أحاسيس متناقضة سيطرت على السوريين وهم يتابعون محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، غالبية السوريين الذين وقفوا ضد الحرب على العراق، شعروا ان محاكمة صدام حسين هي بين نتائج تلك الحرب، وربما كثير من هؤلاء رفضوا المحاكمة باعتبارها جاءت على خلفية موقف أميركي ليس إلا. قسم آخر من السوريين، رحب بالمحاكمة باعتبارها طالت رمزا من رموز الاستبداد العربي، لكن اختلافات ظهرت في صفوف الذين رحبوا بالمحاكمة بعضهم توقف عند مجرياتها وآخرون انتقدوا ظروفها، وكلها كانت بين مبررات ساقها كثير من الاشخاص في الشارع السوري لتبرير رفضهم محاكمة صدام حسين. "الوسط" سألت في دمشق عددا من السوريين بينهم ثلاثة من نشطاء العمل العام في موضوع محاكمة صدام حسين:
محاكمة الاستبداد
ورأى الناشط والمثقف المعروف ميشيل كيلو، ان محاكمة صدام هي محاكمة للاستبداد، ورحب بالمحاكمة، لأن صدام حسين حاكم مستبد فرض نظاما على شعبه بالقوة العارية بعد أن جزأه وقسمه إلى طوائف وعشائر ووضعه في مواجهة بعضه بعضا وميز بين فئاته المختلة وركز كل ما لدى السلطة من قوة عليه بعد أن حدثها كسلطة قمعية لا ترى لنفسها عدوا غيره، ولأنه لعب دورا كبيرا في إشغال العرب بمعارك جانبية فرقتهم عن بناء حياة حديثة تقوم على وحدتهم كأمة وعلى حريات مواطنيهم وعلى العدالة في توزيع ثرواتهم والاستنارة من تفكيرهم. كان نظامه نظاما معاديا في الجوهر للعرب الذين كثيرا ما أساء إليهم عندما صور نفسه في صورة النظام القومي الذي يعبر عن مصالحهم.
محاكمة في ظل الاحتلال
اما المحامي ورئيس جمعية حقوق الإنسان هيثم المالح، فقد رفض المحاكمة لانها تجري تحت ظل الاحتلال، لكنه أكد موافقته على المحاكمة من حيث المبدأ، لأن صدام رجل مستبد قاد العراق في حربين مع إيران والكويت إلى مأزق وكوارث لم يكن لها أي مبرر، وباعتباره رئيس نظام استبدادي شمولي مثل معظم أقطار العالم العربي ويكون أكثر دموية، ومن الطبيعي أن يحاكم النظام ورأسه بعد سقوط النظام، لكن المشكلة لا يجوز أن تجري المحاكمة في ظل حكومة عينتها الإدارة الأميركية في العراق والمفروض بعد أن يعود للعراق سيادته ويكون هناك برلمان منتخب يمثل الشعب، عندها ممكن محاكمته من قبل قضاء حيادي مع وجود الضمانات الدولية المتعارف عليها. من حيث المبدأ نحن ضد الأنظمة الاستبدادية الشمولية، لكن المبدأ يجب ألا يعمينا عن تلمس العدالة للجميع.
محاكمة ملتبسة
وأكد الاعلامي والناشط حسين العودات التباسات المحاكمة، قائلا: بغض النظر عن شرعية المحكمة وإجراءاتها وتجاوز الشبهات بشأن علاقة رئيس مجموعة التحقيق سالم الشلبي بالإسرائيليين والأميركيين، فقد لاحظت أن المحاكمة "أو التحقيق" لا تتواءم مع الادعاء بالديمقراطية سواء من قبل الإدارة الأميركية وقوات الاحتلال أم من قبل الحكومة المؤقتة، وتبدى ذلك مثلا في أن التحقيق يجري بغير حضور محامين عن المتهمين "وهذا يخل بألف باء المحاكمات العادلة" كما سمحت الجهة المعنية ببث بعض صور شريط المحاكمة من دون بث الصوت كاملا، هذا فضلا عن جهل قاضي التحقيق الواضح بأصول التحقيق. لفت الانتباه ارتباك التحقيق تجاه المحاكمة ويبدو انه لم يتقرر بعد هل هي محاكمة قضائية عادلة أم محاكمة سياسية، كما يبدو أن الاستعجال ببدء التحقيق "والمحاكمة" كان محاولة لتوظيفها لصالح إدارة الرئيس بوش والانتخابات المقبلة ولصالح الحكومة المؤقتة التي تسعى للحصول على أية مؤشرات تذكر الناس بشرعيتها. لوحظ أن المحاكمة أكدت انقسام الرأي العام العراقي طائفيا وقوميا وحرضت على تعميق هذا الانقسام، ولا يستبعد إذا استمرت المحاكمة أن تكون شرارة لمزيد من الصراع الداخلي. وأخيرا يبدو لي أن صدام حسين مازال متماسكا، وكاد يحاكم قاضي التحقيق بدلا من حصول العكس. السوريون في موقفهم من محاكمة صدام حسين، يعيدون التذكير بموقفهم المعارض للحرب على العراق، التي رأت غالبيتهم انها تضر بالشعب العراقي وبمصالحه، كما تضر بالعرب، وبسورية، لكن ذلك الموقف الموحد والمتماسك لايعكس نفسه في موقف السوريين في محاكمة رئيس النظام السابق صدام حسين ففي هذا الموقف بعض التباينات
العدد 670 - الثلثاء 06 يوليو 2004م الموافق 18 جمادى الأولى 1425هـ