شنت قوات الاحتلال الأنجلو أميركية الحرب على العراق بعد توجيه عدة إنذارات للنظام العراقي السابق لإجباره على الاعتراف بامتلاك «أسلحة الدمار الشامل»، التي لم يستطع مفتشو الأمم المتحدة إثبات امتلاكه لها. فبدأ المحتلون العدوان على العراق في 20 مارس/ آذار، إذ تم إطلاق أكثر من 40 صاروخا من طراز «توماهوك كروز» من ست قطع حربية أميركية من البحر الأحمر ومنطقة الخليج على العاصمة العراقية بغداد، إذ حشد الرئيس الأميركي جورج بوش أكثر من 255 ألفا من جنوده مدعومين بمئات الطائرات والدبابات والمروحيات. وتزامن الهجوم مع خطاب لبوش برر فيه الهجوم، معتبرا أن «الطريقة الوحيدة للانتصار في هذا النزاع هي استخدام القوة الحاسمة»! وبدأت قوات الاحتلال التقدم عبر منافذ العراق ومدنه المختلفة للوصول إلى بغداد، وتخلل هذا التقدم قصف وقتل سقط خلاله آلاف العراقيين، وقصفت فيه الكثير من المباني ذات الأهمية السياسية والتاريخية والدينية. وأظهرت بعض القوات العراقية مقاومة في بعض المواقع، إلا أنها لم تكن في المستوى المتوقع وخصوصا عندما سقطت بغداد.
سقوط بغداد
سقطت العاصمة العراقية بغداد في التاسع من ابريل/نيسان من دون أية مقاومة، إذ كان المراقبون يتوقعون حربا دامية تعصف بالغزاة، لكن هذا ما لم يحدث. واختفى فجأة النظام العراقي السابق كاملا بما فيه صدام حسين الذي كان يشجع العراقيين على المقاومة، وكذا ولداه عدي وقصي. في الوقت الذي ظل وزير إعلامه الشهير محمد سعيد الصحاف ينفي سيطرة المحتلين على المدن والمنافذ حتى وقت سقوط بغداد. وما يبعث على الدهشة أكثر اختفاء الجيش المكون من الحرس الجمهوري البالغ عدده نحو 12000 وفدائيي صدام 25000 وذلك بعد سقوط بغداد من دون أية مقاومة تذكر.
وتضاربت الأنباء بشأن اختفاء معدات هذا الجيش، وذكر عدد من المحللين السياسيين والقادة في نظام البعث أن الغزاة جربوا أسلحة أميركية جديدة قضت على قدرات الجيش العسكرية التي كانت في واقع الأمر قديمة. وسرح الكثير من قادة الألوية الجنود حين رأوا ذلك هو الحل الأمثل. وتم إسقاط تمثال صدام في «ساحة الحرية» الأمر الذي اعتبر رمزا لسقوط الطاغية، وشرع الغزاة في نشر قواتهم في جميع ضواحي العاصمة. ولم تنته المعركة حين أعلن بوش انتهاء المعارك، وانما بدأت المقاومة المسلحة.
غارنر وبريمر يحكمان العراق
مع إعلان انتهاء الحرب وصل بغداد الجنرال الأميركي جاي غارنر المكلف بالاشراف على إعادة البناء والإعداد لتشكيل حكومة مؤقتة من العراقيين في الحادي والعشرين من ابريل. وحرص غارنر حينها على التأكيد أن بلاده لن تتدخل في تحديد شكل أو تركيب الحكومة العراقية المؤقتة، وستترك الأمر للشعب العراقي. وبعد مضي 15 يوما على تعيين غارنر في هذا المنصب تم استبداله ببول بريمر تحت مسمى الحاكم المدني للعراق، إذ حظي بسلطات أعلى من خلفه. واحتفظ بريمر بهذا المنصب حتى تسليم السلطة يوم أمس الثامن والعشرين يونيو/ حزيران 2004.
اعتقال صدام حسين
كانت مفاجأة الرابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول والتي لم تكن أيضا من المتوقع حدوثها بهذه السهولة، لولا وجود خونة في النظام السابق المبني على «الخيانة»، هي سقوط رأس النظام العراقي السابق صدام حسين في قبضة قوات الاحتلال. وكان سقوطه دراماتيكيا جدا أشعر الكثيرين بمدى الضعف الذي هو عليه، فبعد زعمه أنه سيظل يقاوم ويدافع عن بغداد حتى الرمق الأخير، قبض عليه في حفرةٍ صغيرةٍ في إحدى مزارع تكريت مسقط رأسه. وما لم يفهم حتى الآن أن صدام لم يبد حينها أية مقاومة لعملية الاعتقال. وكان عرض الطاغية على شاشات التلفزة كثّ اللحية منفوش الشعر لا حول له ولا قوة أكبر دليل على الانتكاسة التي بلغها صدام بعد كل الظلم الذي مارسه ضد العراقيين أثناء فترة حكمه. وقبل اعتقال صدام بفترة، قتلت قوات الاحتلال ولديه عدي وقصي اللذين لم يكونا أفضل منه في كل الأحوال في قصف الفيلا التي كانا يتحصنان فيها، حينما وشى بهما أحد أقاربهما.
تشكيل مجلس الحكم الانتقالي في يوليو/ تموز 2003
تم تشكيل مجلس الحكم الانتقالي الذي ضم 25 عضوا روعي فيه تمثيل الطوائف المختلفة والذي كان حتى تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة بمثابة الحكومة.
من المجلس الى التسليم
كان المجلس على رغم أهميته السياسية يعاني من عدم تنفيذ قراراته، إذ كان لابد من موافقة الحاكم المدني الأميركي عليها، على عكس القرارات التي اتخذها المحتلون عن طريق مجلس الأمن الدولي بخصوص العراق والتي لم تكن تصب أساسا في مصلحة الشعب العراقي بقدر ما تصب في المصلحة الأميركية. ومع ذلك عانى أعضاء المجلس من الضغوط السياسية ولقي اثنان من أعضائه مصرعهما في الهجمات التي شنها المسلحون عليهم. والأدهى هو خروج معظم أعضاء المجلس من تشكيلة الحكومة العراقية المؤقتة حين شكلت.
الحكومة العراقية المؤقتة
شهد الحادي من يونيو/حزيران تحولا جديدا في الحياة السياسية العراقية باختيار غازي عجيل الياور رئيسا للعراق وتشكيل الحكومة العراقية المؤقتة التي ضمت 33 وزيرا برئاسة أياد علاوي. وتتولى هذه الحكومة أمور الدولة حتى إجراء الانتخابات العامة المفترض أن تكون في مطلع العام 2005. وبتشكيل الحكومة المؤقتة حل مجلس الحكم الانتقالي تلقائيا. وبانتظار الانتخابات توارى عن الأنظار بعض أعضاء المجلس بينما بقي البعض الآخر ظاهرا في الحياة السياسية.
تسليم السلطة قبل يومين من الموعد المقرر لتسليمها للحكومة العراقية المؤقتة من قبل المحتلين، وتجنبا للتهديدات التي أطلقها أبومصعب الزرقاوي وأتباعه بشن هجمات على العاصمة بغداد، تم يوم أمس وفي احتفال رسمي رمزي في قصر المؤتمرات بالمنطقة الخضراء تسليم السلطة من الحاكم الأميركي بول بريمر إلى رئيس العراق غازي الياور. وأدت الحكومة العراقية المؤقتة اليمين إيذانا بتسلم مقاليد السلطة. غادر بعدها بريمر العراق عائدا إلى بلاده، مدشنا مرحلة جديدة من الحمل الثقيل الذي سيظل الشعب العراقي حكومة وشعبا يتحمله في المرحلة المقبلة
العدد 662 - الإثنين 28 يونيو 2004م الموافق 10 جمادى الأولى 1425هـ