لم تتأثر صناعة الترفيه المنزلي بأمر كما تأثرت بظهور أجهزة تشغيل الأقراص المدمجة الـ (دي في دي)، هذه الأجهزة التي أدى الانخفاض الكبير في أسعارها وأسعار الأقراص التي تشغلها إلى إقبال الناس على شرائها بشكل كبير، حتى أدى الأمر بالبعض للقيام بتحويل غرف كاملة في منازلهم إلى صالات عرض سينمائية. هذا النجاح العالمي صاحبته منغصات أخرى يأتي على رأسها ما يسمى برمز المنطقة أو Regional Coding، الذي يعتبر من أكبر المنغصات في عالم أجهزة الأقراص الصلبة، والذي تصر كبرى استوديوهات هوليوود على القتال من أجله حتى الرمق الأخير.
هذه الرموز التي توجد على الغلاف الخلفي لكل قرص دي في دي، تحدد المنطقة التي تم تصنيع القرص فيها وتحدد ايضا المنطقة التي يمكن تشغيل القرص فيها، إذ إن أجهزة تشغيل هذه الأقراص لا تقبل تشغيل الأقراص التي لا تحمل رمز المنطقة التي يوجد فيها الجهاز، فالجهاز الموجود في البحرين والمنتج من قبل شركة يابانية مثلا تم تصنيعه خصيصا ليعمل في منطقة الشرق الأوسط والمناطق الأخرى التي تقع تحت الرمز نفسه وهي في هذه الحال دول أوروبا واليابان وجنوب إفريقيا، إذ تقع هذه الدول جميعها تحت الرمز 2، وهكذا فإن الأقراص الصلبة التي لا تحمل هذا الرمز لا يمكن تشغيلها في أجهزتنا المنزلية. الاستوديوهات المنتجة لهذه الأقراص وما تحويه من مواد فيلمية هي التي وضعت هذه الرموز لتمنع عمليات التوزيع غير القانونية لأفلامها ولتتحكم في مواعيد طرح أفلامها في الأسواق العالمية، إذ يتم طرح الأفلام في مواعيد تختلف من دولة إلى أخرى، فهي إذا وسيلة لحفظ حقوق بيع الأفلام وتوزيعها أو بعبارة أخرى وسيلة لحفظ أرباح استوديوهات انتاج الأفلام، فالأفلام التي تطرح في أسواق الولايات المتحدة (المنطقة 1) في الصيف مثلا، لا تصل الأسواق العالمية الأخرى الا مع حلول الشتاء، والفيلم الذي لايزال يعرض في دور السينما لدينا ربما تكون أقراصه قد نفدت من أسواق الولايات المتحدة، وهكذا فلحفظ أرباح شركات التوزيع من هذه الأفلام لا يمكن لأي شخص في أي جزء من أجزاء العالم (خارج أميركا الشمالية) أن يحصل على نسخة الفيلم من أميركا في الوقت الذي لايزال الفيلم يعرض في دور السينما في بلد المشتري، ويوضح الجدول رموز كل منطقة في العالم، كما يمكن الحصول على مزيد من المعلومات عن كيفية اختيار رمز المنطقة المناسب لكل جهاز من موقع Multimod manuals.
نعمة أم نقمة
تحديد هذا الأمر يعتمد بشكل كبير على من أنت وأين تكون، فإذا كنت مديرا لأحد الاستوديوهات المنتجة للأفلام فستكون نتائج هذا الأمر عظيمة عليك، إذ ستزداد أرباحك بشكل هائل ليس فقط من وراء العروض السينمائية لفيلمك في جميع أنحاء العالم بل أيضا من جراء طرح الفيلم في الأسواق العالمية.
كذلك إذا كنت مالكا لأحد دور العرض السينمائي فسترغب بشدة في التزام المستهلكين برموز المناطق ومنع استيراد أية أقراص من المنطقة Region1 لتضمن أرباحك من عرض الفيلم.
أما إذا كنت مستهلكا ترغب في مشاهدة فيلم لم يصل لأسواق بلدك أو حتى لدور السينما فيها، فما عليك سوى الانتظار، حتى يعرض الفيلم في دور السينما في بلدك أو حتى يتم انزال الفيلم في أسواق بلدك ليباع بأسعار تختلف كثيرا عن تلك الموجودة فيRegion 1 .
أسباب التذمر
المفترض أن تطرح الأفلام الجديدة في وقت واحد في جميع أسواق المناطق الموزعة على الأقاليم الموضحة أعلاها، ولكن ما يحدث في واقع الأمر هو أن هناك فترة تتراوح بين عدة أشهر الى عدة أعوام بين طرح الأفلام في اقليم واحد مقارنة بالأقاليم الأخرى. هذه المشكلة تحدث بسبب عدم وجود نظام ثابت لأسعار هذه الأقراص المدمجة في الأقاليم المختلفة، وبسبب عدم وجود مميزات ثابتة في هذه الأقراص المطروحة في جميع الأسواق.
هذا الأمر كان مصدرا للكثير من الشكوى والتذمر التي جاء معظمها من خارج أميركا الشمالية، وخصوصا من أوروبا وشرق آسيا واستراليا إذ تزدهر تجارة الأقراص الصلبة، إذ إن أسعار الأقراص تتفاوت بين المنطقتين، كما أنها تطرح بعد أشهر كثيرة من طرحها في أسواق المنطقة 1، والحال في المناطق الأربعة الأخرى أسوأ بكثير من ذلك.
يقول أحد مالكي محلات الدي في دي لرؤية لليزر(Laservision) رياض خميس: «لا يتوقف الأمر عند الأسعار الأرخص والميزات الأفضل في سوق المنطقة 1، بل إن سوق الأقراص منتعشة بشكل كبير في هذه المنطقة بحيث يمكن الحصول على كميات ضخمة من أي فيلم على عكس أقراص منطقة Region2 التي تتوافر بكميات أقل بكثير وتطرح في مراحل متأخرة كثيرا عن Region 1 .
أنظار الموزعين والمستهلكين في جميع أنحاء العالم بدأت تتوجه نحو Region 1 ، ولكن المشكلة التي واجهتهم حينها تمثلت في عدم قدرة الأجهزة الموجودة لديهم على تشغيل الأقراص المستوردة منRegion 1 . وعلى رغم أنه لم يكن ممكنا فعل الكثير لتغيير رمز المنطقة الموجود على القرص نفسه ليتناسب مع الجهاز الموجود لدى المستخدم، فإنه كانت هناك مواقف مختلفة تجاه هذا الأمر، ففي دول شرق آسيا التي تقع في Region 3 (باستثناء اليابان وكوريا وتايوان) التي يتم فيها تصنيع أجهزة تشغيل ذات أنظمة متعددة Full Region، أصبح الطلب على اقراص الدي في دي التي يمكن تشغيلها في جميع المناطق او Multi-region كبير جدا، وخصوصا مع وجود قاعدة تصنيع هائلة لديهم، اضافة الى وجود التساهل القانوني تجاه ما يسمى بـ «الخواص الذكية أوIntelligent Properties» لهذه الأقراص، وبسبب عدم وجود تنظيمات وقوانين فيما يتعلق بالتجارة الشعبية لهذه الأقراص.
أما في أوروبا الواقعة في Region 2 وفي الوقت الذي بدت الأجهزة والأقراص ذات الأنظمة المتعددة هي الحل الأمثل في دول كثيرة في العالم، بدا وكأن المحلات الراقية في أوروبا الغربية مثل ديكسونز لا تطرح مثل هذه الأجهزة، وبدلا من ذلك تم طرح بعض الأجهزة التجارية في محلات تجارية أخرى، وهي مزودة بنظام تشغيل مفرد، ولكنها أيضا يمكن أن تحول الى اجهزة متعددة الأنظمة من خلال جهاز التحكم التابع (الريموت كنترول).
أما في دول الشرق الأوسط التابعة للمنطقة نفسها Region 2 فقد جاء الحل أولا من خلال متاجر توزيع الأقراص الصلبة، إذ يذكر خميس أن حل المشكلة كان يتم عن طريق تحويل الأجهزة التي لا تقبل سوى تشغيل اقراص المنطقة 2، الى أجهزة ذات أنظمة متعددة Multi Region تقبل تشغيل جميع الأقراص بمختلف رموزها، وكانت العملية تتم - بحسب ما يقول خميس - بزرع رقائق إلكترونية صغيرة Chip داخل الجهاز ليتحول الى Multi Region.
بعدها تطورت الأمور بشكل أفضل، إذ يبدو أن معظم موزعي أجهزة تشغيل الدي في دي، لم يتحمسوا لفكرة وجود هذه الرموز، ولهم الحق في ذلك، فالتطبيق الدقيق لمثل هذا الاجراء الصارم يمكن أن يؤثر على مبيعاتهم من هذه الأجهزة، ولذلك بدأوا في تحويل الأجهزة لتصبح قادرة على تشغيل مختلف الأقراص التي تحمل مختلف الرموز.
هكذا يبدو وكأن المشكلة أصبحت شبه محلولة على الأقل بالنسبة إلى المستخدمين في منطقة الشرق الأوسط، أما في الولايات المتحدة الأميركية وكندا وعلى رغم أن هذه الرموز لا تمثل أية مشكلة للمشاهدين هناك، وخصوصا وأن الأميركان الشماليين الذين يشكلون الغالبية في هذه المنطقة والذين يتحدثون الانجليزية، لديهم اية اهتمامات بأية أفلام أجنبية تأتي من مناطق أخرى، بل إن طرح الفيلم الشهيرCrouching Tiger, Hidden Dragon في أسواق المنطقة 3 في آسيا جاء في الوقت الذي كان الفيلم لايزال يعرض في دور السينما الأميركية، وهي حال استثنائية ولا يتوقع تكرر حدوثها لسنوات مقبلة الا انها لم تسبب أية مشكلة للمشاهدين في Region1 ، وهكذا فليس من المستغرب ألا يرغب الكثيرون في اقتناء اجهزة تقبل جميع رموز الأقراص الصلبة.
ردود فعل الشركات الأميركية
لكن التذمر الحاصل في هذه المنطقة جاء من الشركات الأميركية التي تنتج هذه الأفلام والتي تلتزم باتفاقات معينة مع الشركات الموزعة في المنطقة 2. الشركات الأميركية اعترضت على عمليات استيراد الأقراص التي تصنع خصيصا للمنطقة 1، واعتبرت الأمر غير قانوني وأشبه ما يكون بعملية القرصنة في المصنفات الفنية، ورفعت اعتراضها ذاك لحكومات الدول اما عبر سفاراتها او خلال زيارات قامت بها وفود من الشركات الأميركية لدول المنطقة. في البحرين تم ذلك من خلال الزيارة التي قام بها وفد من عدة شركات أميركية قبل أسابيع عدة والآن ترك الأمر للسفارة الأميركية لتواصل التفاوض فيه مع إدارة الملكية الصناعية بوزارة التجارة، عن هذا الأمر تحدثنا مع مدير ادارة الملكية الفكرية بالوزارة محمد الشاعر الذي أوجز المشكلة قائلا «المشكلة تتعلق باستيراد اقراص DVD من منطقة Region 1 وهو الأمر الذي احتجت عليه الشركات الأميركية بحجة وقوع منطقة البحرين تحت Region 2 التي ترتبط هذه الشركات الأميركية مع الشركات الواقعة، فيها باتفاقات توزيع تحفظ لكلا الطرفين حقوقه المالية، والواقع أن عمليات استيراد هذه الأقراص حدثت بسبب التجارة الإلكترونية التي تقوم بها الشركات الأميركية عبر الانترنت».
ويضيف الشاعر: «لم نتمكن بعد من إصدار أي قرار بخصوص هذا الأمر ولانزال بانتظار الرأي القانوني من داخل الوزارة».
وعما إذا كان لهذا الموضوع أي تأثير على اتفاق التجارة الحرة التي يتوقع توقيعها قريبا بين مملكة البحرين والولايات المتحدة الأميركية حيث يتضمن هذا الاتفاق بندا يتعلق بتعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية، يجيب الشاعر «لا تأثير لهذا الموضوع على اتفاق التجارة الحرة، وخصوصا أن عملية استيراد هذه الأقراص لا علاقة لها بالقرصنة، فالأقراص المستوردة أصلية».
موقف السفارة الأميركية لم يبدُ واضحا وخصوصا مع امتناع المسئولين هناك عن الاستجابة لمكالمات «الوسط» أو للأسئلة التي أثيرت عن هذا الموضوع.
المزيد من الإجراءات
الشركات الأميركية من جانبها، لم تنتظر لحين اصدار مثل هذه القرارات من قبل الحكومات في أي المناطق التي تستورد الأقراص، فقامت بإنشاء مجموعة أخرى من الرموز وثبتتها على الأقراص المتوافرة في .Region 1الطريقة الجديدة تعرف باسم RCE (اختصارRegional Coding Enhancement ) أو تعزيز نظام رموز المناطق، والتي تمنع تشغيل بعض أقراص الدي في دي حتى في الأجهزة ذات الأنظمة المتعددة المتوافرة في جميع الأسواق العالمية.
هذا النظام الرقمي الجديدة في ترميز الأقراص يوجد على بعض أفلام شركتي وارنر بروس وكولومبيا بيكتشرز، وهناك الكثير من الأفلام التي استخدم فيها هذا النظام الجديد في الترميز منها على سبيل المثال All The Pretty Horses، Anger Management، Bad Boys 2، Charlieصs Angels، Daddy Day Care، Maid in Manhattan والكثير من الأفلام الأخرى.
جشع لا حدود له
قضية الرموز هذه تثير الكثير من الأسئلة لعل معظمها يتعلق بجشع الشركات الأميركية الذي لا يجد له حدودا، فهذه الشركات تطرح ما تشاء من الأسباب لتبرر جشعها ولتفرضه على العالم بأسره، كما هو الحال مع الكثير من القضايا في كل المجالات، في حين أنها لا تتعارض مع أي من حقوق الملكية الفكرية.
في المقابل يمكن لجميع مستهلكي هذه الأقراص أن يثيروا جدلا مشابها يتعلق بالأسعار التي تفرضها الشركات المنتجة على هذه الأقراص والتي تبلغ اكثر من الضعف. وهكذا ففي مقابل مطالبات هذه الشركات وضع قوانين صارمة على استيراد الاقراص من Region 1 يجب أن تكون هناك مطالبات بوضع نظام ثابت للأسعار وتواريخ ثابتة لطرح الأفلام في جميع الأسواق العالمية.
يغطي الاتفاق جميع القوانين والتشريعات المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية، مثل حماية براءة الاختراع والعلامة التجارية وحقوق الملكية للرسوم والنماذج الصناعية ومنع المنافسة غير المشروعة والإشارات الجغرافية وحقوق الملكية الأدبية والفنية مثل حقوق المؤلف والحقوق المتعلقة بسائر المصنفات الأدبية والفنية والأعمال الموسيقية والتصويرية والسمعية والبصرية.
يلتزم الطرفان بتفعيل القوانين والتشريعات المتعلقة بجميع جوانب حماية الملكية الفكرية والعمل من أجل توفير الحماية القصوى لحقوق الملكية الفكرية طبقا للمعايير الدولية وقوانين المنظمة العالمية لحماية حقوق الملكية الفكرية طةذد واتفاق منظمة التجارة الدولية المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية trips.
يلتزم الطرفان بفرض عقوبات صارمة للقرصنة والتزوير والتعدي على حقوق الملكية الفكرية
العدد 660 - السبت 26 يونيو 2004م الموافق 08 جمادى الأولى 1425هـ