العدد 679 - الخميس 15 يوليو 2004م الموافق 27 جمادى الأولى 1425هـ

الإمام الصادق (ع) قدوة الباحث عن الخلق الرفيع

لو أردنا التحدث عن الأخلاق فليس هناك أعمق من أخلاق الإمام الصادق (ع) لنتخذها قدوة وسبيلا للسمو بأخلاقنا وهذا ما وضحه لنا الشيخ محمد أمين زين الدين في كتابه «الأخلاق عند الإمام الصادق (ع)» إذ يقول: «للبيان حق الإيضاح والتصوير، وللفكر سلطة النقد والتحليل، وللحق فوق هذا وذلك حكومة عادلة تنير الهدى للبصير، وترغم العادي بالحجة، والكاتب مدين للحق في تفكيره، قبل أن يموت مدينا في تصويره.

للكاتب أن يتفنن في حديثه ما يشاء له الذوق، وأن يتعمق في بحثه ما تسمح به قوة النظر، ولكن عليه قبل ذلك أن يتخذ من الحق دليلا، ومن العلم الصحيح مرشدا، عند ما يريد أن يعرض على قرائه عظيما من عظماء الإنسانية، ومعجزة من معجزات القرون، ولاسيما إذا كان هذا العظيم من أمثال جعفر بن محمد الصادق، مثال العقل السامي، والإنسانية الكاملة.

ستعترض الباحث في طريقه أسرار، وستقف أمامه شئون وألغاز، يقف دون حلها وقفة الحائر ولعله يرجع عنها رجعة الخاسر، إلا أن يسترشد بهدى العلم الصحيح.

أقف عند ملتقى الخطوط من عبقرية الإمام جعفر بن محمد فتتملكني دهشة لم أكن أعهدها لنفسي، ويكاد اليراع أن يكبو من يدي، وتموت الكلمات على شفتي، لم يعودني عليه البنان من قبل، ولم يخني في مثله التفكير.

تلك هي مزالق الفكر البشري المحدود إذا أراد أن يسمو إلى آفاق غير محدودة، وحيرة المصور حين يلتقي بأضواء غير متناهية.

بماذا يحيط الفكر المحدود من هذه الآفاق ليخصه بالتحليل، وماذا يعين المصور من هذه الأضواء المتشابكة ليفرده بالتصوير، أي النواحي من الإمام جعفر بن محمد أقدمها للقراء، وأية خاصة منه أتناولها بالبحث، وكل ناحية منه حرية بالبحث وكل خاصة منه جديرة بالتحليل، كل نواحي جعفر بن محمد علم، وكل خواصه إعجاز.

وبعد أمر وأمر اخترت علم الأخلاق موضوعا لحديثي عن الإمام الصادق (ع) وليس عليّ ان يرتضي جميع القراء مني هذا الاختيار، ما دمت حرا في الإرادة وكانوا أحرارا مثلي، ومادام علم الأخلاق من النفائس النادرة في ميراث الإمام، ولكل إرادته واختياره.

الاخلاق هو العلم الذي يبعث الكمال في النفس البشرية، وينمي القوة والاستقلال في العقل البشري، وهو العلم الذي يساير الإنسانية في اتجاهاتها، ويوجهها عند حيرتها، ويأخذ بيد العقل عند اضطرابه، ويمده بالقوة عند ضعفه، وعلم الأخلاق هو الرسالة العامة التي يجب على كل حي مدرك ان يبلغها إلى حي مدرك، وهو الأمانة الكبيرة التي يجب على كل كائن عاقل أن يؤديها إلى كائن عاقل.

لهذا ولأمثاله اخترت علم الأخلاق موضوعا لحديثي عن الإمام الصادق (ع) وإن لم يكن أجل مميزات الإمام ولا أبرز خواصه، على أن للإمام عناية خاصة بعلم الأخلاق تكفي الباحث حجة على هذا الاختيار، ومن أثر هذه العناية أن طابع علم الأخلاق يكاد يظهر على كل كلمة نقلت عن الإمام وعلى كل أثر نسب إليه.

لم أقصد في بحثي هذا أن اتحدث عن الوجهة الخلقية في نفس الإمام الصادق (ع) فإن هذه الوجهة نفسية تهم الباحث عن عظمة الإمام في شخصيته، أما الذي يبحث عن عظمة الإمام في علمه فعليه ان يتحدث عن علم الأخلاق عنده، وان كانت الوجهة الثانية تكشف عن الأولى في الأكثر.

لم يعتمد الإمام جعفر بن محمد في أخلاقه على نظرية استفادها من فيلسوف، ولا قاعدة أخذها من حكيم، ولكنه استقاها من ينبوع الوحي واستفادها من هدي القرآن، نعم انه لم ينتسب إلى مدارس الفلسفة في أثينا، ولم يخضع لبيوت الحكمة في الهند، ولكن الفلسفة بعض ما تخرج فيه من جامعة القرآن، والحكمة بعض الفروع التي تلقها من مدرسة أبيه محمد، وإن فتى تمت شبيبته في بيت محمد، وكملت نفسيته بإرشاد محمد، وامتزجت بروحه روحانية كتاب محمد جدير أن يكون غنيا عن فلسفة أفلاطون وحكمة أرسطو والمثالية ومعتصرات العقول ونسائج الأفكار.

ولعل أثر هذا التربية يظهر جليا في أحاديث الإمام (ع) وأحاديث الأئمة من آبائه وأبنائه، فإن الباحث قد سجد الأثر الواحد مرويا عن أكثر من إمام واحد وإذا استقصى في بحثه وجد الحديث بلفظه ومعناه مرويا عن جدهم الأكبر (ص) فمنه يقتبسون، وإليه ينتهون، كالأشعة من النور، وكالثمرة من الشجرة». فهل هناك أسمى من هذه القيم كي نتخذها نورا نضيء به دربنا فننعم بخير الدنيا والآخرة؟

ومن أقوال الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع):

- ان الله ارتضى لكم الإسلام دينا فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق.

- من كان عاقلا كان له دين ومن كان له دين دخل الجنة.

- دعامة الإنسان العقل وبالعقل يكمل وهو دليله ومبصره ومفتاح أمره.

نعيمة مطر محمد

العدد 679 - الخميس 15 يوليو 2004م الموافق 27 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً