العدد 662 - الإثنين 28 يونيو 2004م الموافق 10 جمادى الأولى 1425هـ

هل سلمت السلطة للعراقيين حقا؟!

بالأمس سلمت الإدارة الأميركية العراق حقه في السيادة التامة لأرضه... هل يئست أميركا من إصلاح العراق وحققت للعراقيين حلما كانوا بانتظاره لتحقيق الإصلاح في بلادهم؟ أم أنه مجرد مشهد من مسلسل دراماتيكي، حازت أميركا منه على دور البطولة؟!

المتتبع لحوادث العراق منذ دخول قوات الاحتلال وسقوط نظام صدام إلى يومنا هذا يعرف الجواب القاطع لشكوكه التي ربما ساورته بعد مغادرة الحاكم المدني للعراق بول بريمر وبعد أداء الحكومة العراقية لليمين القانوني قبل الموعد المحدد له في 30 من الشهر الجاري.

«لن يكون هناك أي تغيير بانتشارنا العسكري في العراق بعد تسليم السلطة للعراقيين... كل ما هناك هو أننا سنتواجد في هذا البلد بدعوة من حكومة عراقية ذات سيادة ستطلب منا البقاء إلى حين القضاء على المجرمين، كأولئك الذين اقترفوا الفظاعات في (الفلوجة)». هذا هو المفهوم الأميركي لنقل السيادة إلى العراقيين وفق تصريحات أدلى بها مساعد وزير الدفاع الأميركي بول وولفوفيتز في الثاني من أبريل/ نيسان الماضي. وعلى رغم المستنقع الأمني الذي تورطت فيه واشنطن في العراق، فإن الجلاء عن هذا البلد وتسليمه مطلق حريته لن يتم قبل أن تتمكن الإدارة الأميركية من تحقيق طموحاتها بالسيطرة الكاملة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

ففي هذا الوقت تستمر الشركات الأميركية المرتبطة مباشرة بإدارة الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني ومستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس بتحقيق أرباحها على ضوء عشرات القوانين والمراسيم التي سُنَّت بعد احتلال العراق بهدف ضمان سيطرتها على السوق العراقية الآن وفي المستقبل.

«حلم اقتصادي» هذه هي العبارة المناسبة للقوانين والهيكليات الاقتصادية الجديدة التي أرستها سلطة الاحتلال في العراق. فقد وقَّع الحاكم المدني منذ تلك الفترة عددا من القرارات الرسمية التي غيرت وجه النظام الاقتصادي العراقي تغييرا جذريا، وذلك بتحديد سقف الضرائب بـ 15 في المئة، وإلغاء الرسوم المفروضة على البضائع المستوردة إلى العراق واستبدالها بـنفقات إضافية مخصصة لإعادة الإعمار قدرها 5 في المئة، بالإضافة إلى خصخصة أغلب شركات القطاع العام العراقي. إلاّ أن التغيير الأكثر إثارة للجدل تجسَّد في النظام الجديد الذي سنته القوَّات الأميركية لإعادة تنظيم، أو بعبارة أصحّ تفكيك القوانين العراقية المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية. فقد نصَّ القرار رقم 39 المؤرخ في 19 سبتمبر/أيلول الماضي على فتح العراق برمته، باستثناء قطاع الموارد الطبيعية، للمستثمرين الأجانب. ويلغي هذا القرار وجوب طلب إجازة مسبقة للمستثمرين الراغبين في العمل في العراق، ولا يفرض على المستثمر الأجنبي اتخاذ شريك محلي عراقي، ولا يلزمه بإعادة توظيف قسم من أرباحه في البلد كما هو الحال في معظم دول العالم. ويرسي هذا القرار قواعد اقتصادية أكثر «ليبرالية» من تلك المعمول بها في الولايات المتحدة أو بريطانيا (إذ تغلق قطاعات كثيرة أمام الاستثمارات الأجنبية، ومنها قطاع التسلُّح أو الإعلام).

وعلى رغم هذه القوانين التي أغدقت على الشركات المتعددة الجنسية معظم ما تشتهيه من مغانم، إلا أن العراق الوطن والعراقيين أبناءه بقوا الفئة المستبعدة. كانت هذه مجرد وقفة قصيرة، أما الوقفة الأخرى فهي أن سلطة الاحتلال لم تحصر همَّها بإعادة الأمن والاستقرار بقدر ما حصرته بنص قوانين جديدة من شأنها تحقيق أكبر قدرٍ من الأرباح لشركاتها، وبالطبع على حساب الشعب العراقي. فقد فتحت المجال أمام تسُّيب أمني خطير أدى إلى نهب الثروات المحلية والثقافية للعراق وعملت على تفكيك معظم المصانع والمؤسسات الرسمية العراقية التي بيعت محتوياتها كخردة بالية. إلا أن الوضع الأمني المتدهور، وقف عائقا أمام تحقيق «الحلم الأميركي» في العراق، ما دفع واشنطن إلى التوسُّل للحصول على مساعدة الأسرة الدولية عبر منظمة الأمم المتحدة بعد عامين من سياسة التفرد التي اتَّبعتها في العراق، مع هذا بقيت الأكثر نفوذا.

بعد هذا السرد التاريخي الممل هل بقيت لنا شكوك خاصة في تسليم السلطة التامة للعراقيين، أما ما شاهدناه عبر شاشات التلفزة فهو مجرد حملة دعائية لانتخابات الرئاسة الأميركية أو لفتة كريمة تكرمت بها الولايات المتحدة على الشعب العراقي وأمنته الحق في تقرير مصير بلاده!! عند هذه النقطة نبقي لك أن تختار الجواب لشكوكك

العدد 662 - الإثنين 28 يونيو 2004م الموافق 10 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً