤوس ساكنيها، واغتيالات واجتياحات ومجازر ومذابح مروعة وغيرها من الممارسات والجرائم التي يندى لها جبين البشرية جمعاء، والعالم يلتزم الصمت المقيت، ويغض الطرف عن كل تلك الممارسات اللاإنسانية واللاأخلاقية التي تدخل في إطار جرائم الحرب، المخالفة لكل الأعراف والقوانين الدولية.

إن الهدف الرئيسي من وراء القيام بشن حرب على العراق، ليس إسقاط النظام فيه، وليس تدمير أسلحة الدمار الشامل، وليس ما يدعون ويبررون ويسوقون له من حجج واهية، وإنما هو فرض الهيمنة والسيطرة على العالم وعلى مقدرات الشعوب، ونهب خيراتها وثرواتها، وخصوصا النفط عصب الحياة، والمدور لعجلة الصناعة، ومن ثم إعادة رسم خريطة العالم، وتوزيع الأدوار من جديد والهدف الأكبر هو تحقيق الحلم الصهيوني، بإقامة الدولة العبرية من النيل إلى الفرات.

لقد حان لنا - نحن معشر العرب والمسلمين - أن نفيق من سباتنا العميق، وأن نخرج من بياتنـا الشتوي، كما يخرج المارد العملاق من فانوس علاء الدين السحري وأن نضع خلافاتنا ومنازعاتنا جانبا، ونشحذ الهمم ونشمر عن سواعدنا ونواجه الواقع بكل شجاعة واقتدار، لنثبت وجودنا ونقوي ركائزنا ولنفوت الفرص على من جاء يغزونا ويستولي على خيراتنا وثرواتنا في عقر دارنا، ويعيد استعمارنا من جديد، ليحيل حياتنا إلى جحيم لا يطاق.

محمد خليل الحوري

العدد 651 - الخميس 17 يونيو 2004م الموافق 28 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً