العدد 726 - الثلثاء 31 أغسطس 2004م الموافق 15 رجب 1425هـ

جدل بشأن القوامة وحقيقتها الشرعية

شابها الفهم الخاطئ فتقاسمتها المرأة مع الرجل

من سنن الله في الحياة، انه خلق الزوجين الذكر والأنثى وجعل لهما كياناً مختلفاً ودوراً يتفق مع تكوينهما الطبيعي، فهما متساويان في القوامة الإنسانية ومختلفان في الشكل والمهمات، ونجد في هذه المساواة والاختلاف آية من آياته في الكون، فلولا هذا ما كان للحب والتزاوج وجود، ليكونا معا كياناً وجسداً واحداً ينبض بقلبين لتستمر الحياة فوق الأرض. هذه الفطرة من صنع الله ثابتة لا تتبدل كقوانين الطبيعة ونظام الكون المحكم، وحين يتمرد الإنسان على خلق الله ويبدله، لا يجني من وراء ذلك إلا تعاسة. البعض أساء فهم حقيقة قوامة الرجل على المرأة وحقيقة المساواة بينهما، فالآية الكريمة تنص على «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما انفقوا من أموالهم» (النساء: 34) فالمسألة ليست مسألة تفاضل في القيمة الإنسانية بقدر ما هي تنظيم رباني حكيم قائم على أساس التركيب الطبيعي لجسد وروح وقلب الرجل والمرأة.

ويرى المنظرون في الدين أن القوامة التي أرادها الله، لا تعني أن الرجل أفضل من المرأة في دين أو دنيا، أو أنها ناقصة محتقرة، إنما هو أعظم تكريم للمرأة بشهادة كبار علماء الغرب اليوم، الذين انبهروا بهذا التوزيع المنظم للأدوار والذي يكفل الاستقرار والحياة السعيدة ويشبع الاحتياجات النفسية والجسدية للمرأة والرجل.

نقف في هذا اللقاء للتعرف على معنى القوامة وحقيقتها الشرعية وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي تولدت عندنا بسبب المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة والتي ينادي بها الكثيرون بمفهوم سطحي دون علم وإدراك بأبسط المعاني الحقيقية للمساواة.

فما هو مفهوم القوامة الشرعية؟، ولم انتقلت القوامة إلى الكثير من النساء المسئولات عن أسر ومنازل؟، وهل المرأة ناقصة عقل ودين كما يدعي بعض المثقفين من رجال عصرنا؟ وهل مفهوم القوامة يتعارض مع الأدوار المختلفة للمرأة في المجتمع كحقها في المشاركة السياسية وتقليدها المناصب القيادية حين تؤهل لذلك؟، وكيف نرد على المفهوم الغربي الذي سيطر على عقولنا في المطالبة بالمساواة والذي أغفل الاختلاف الواقعي بين الرجل والمرأة، حتى وصل اليوم في أوروبا إلى تبديل الأدوار، إذ يجلس الرجل في المنزل كـ «رب بيت» يغسل الأواني ويراعي الأطفال، فيما تكدح المرأة خارج المنزل لتوفير لقمة العيش للزوج والأطفال... نعم وصلت الحال إلى هذا الحد في الغرب وبدأت تنزح إلينا بطريقة ما.

من خلال هذا الحوار الذي استخلصنا منه بعضا من المعاني لحقيقة خلق الله لآدم وحواء، وكيف تتجلى معاني المودة والرحمة بالحب واحترام دور كل منهما في الحياة، يرد كل من الشيخ عبداللطيف المحمود والشيخ علي العريبي على حقيقة الجدال الدائر بشأن موضوع القوامة.

حقيقة القوامة

يبدأ المحمود حديثه بتوضيح معنى القوامة، ليقول: «قضية القوامة مسئولية، وليست تشريفاً وتفضيلاً والله سبحانه وتعالى جعل الرجل باعتبار قدراته الطبيعية مسئولاً عن الأسرة من الداخل والخارج، بقوله عز وجل (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) وقصد هنا جنس الرجال والنساء عامة، ولم يقصد الأزواج والزوجات خاصة، فمسئولية الرجل نحو زوجته وأولاده جزء من مسئوليته العامة، وبسبب مقدرة الرجل على تحمل المشاق والتعب الجسدي كلف بواجب النفقة (...) فالقانون في الغرب لا يلزم الأبوين بالنفقة على الأبناء حين يبلغون سنا معينا وهذا مخالف لجميع الشرائع السماوية، بينما أحكام النفقة التي قررتها الشريعة السماوية تقوم على أساس أن من لديه مال مملوك له فإن نفقته من ماله كان رجلا أو امرأة، لكن واجب الزوج النفقة على زوجته وان كانت غنية، ولابد من حصولها على النفقة لتفرغها لهذه المسئولية. وانبهرت المجتمعات الغربية عندما تعرفت على هذه الأحكام».

الفهم الخاطئ

ويضيف المحمود ان 'عبارة ناقصات عقل ودين كلمة وردت في حديث للرسول الكريم وهو يعض النساء، ولأن البعض لا يأخذ بتفسيره وهو صاحب البلاغ فقد أساؤا للمعنى الذي قصده رسولنا الكريم، فنقصان العقل هو شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد واثبت العلم الحديث أموراً كثيرة تتعلق بالمرأة جسديا ونفسيا تدعم هذا الأمر الإلهي، أما نقصان الدين فهو في رفع العبادات من صلاة وصوم في فترات معينة وهي مثابة لامتثالها أمر الله ولها نفس أجر الرجل.

مشاركة المرأة في النفقة

ويرى المحمود ان «خروج المرأة اليوم للعمل ومشاركتها النفقة في البيت سواء بدافع تحقيق مستوى معيشي مناسب للأسرة، أو بسبب الحاجة لتمضية الأوقات، ان هذا التغير لا يلزم بتغير الأصل، فهذه الظروف التي يحياها الناس اليوم قد تتبدل ويرجع الناس الى سابق عهدهم وبسبب جدة الموضوع صدرت الكثير من الأحكام والاجتهادات الفردية من رجال الدين لكننا بحاجة للوصول إلى اجتهاد وفتوى جماعية توضح الأمور للأسرة المسلمة» وسيبحث هذا الموضوع في ابريل/ نيسان المقبل في مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي من خلال ورقة عمل عن عدة أمور منها هل خروج المرأة للعمل يلزمها المشاركة في النفقة؟، وهل من حق الزوج ان يأخذ من راتب زوجته؟، وهل من حقه ان يمنعها من العمل؟

التفاضل والتمايز

ويشير المحمود الى معنى الآية الكريمة «بما فضل الله بعضهم على بعض» تعني أن كلا منهما مفضل على الآخر بشئ، وليس أحدهما مفضل على الآخر، لأن الله خص كلا منهما بميزة تفوق بها على الآخر، فالمشقة والمقدرة على الإنفاق سهلة على الرجل وتشق على المرأة، بينما الحمل والولادة ورعاية الأطفال تلائم طبيعة المرأة وتصعب على الرجل على رغم مشاركته في هذه المسئولية، فلكل منهما وظيفة محددة لو قام بها الآخر لتحمل الكثير من المشقة التي لا تتفق مع طبيعته الجسدية والنفسية، وهذا البيان الصحيح الذي اختلف فيه الكثيرون واعتقدوا أنها مسألة تفضيل الرجل على المرأة!

حق المرأة في المشاركة

وعن المشاركة السياسية للمرأة وتوليها المناصب القيادية يعلق المحمود قائلا: «العمل في المجتمع سواء كان ذهنيا أو جسديا متاح للمرأة والرجل، إلا أن المرأة متفوقة على الرجل في بعض مجالات العمل، كذلك الرجل يتفوق على المرأة في مجالات آخرى، ويرجع هذا إلى التكوين الطبيعي والنفسي لكليهما، والمشاركة السياسية للمرأة قضية فكرية، فيمكن أن تكون المرأة أكثر عمقا من الرجل في تفكيرها وإدارتها لبعض الأمور، وكذلك الرجل. فلو أخذنا مثال الإدارة في مجال العمل هي علم وفن، فمن تفوق في هذا العلم والفن سواء رجل أو امرأة سيكون ناجحا بغض النظر عن جنسه، وليس معنى استطاعة جنس أن يقوم بعمل الجنس الآخر انه متساو معه، لأن يبقى لكل منهما قدراته وطبيعته التي تميزه».

«فقضية مطالبة المرأة بالمساواة مع الرجل برزت في عصر النهضة الصناعية حين كانت المرأة تعمل ولا تنال نفس أجر الرجل وهذا من حقها لكن إثارة قضية المساواة من دون علم ودراية ونظرة شمولية للعلم والدين يدخل العامة من الناس في مداخلات، وجدل ليس في محله الصحيح».

القوامة والتشاور

وعن مبدأ التشاور والمشاركة في المسئولية في جميع أمور الحياة والأسرة بين الرجل والمرأة يقول المحمود إن «القوامة مهنة إدارية، والإدارة أنواع منها الدكتاتورية والفوضوية والديمقراطية، والإدارة والقوامة التي أرادها الإسلام من جانب الرجل في بيت الزوجية قائمة على التشاور وتبادل الآراء وتوزيع المسئوليات والحقوق والواجبات، فالرجل راع في بيته والمرأة راعية في بيتها، أما ما نجده اليوم من زيادة قضايا العنف الأسري الذي تصل نسبته إلى 30 في المئة في العالم الغربي على رغم من وجود القانون الذي يحمي المرأة فإنه راجع إلى البعد عن القيم الأخلاقية، وتعاليم الدين وغياب التربية السليمة، وهذا ما يحدث في مجتمعاتنا أيضا خصوصا في العقد الأخير، وللأسباب نفسها، فليس القانون وحده هو الذي ينظم الحياة والمجتمع».

الاختلاف التكويني

على ذلك يؤكد القاضي علي العريبي، أن الاختلاف العضوي بين الرجل والمرأة لا يعني اختلافا في حقيقتهما، فهما متساويان في الانتماء إلى الحقيقة نفسها، وهي المساواة الكاملة في الإنسانية، كما قال تعالى: «خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها» (الأعراف: 189)، فدلالة الآية واضحة على وحدة الجنس البشري، والإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والجزاء في الدنيا والآخرة، والقرآن الكريم يزخر بالآيات التي تخاطب الرجال والنساء على السوية، فساوى بينهما في حق التعلم وحق العمل المشروع والحقوق المدنية إذ تحتفظ المرأة باستقلاليتها في التملك وحقها في إجراء العقود كافة، كالبيع والإيجار والهبة، سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، من دون فرض وصاية عليها من زوج أو أب، فضلا عن سواهما. كما أن القوامة المشار إليها بـ «الدرجة» في القرآن الكريم، خاصة بتوزيع المهمات في الحياة الزوجية وفقا للاختلاف النفسي والجسمي، فالشراكة التي تنشأ بعقد الزواج هي مساواة شاملة في المجال الإنساني والاجتماعي والحقوقي، وهذا المفهوم الإسلامي يمثل ثورة في الفكر البشري، تتجلى أهميتها بمراجعة ما طرحته الثقافات السابقة والمعاصرة للإسلام بما في ذلك الفلسفة اليونانية من تصورات تنتقص من إنسانية المرأة وتشريعات تصادر أدنى حقوقها.

التفوق العاطفي

ويرى العريبي أن التفوق العاطفي عند المرأة تعتبر ركيزة أساسية لإنجاح دورها كزوجة وأم، إذ بانعدام هذه الفطرة والعاطفة تضيع الأسرة وتتفكك، فهذا الرصيد العاطفي يشكل عنصر قوة لا ضعف في شخصيتها ولا ينتقص من عقلها كما شاع عند البعض، واتهام المرأة بالنقص ينسجم مع الثقافات التي حطت من كرامة المرأة وحرمتها حقوقها المدنية وحجرت عليها كما في القانون الروماني وقوانين بعض الدول الغربية حتى وقت متأخر من العصر الحديث».

ويضيف «بلغ تكريم الإسلام للمرأة أنه قدمها مثلا للمؤمنين بقوله تعالي «وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون» (التحريم: 11).

القوامة في الاسلام

ويشير العريبي إلى أن «الفهم الخاطئ للقوامة لم يكن المصدر الوحيد لاضطهاد المرأة وممارسة العنف ضدها، فالظاهرة لا تقتصر على العالم الإسلامي فحسب، وإنما تمتد إلى كل المجتمعات، فالمرأة الغربية أيضا مضطهدة على المستوى الاجتماعي والسياسي وتتعرض للضرب على يد زوجها ما حدا إلى فتح مراكز لضحايا العنف الأسري».

«والقضية ترتبط أيضا بطبيعة النزعة الذكورية في المجتمعات، وتخضع أساسا لمنطق ظلم القوي للضعيف، وهذا الظلم لا تردعه ألا يقظة الضمير والتربية على الأخلاق الفاضلة وصرامة القانون (...) والقوامة في الإسلام لا تعني امتهان المرأة واستضعافها، بل تلزم الرجل برعايتها والإحسان إليها تحت ظل المودة والرحمة، لكن البعض يستتر بعباءة القوامة من أجل إخفاء أمراضه النفسية تجاه المرأة».

المساواة الحقيقية

العريبي يرى أن المساواة والتشابه في الأدوار والمسئوليات مع تجاهل الظروف التكوينية بين الرجل والمرأة يؤدي إلى اختلال نسق الحياة ونتيجة لهذا الإسفاف، «نجدها اليوم تعاني الأمرَّين في المجتمعات الغربية، وتعالت الصيحات هناك لإنقاذها وإنقاذ الأسرة من الانحلال الأخلاقي بسبب تعرض القيم الأسرية إلى أبشع أنواع المسخ والتحريف، بحجة الحرية تارة، واحترام حقوق الإنسان تارة أخرى، فساهمت قوانينهم في حرمان المرأة من دفء الحياة الزوجية، في الوقت الذي شرعوا فيه العلاقات الجنسية الشاذة».

«إنها أزمة حضارية يعاني منها الغرب لأنهم عاندوا واقع الإنسان الفطري في بعده الروحي والنفسي، فكيف نجيز لأنفسنا استيراد واستنساخ مثل هذه التجارب الفاشلة وقد أنعم الله علينا بمنهج رباني مستقيم يحمل كل مقومات السعادة والاستقرار؟».

القوامة لست قهراً

ويؤكد العريبي مبدأ التكليف وليس التشريف في قضية القوامة إذ «إن أساسها الرعاية المعنوية والمادية للزوجة، وكما أمر الإسلام المرأة باحترام الزوج وتقديره حسب ما ورد في الحديث الشريف» لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»، وهذه كناية ووصف لمنزلة الرجل عند المرأة، أمر الرجل باحترام زوجته والحرص على خدمتها كما قال الرسول الكريم: «مازال جبريل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة»، ويقول (ص): «خيركم، خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، هذه بعض القيم والمبادئ التي نادى به الإسلام الذي كثيرا ما طُعن واتهم في نصوصه التشريعية وعلى لسان بعض من أهله المسلمين.

القوامة ليست مطلقة

ويوضح العريبي أن «القوامة لا تكون إلا في حدود الأسرة، ولو أن بعض الفقهاء ذهب بأنها مطلقة، والراجح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء أنها محدودة في نطاق الأسرة فلا سلطة للزوج على زوجته في انتماءاتها الفكرية أو ميولها الشخصية، والأولى أن يسعيا إلى التقارب الفكري والاتفاق على جزئيات الأمور والتشاور في كل أمور الحياة بل ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى أنه لا يجوز منع الرجل زوجته من الخروج من المنزل إلا إذا تعارض ذلك مع استيفاء حقه كزوج، خلافا للرأي السائد عند الفقهاء بعدم جواز خروجها إلا بإذنه مطلقا». مستدركا «إن الفهم السطحي والتعسفي للقوامة دفع البعض للاعتقاد بأنها سلطة مطلقة أعطيت للرجل (...) وأنا أجد أن المرأة تفوقت اليوم في مجالات الحياة كافة، وعليه لا مكان لهذا المفهوم الذي لا يستقيم مع منطق الحياة المعاصرة».

استعراض قصص وحكايات عن اختلال الفهم لموضوع القوامة كثيرة ويشيب لها الرأس، هذه الوقفة تناولت الجوانب الشرعية للقوامة، ربما يحتاج الكثيرون للتمعن فيها لتغيير وجهة نظرهم وفهمهم للقوامة

العدد 726 - الثلثاء 31 أغسطس 2004م الموافق 15 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً