إن أي تيار وأية حركة وتوجه لابد أن يتخلل طريق بدايته صعوبات وعراقيل تقف أمام أسسه وجذوره، ولطالما مرت على عيوننا ما نقرأ حركات توقفت وأوئدت منذ بداياتها، وفي مراحل ولادتها، وكل ذلك لما واجهته في طريق بنيان أسسها وأعمدة مبادئها، ولكننا نرى في المقابل التيار والكيان الإسلامي يتمتع بطول بقاء وهو شامخ على رغم ما مرت عليه من ويلات وتحديات وأزمات وصعوبات وعراقيل وتشويه، لأنه منبعث من تأييد السماء له فإن كل ما يمر عليه من فتن وويلات يواجهها بحزم وقوة سماوية ويتغلب عليها، وإن استعصى على ذلك سلم أمره إلى حافظه وخالقه وهو الله، - مثلما يقول أبو طالب لملك الحبشة (للبيت رب يحميه) - ولكن يأتي هنا التساؤل ما تلك الأسس التي يقوم عليها الإسلام ومن يقوم بحفظ الكيان الإسلامي كواجهة دعوة وقدوة وما أبرز مظاهر الحفاظ عليه؟ وما الصعوبات التي واجهت الكيان الإسلامي وتواجهه اليوم والتي تعتبر تحديات تعترض طريق كل مسلم؟ وما الطريقة والسبيل لمواجهتها؟
إن من أهم معطيات الرسالة المحمدية الخاتمة أن شريعتها فطرية منبعثة من فطرة النفس وهذا ما يعزو سبب الكثرة التي تدخل اليوم إلى الإسلام، وإن من أبرز القيم التي ينطلق منها التيار الإسلامي هي أنها غير متكلفة ومصطنعة وإنما هي منبعثة من فطرة النفس الإنسانية وهي الأخلاق الحميدة ونبذ الأخلاق الدنيئة الساقطة، وبصورة أوضح إن أسس الرسالة المحمدية الأصيلة مجبولة عليها النفس الإنسانية من فطرتها وهذا ما يعبر عنه بأن الإيمان بالدين الإسلامي فطري، فإذا كان كذلك فإن أي إنسان جلس مع نفسه وخاطبها عن الحقيقة للخليقة فليست سوى الرسالة المحمدية تستطيع الوصول به إلى الحقيقة التي يطلبها وتجيب عن تساؤلاته، وإن من أبرز هذه الأسس التي أمر الله بها رسوله محمد (ص) أن يبلغها إلى الناس لم تكن غريبة عنهم وإنما أخذ القيم الحسنة وقومها ونبذ الفسوق ورفضه وحاربه، ونرى أن هذا المنطلق جار في تشريع الأحكام والأعراف، وإن هذا المنطلق الذي نهجه الرسول وأهل بيته (ع) في تشجيع الأخلاق الحسنة ونبذ الفسوق وأهله كانت متعارفة لدى الأمم السابقة كرسالة النبي موسى والنبي عيسى والنبي إبراهيم وغيرهم، وهذا ما مهد لأن يكون للإسلام الحض الأوفر في بناء أسس قويمة قائمة على ما تتقبله الإنسانية وتحتاج إليه وأن كل أساس يكون مجبولا على النفس ومتعارفا لديها، فمن ذلك نتجت قوة أسس مبادئ الإسلام.
أما عن الإنسان المسلم وأبرز التحديات التي تعترض طريقه، فهي المحافظة على المستوى الأخلاقي الذي اختزنه من قيم الإسلام، وحمل هم التذمر الأخلاقي والنفور من القلة القليلة التي تدعي العصرنة والتحضر وترفض الكثير من قيم الإسلام بدعوى التقيد والمحدودية في التحرك، ومحاولة تحسين صورة المسلم أمام العالم اليوم، بعد أن تلازم ذكره بالعنف والإرهاب والقسوة.
إن لقيم وتعاليم الإسلام الدور الكبير في تعبئة النفس والروح الإنسانية لعلو وسمو خلقه في كل تعامله مع الآخر، سواء كان هذا الآخر أمه أو أباه أو أهله أو أسرته أو مجتمعه، بيئة عمله أو بيئة صداقته أو بيئة معارفه، بكل الحدود فإن للتعاليم الإسلامية في شحن الروح وعلو همتها في تحسين الخلق الدور الكبير والأثر البارز لكل تعامل يتبادل به الإنسان مع الطرف الآخر، وإن ما نمر به اليوم فيما يعرف بعصر - التطور والمعلوماتية والعصرنة - وما انبهر به المراهقون ما خرج به الغرب علينا من عادات وتقاليد سيئة وما يعرض على التلفزة وما يوضع في بحر النت فإن ذلك إذا ما تلاهى ببحره الإنسان متناسيا كل ما يحمله من قيم إسلامية فإن كل تلك المغريات تكون الدرع الهدّام لخلقه وللشحنة التي لم يرعاها في ولوجه لبحر المغريات وانشغاله بها، ولكن إذا ما لاحظ أن عليه أن يعرف الآخر بقيمه التي تسمح له بنظرة هنا وتمنعه من لذة هناك، تراقبه مرة وتدع الزمام بيده تارة أخرى، فإنه يكون بذلك في أمن وفي درب الواجهة القدوة للآخر لحفاظه فقط على الشحنة الخلقية.
محمد علي آل حيدر
العدد 679 - الخميس 15 يوليو 2004م الموافق 27 جمادى الأولى 1425هـ