العدد 651 - الخميس 17 يونيو 2004م الموافق 28 ربيع الثاني 1425هـ

حقا الناس جواهر...!

في إحدى الليالي المعتدلة مناخيا جلست وحيدا في غرفتي التي تطل على مزرعة صغيرة تقع خلفها؛ كان قد زرعها والدي لإضفاء رونق على بيتنا المتواضع، فقلت في نفسي لأفتح هذه الشبابيك بغية اصطياد بعض النسمات الإلهية النقية.

ثم جلست ممسكا قلمي الذي كثيرا ما راقصته أصابعي على أوتار الدفاتر الصافية، لأفيق من غفوتي حالما تغط أوراقي بعرق هذا القلم، جلست في هدوء كنت أجرجر أثناءه قلمي راسما خطوطا طولية وعرضية ليس لها معنى، وكان عقلي آنذاك يسترجع شريط الذكريات في مختلف مراحلي العمرية حتى طرأت على ذهني تلك المرأة التي رأيتها العام الماضي في ذلك المعرض السوري.

فقلت: لن ابخل على القراء الأعزاء بهذه الحادثة النادرة، التي قد اعتبرها رائعة في حين هي مؤلمة لصاحبها، فدعوني أحدثكم عنها: في أحد أيام العرض قررت الذهاب مع ثلة من الرفاق لذلك المعرض علنا نجد ما يعجبنا فنشتريه أو ما يروقنا التفرج عليه.

وصلنا إلى المعرض فركن أحد الرفاق السيارة جانبا ثم هممنا بالدخول فإذا بنا نتوقف أمام جموع غفيرة قد تزاحمت في صحن المكان، وعلى أساس «الحشر مع الناس عيد» تدافعنا للدخول، وبينما كنا نتمشى رأيت امرأة في أواخر عقدها الثالث، كانت على مقربة مني، فإذا بها توجه صفعة قوية لأحد الشبان... مازال صوتها يدوي في أذني كلما ذكرت الحادثة، والله لو تلقاها سواه لاحتضنته الأرض، صفعته وهي تقول بأعلى صوتها: «قليل أدب، عديم احترام... وغيرهما من الكلمات المعبرة عن حالها آنذاك»؛ فاندفع نحو الموقع أحد رجال الأمن ليستفسر عن الأمر، فقالت له: «إن هذا الـ... احتك بي»، والحق أنه لم يفعل؛ فقد كنت قريبا ورأيت ما حدث، كل ما في الأمر أن ذلك الشاب لامس كوعه زند تلك المرأة، واحسبه بغير قصد فإن المحل كان مكتظا بالناس.

وإن أردتم الصدق: انه بعدما رأيته منها من دفاع عن نفسها ومحافظة على شرفها، تعلمت درسا لن أنساه، تعلمت أن الناس جواهر وليسوا مظاهر، بل أكثر من ذلك، ومع أنها أخطأت في حق ذلك الشاب، إلا أنها نالت احترامي لتصرفها الذي لا تلام عليه كل امرأة طاهرة تدافع عن نجابتها وترفض أن يسيء أحد لكرامتها كائنا من كان، أما عن الشاب فلا تسألوني ماذا حل به بعد ذلك...!

بدر عيسى الحاج

العدد 651 - الخميس 17 يونيو 2004م الموافق 28 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً