قال المفكر الفلسطيني عزمي بشارة خلال مؤتمر صحافي أمس: «هناك دول عربية استعجلت في تطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، دونما حاجة إلى ذلك، وبالتالي أحرجت الفلسطينيين في الوقت الذي يتفنن الإسرائيليون في قمعهم ، وكان هذا بمثابة مكافأة لـ «إسرائيل» على جرائمها».
وفي إجابة له عن دخوله البحرين وهو يحمل جواز سفر إسرائيلي، وهو الأمر الذي يحدث رسميا للمرة الأولى في البحرين أجاب بشارة «دخلت إلى سورية عدة مرات بوثيقة، وأيضا إلى الإمارات، ولا اعتقد انه تم استخدام الجواز أثناء دخولي إلى البحرين، إن «إسرائيل» تنزعج من تواصلنا مع إخواننا العرب، وقد وضعت قوانين لكي لا يسافر نواب الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) إلى دول معادية».
إلى ذلك افتتحت جمعية العمل الوطني الديمقراطي مساء أمس مقرها الجديد بحضور عزمي بشارة وعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد فؤاد وبحضور وكيل وزارة الإعلام محمود المحمود، إضافة إلى أعضاء من السلك الدبلوماسي في المملكة وممثلين عن جمعيات المجتمع المدني، وابتدأت الاحتفالية بكلمة لرئيس جمعية العمل عبدالرحمن النعيمي الذي تحدث عن عدة ملفات كالملف الدستوري والملف المعيشي، وتلا ذلك نشيد أداه شباب الجمعية المذكورة، وأعقب ذلك فيلم وثائقي يحكي سيرة تشكيل جمعية العمل الوطني أعده رضي الموسوي، إضافة إلى إيقاعات وأشعار لمجموعة من الشعراء العرب أدتها فرقة البحرين للفنون الشعبية والفنان عبدالله يوسف.
من جانب آخردعت جمعية المنبر التقدمي إلى لقاء مفتوح مع عزمي بشارة يعقد في السابعة والنصف مساء اليوم في مقر الجمعية.
أم الحصم - حسين خلف
قال المفكر الفلسطيني عزمي بشارة: «ان هناك دولا عربية تستعجل في مسألة تطبيع العلاقات مع «إسرائيل» دونما حاجة إلى ذلك، وبالتالي هي تحرج الفلسطينيين وهو يشكل مكافأة لـ (إسرائيل)»، ودعا بشارة إلى إعادة النظر في بعض وسائل الجهاد الفلسطيني بما في ذلك العمليات الاستشهادية، جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقده أمس في المقر الجديد لجمعية العمل الوطني الديمقراطي، وعبر بشارة في بداية اللقاء عن سعادته بالحفاوة التي لقيها في البحرين من الجانبين الرسمي والجانب الأهلي، وقال إن العولمة الإعلامية أنتجت هما عربيا واحدا، إذ ذكر أن «كثيرين هنا في البحرين يشاركوني أفكاري نفسها، وأن هناك الكثيرين قرأوا كتبي وهو ما أسعدني».
وقال بشارة في بداية المؤتمر «الوضع الفلسطيني متوتر في ظل ظروف تصعيد إسرائيلي في غزة، إن التصعيد الإسرائيلي يخدم الأفكار السياسية لدى شارون فما تحاوله حكومة شارون في هذه المرحلة هو إنهاء قدرة المجتمع الفلسطيني على الصمود، وما يميز هذه المرحلة هو محاولة «إسرائيل» أن تفرض تسوية ولكن ليس في إطار تسوية، ويجب أن يعرف الإعلاميون أن ليس كل شيء سياسي هو تسوية، خطة شارون بفك الارتباط مع غزة هذه الأفكار ليست أفكار تسوية، فشارون لا يؤمن بالتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، وبالتالي هو يحاول فرض شروطه وعنصر القوة هو عامل أساسي في فرض الشروط الإسرائيلية، وهي لا تعني بالانسحاب من غزة من طرف واحد، هذا غير صحيح بل هي تعني الانسحاب من غزة، وزيادة الاستيطان في الضفة الغربية وضم مناطق من الضفة، نحن نواجه مرحلة دقيقة ومعقدة، ولا يمكن تجاوزها من دون قيادة موحدة للشعب الفلسطيني، هذه أصبحت مطلبا لاستمرار النضال الفلسطيني، ولم يعد الشعب الفلسطيني يتحمل تأجيل هذه الأولوية.
- أنت دعوت إلى قيام سلطتين متوازيتين، احداهما إدارية والأخرى سياسية، وما هو موقفك بالنسبة إلى عرفات مع الدعوات إلى استقالته؟
لقد أسيء فهم ما قلته في المحاضرة فما كنت أعنيه، هو وجود قيادة موحدة تشارك فيها القوى التي لا تشارك في السلطة الفلسطينية، إذ ان هناك قوى فلسطينية خارج السلطة، ولكن لا حاجة إلى أن تكون هذه القيادة بديلة عن السلطة، وخصوصاً مع وجود مطالبات غير واقعية إلى حل السلطة الفلسطينية، مهمة القيادة الفلسطينية الموحدة لا أن تشرف على المفاوضات، بل تتخذ القرارات الإستراتيجية والسياسية بما فيها وسائل النضال والمقاومة، وتشمل الإشراف على اتخاذ القرار السياسي، في حين هناك قضايا ملحة يومية للشعب الفلسطيني مثل التعليم والصحة والأشغال العامة وغيرها، هذه لها ارتباط باتفاقات خارجية وخصوصاً مع ما يسمى بالدول المانحة، فالسلطة الفلسطينية كما تعلمون هي نتاج اتفاقات دولية أولها اتفاق أسلو ثم امتدت، وهي التزمت بذلك، وتاريخيا يجب أن نعرف أن الذي وقع اتفاق أسلو مع الإسرائيليين ليست هي السلطة الفلسطينية، بل هي منظمة التحرير الفلسطينية، فلماذا لا تكون قيادة وطنية موحدة تشمل العناصر غير المشاركة في منظمة التحرير الفلسطينية بحيث تكون قادرة على اتخاذ قرار سياسي!، لم يعد بالامكان الاستمرار في الوضع الذي يجري فيه التنافس في اتخاذ المواقف غير المحكومة بالهدف السياسي، وإنما تنافس لا يحده سقف وهذا نعتبره مزايدات، هذا يعبر عن خلل موجود وهو أن حركة التحرر الوطني الفلسطيني بعد أن وقّعت أسلو وقَعت في أزمة فلا هي أصبحت دولة أكتمل بناءها وحدودها، وهي توقفت عن أن تكون حركة تحرر وطني لأن لديها مهمات سلطة، وهذا أنتج أزمة هوية سياسية عنيفة، وإلى تنافس سياسي، وأصبح من يريد أن يتصرف كدولة يريد التنازل عن حق العودة للاجئين وعن القدس، وآخرون لم يستفيدوا مما حدث في 11 سبتمبر/أيلول ومستمر في النهج نفسه، من دون تحليل لوسائل النضال، فهذا هو رأيي بشأن ضرورة وجود قيادة موحدة وهو كلام واقعي.
وأما بشأن عرفات، ففي الأزمة الأخيرة نحن نقف إلى جانب عرفات، وخصوصا مع إرادة أميركا و«إسرائيل» إبعاده للتخلص من لاءاته في كامب ديفيد، واستمر الضغط عليه لأجل ذلك وكان من بين الحصار، وتحت شعارات لها شعبية يتم تمرير المخططات الإسرائيلية، ولا شك في أن عملية اتخاذ القرار تحتاج إلى إصلاح، ولا يوجد أي فلسطيني يشك في ذلك،لكن أن يصنع ذلك تحت الأجندة الأميركية الإسرائيلية هذا أمر غير وارد، نحن كقوميين وديمقراطيين نطالب بهذه الإصلاحات قبل أن يطالب بها الأميركيون وقبل أن يعطوا جائزة نوبل للسلام الى عرفات، موقفنا بان هناك حاجة في الساحة الفلسطينية إلى إصلاحات، ولكن ضمن الأجندة الوطنية الفلسطينية، وهذا لا يتطلب وضع أشخاص مكان أشخاص وفلان مكان فلان، لماذا لا تكون المؤسسات الشعب الفلسطيني غني بالقيادات والنخب والمثقفين، المطلوب ليس الأسماء بل المطلوب هو احترام المؤسسات الفلسطينية القادرة على اتخاذ القرار، هناك استعداد فلسطيني وأنا مسئول عن هذا الكلام لإجراء انتخابات مجلس تشريعي وانتخابات بلدية وهذه خطوة ستكون في قبال الاحتلال،فإذا كانت «إسرائيل» جادة فلتسمح بإجراء انتخابات على الساحة السياسية الفلسطينية، يعبر فيها الفلسطينيون عن إرادتهم في الإصلاح وبرامج الإصلاح وكيفيته وأن يعبر الناس عن رؤاهم كأحزاب على الساحة الفلسطينية، أكاد أشعر بالعتب من حال عربية كلها بحاجة إلى إصلاح،إلى شعب ليس لديه دولة ومطالب بالإصلاح،ومع ذلك أقول إننا نقبل التحدي، فلتكن انتخابات ولتكن برامج إصلاح، وأنا لا أعتقد أن هناك شعبا في التاريخ طلب منه أن يكون ديمقراطيا قبل أن تكون لديه دولة، يجب ان يكون هناك إصلاح ولكن ضمن أجندة وطنية، والدول العربية التي تطالب الفلسطينيين بالإصلاح فليتفضلوا، ويستثمروا علاقاتهم الحميمة مع أميركا لكي تسمح بإجراء انتخابات على الأرض الفلسطينية المحتلة العام 1968 م، فالجميع يعرف أن القوة العسكرية التي تستطيع السماح بالانتخابات أو منعها هي «إسرائيل».
- أشرت في حديثك على أن هناك أناساً لم يستفيدوا مما حدث في 11 سبتمبر/أيلول، فهل تقصد الفصائل الإسلامية الفلسطينية والعمليات الاستشهادية؟
وسائل النضال في ظروف دولية معينة، واجب القوى أن تفحص مدى نجاح وسائل نضالها، نحن نميز بين المقاومة التي تجري في سياق احتلال، وبين ما يجري في العالم، بعد 11 سبتمبر /أيلول يجب أن نعي ما الذي حصل فنحن نرى ما حصل في روسيا حديثاً، إذ قيل فورا أن بين محتجزي الرهائن في المدرسة عرب، فالرئيس الروسي أراد أن يربط أحداثا داخلية هو تسبب فيها لما حاول إبادة الشعب الشيشاني، وذلك لربط الجو العالمي ضد الإرهاب بهذا الأمر، فالرئيس الروسي يدرك كم هو الجو العامي ضد الإرهاب قوي، وكم هي قوية الحرب على الإرهاب، وكم هي سيئة صورة العالم العربي، فحتى لو كان معك الحق لا بد من أن تفحص الوسائل في ضوء المستجدات.
- بأي شيء سيقاتل الفلسطينيون إذا ما تخلوا عن العمليات الإستشهادية؟
ما أريد قوله هو إنني لا أتحدث عن وقف لإطلاق النار أو هدنة، إنما أتحدث عن أن تكون لدينا خيارات متعددة، بمعنى أن تضمن استمرار النضال والمفروض أن تكون لدى قوى التحرر الوطني عدة خيارات وهذا أمر أساسي، فإذا لم يكن معك سوى خيار واحد، وهو لم ينتج شيئا حتى الآن، فهذه مشكلة كبيرة، أسلوب العمليات الاستشهادية هو أسلوب حديث العهد، وهو ليس دينا، كما أن حركة التحرر الفلسطيني لم تقف في المفترقات لأجل إجراء عملية التقييم، الآن في فلسطين الوضع هو أنه لا توجد تسوية سياسية وفي الوقت نفسه لا تريد أن تقبل ما يفرضه الإسرائيليون والأميركان، لا بد من ابتكار وسائل نضال طويلة الأمد، وتمكن الشعب الفلسطيني من الاستمرار وأن يصمد، من دون أن يبتز أو يجبر على الرضوخ، لا يجب أن نأخذ وسيلة نضال مستحدثة ونعتبرها دينا، وفي لبنان كان التنافس بين القوى على من عنده شهداء أكثر، هذه أول مرة أرى أناساً هكذا، بدل أن يتنافسوا على من عنده إنجازات أكثر، ما يحدث هو خلط بين الهدف والوسيلة، ولما أن تصبح الوسيلة هدفا بل هدفا مقدسا فهي تحتاج إلى إعادة نظر.
- أنت تحمل جواز سفر إسرائيلي، وتعتبر أول شخص يدخل رسميا إلى البحرين بهذه الجنسية، فهل تتوقع أن يكون قدومك إلى البحرين سيشكل بداية لدخول الإسرائيليين؟
لقد دخلت إلى سورية عدة مرات بوثيقة، وأيضا دخلت إلى دولة الإمارات، ولا اعتقد انه تم استخدام الجواز أثناء دخولي إلى البحرين، إن الجواز كان هو عزمي بشارة بمعنى أنه كانت هناك معرفة شخصية، هذا التواصل العربي العربي، «إسرائيل» وضعت قوانين لكي لا يسافر نواب الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) إلى دول معادية،وهذا حدث لمنعي من زيارة سورية، وذلك بعدما قمت بزيارتها،التواصل ليس له علاقة بالجوازات، فهل نحن نريد ما تريده «إسرائيل»، فهي تنظر بعين الشك إلى هذا التواصل، فمقالاتي التي أكتبها تطبع وتترجم فورا ليقرأوها في «إسرائيل»، نحن عرب وفلسطينيون.
وعبر بشارة عن عدم ثقته في الشعارات الأميركية الداعية على الإصلاح في الوطن العربي، ودعا إلى أن يكون الإصلاح نابعا من الأجندة الوطنية في داخل البلدان العربية، وان تكون مرتبطة بالمواقف الوطنية، وأكد رفض التوازانات الطائفية داخل البلدان باعتبار انها تنفي الفرد المواطن، ووصف لبنان بأنها أقرب الدول العربية إلى الديمقراطية، مكذبا المزاعم الأميركية بأن لبنان محتل من قبل سورية، مستدلا على ذلك بوجود معارضة لبنانية لسورية داخل لبنان، وبالكتابات التي تنتقد سورية، وقال إن انعقاد مجلس الأمن لمناقشة القضية اللبنانية هو خطأ من الناحية القانونية، وخصوصا أن تعديل الدستور اللبناني هو أمر منصوص عليه في الدستور اللبناني ويحكمه شرط إحراز نسبة الثلثين لتأييد التعديل وهو الأمر الذي حصل، وعن فكرة مقاطعة «إسرائيل» قال بشارة «ان هناك دولا عربية تستعجل في مسألة تطبيع العلاقات مع «إسرائيل» دونما حاجة إلى ذلك، وبالتالي هي تحرج الفلسطينيين، في الوقت الذي يتفنن فيه الإسرائيليون في قمع الشعب الفلسطيني، ويكون التطبيع بمثابة مكافأة لـ «إسرائيل» على جرائمها».
المنامة - تمام أبوصافي
قال العضو العربي في الكنيست الاسرائيلي عزمي بشارة ان الدعم الوحيد الذي يأتي للفلسطينيين الآن هو من الجانب الاوروبي وليس من الجانب العربي. وانتقد بشارة في حديث خاص إلى «الوسط» الموقف العربي عموماً تجاه القضية الفلسطينية والاوضاع التي تعيشها في ظل الهجمة الاسرائيلية، وأشار إلى انه فقد الامل في أي دور من جانب الانظمة العربية.
وأضاف بشارة قائلا: «ليس لدي اي وهم بالدور العربي في التعامل مع هذه الاوضاع. لكن الدور العربي الآن هو ألا يضغط العرب على الفلسطينيين للتنازل بشكل أكبر. وإذا لم تكن للعرب قدرة على لعب أي دور فنستطيع ان نفهم ذلك، لكن لا تلعبوا دور الرعاية لأية تنازلات تترتب على الفلسطينيين».
وأكد بشارة ان ارييل شارون يريد ان يفرض حلاً نهائياً كأمر واقع على الفلسطينيين قبل ان تضطر «إسرائيل» للتعامل مع ادارة اميركية مختلفة، أو وضع دولي متغير يؤدي الى إحداث اي ضغط على «إسرائيل».
واضاف: «لا يمكن لـ «إسرائيل» ان تضم المناطق العربية المحتلة لاسباب ديمغرافية، وفي الوقت نفسه هي لا تريد التنازل عنها لاسباب استراتيجية وداخلية. لذلك تحكم هذه المعادلة التصرف الاسرائيلي، وهي الانفصال الديمغرافي عن الفلسطينيين وضم اكبر قدر من الارض في الوقت ذاته».
وفيما يأتي نص الحوار:
قبل يومين صرح ارييل شارون بصورة واضحة لاعضاء حكومته بألاّ يتطلعوا إلى الخريطة الطريق لأنها ليست في مصلحة «اسرائيل». هذه التعقيدات على مسار السلام الاسرائيلي كيف تنظرون إليها؟
- بالنسبة إلى موضوع تصورات شارون لا توجد أية مفاجآت. وحاولنا طيلة الفترة الماضية ان نوضح ذلك للاشقاء في العالم العربي. وكنا واضحين بموقفنا من مؤتمر العقبة الذي كان أشبه بالمهزلة لأنه حصل تجاهل واضح من جانب حكومة «اسرائيل». واستخدم شارون هذه المناسبات كي يُستقبل عالمياً كرجل سلام من دون ان يغير موقفه. ثانياً ان يتخلص في كل مرحلة من سابقتها من دون أن يتنازل للحظة عن تعداد 14 تحفظاً من أجل التخلص من تحرك عربي منظم حدث لأول مرة منذ سنوات وهو مبادرة السلام بين العرب و«اسرائيل». عملياً لقد تخلص شارون من هذه المبادرة، ثم جاء خطابه في هرتزليا منذ عام ليتحدث عن الانتشار من طرف واحد بعد 3 اشهر من استقالة حكومة ابو مازن لكي يطرح من جانب واحد ان لديه افكاراً سياسية يمكن فرضها على الفلسطينيين، وانه لن ينتظر موافقتهم! وكانت خريطة الطريق اللعبة المناسبة لتنفيذ هذا المخطط. فخريطة الطريق مثلت صفعة للاخوة العرب الذين تداولوها مع الاسرائيليين من دون ان يقدم الجانب الاسرائيلي أية تنازلات فيها. وأشرنا الى ذلك في الماضي لكن لم يستمع إلينا احد، ويؤسفني ان اقول انني مضطر للابتسام في كل مرة يصرح فيها شارون بأي شيء يتفاجأ به العرب الآن، ونحن كنا قد حذرنا منه في السابق. كان بالامكان التعامل مع افكار شارون كجزء من شيء شامل كمثال الانسحاب من قطاع غزة ويتبعه انسحاب من الضفة الغربية وايضاً هو كذر الرماد في العيون. وسيأتي اليوم الذي يقول فيه شارون الانسحاب من غزة و40 في المئة من الضفة فقط لا غير.
تنافس لإرضاء الأميركان
هذا ليس جزءًا من تصوّر شارون لحلّ شامل مع الفلسطينيين وانما هو مخطط له سلفاً لفرض التصور الاسرائيلي على الفلسطينيين تجنباً لاضطرار «إسرائيل» التعامل مع ادارة اميركية مختلفة او وضع دولي متغير يؤدي الى إحداث أي ضغط على «إسرائيل» كما ذكرت محكمة لاهاي. يريد ان يفرض الآن حقائق من طرف واحد ترتبط في مجملها بمعادلة اساسية واحدة، وهي انه لا يمكن لـ «إسرائيل» ان تضم المناطق العربية المحتلة لاسباب ديمغرافية وفي الوقت نفسه هي لا تريد التنازل عنها لاسباب استراتيجية وداخلية. لذلك ما يحكم التصرف الاسرائيلي هذه المعادلة وهي الانفصال الديمغرافي عن الفلسطينيين وضم اكبر قدر من الأرض إليها في الوقت ذاته. بمعنى الانفصال عن اكبر عدد من الفلسطينيين على اصغر رقعة من الارض. ولا يوجد شريك فلسطيني لتنفيذ هذه المعادلة، اذن يقول شارون ننفذها من طرف واحد الى ان يظهر شريك فلسطيني مناسب!
لذلك هناك اهمية كبرى لكيفية التعامل مع هذه المعادلة. فيجب ان نبحث بالكيفية التي يفكر بها شارون. ويأتي السؤال الثاني كيف يواجه العرب والفلسطينيون هذا الواقع؟
يجب فهم تركيبة حكومة شارون لإدراك الوضع بصورة عامة. ويجب ان نفهم انه لا توجد تسوية سياسية مع هذه الحكومة، وأن نفهم ما هي طبيعة التحالف الاسرائيلي- الاميركي وما هي قدرة العرب على مقاومة ذلك؟ لدينا حد ادنى من قدرة العرب على قراءة الخريطة العربية، فالعرب الآن في حال تنافس لإرضاء الادارة الاميركية وليس على اغضابها. ونحن من ناحية لا نستطيع ان نقبل ما يريده شارون ومن ناحية اخرى لا نستطيع ان نعول على المواجهة العربية.
لا يدعمنا غير الأوروبيين
أشرت الى تسابق العرب لإرضاء الادارة الاميركية، فما هو الدور الذي يمكن ان تلعبه الدول العربية بالنسبة إلى القضية الفلسطينية خصوصا اذا تطلعنا للظروف الراهنة كالوضع العراقي، وتهم الارهاب الموزعة بشكل مبرمج؟
- الآن ليس لديّ أي أمل في دور عربي. عندما نتحدث عن دور عربي نقصد الانظمة العربية. وليس لدي الآن أي وهم بالدور العربي بالتعامل مع هذه الاوضاع. لكن الدور العربي هو الا يضغطوا على الفلسطينيين للتنازل بشكل اكبر. اذا لم تكن هناك قدرة على لعب أي دور نستطيع تفهم ذلك، ولكن لا تلعبوا دور الرعاية لأية تنازلات تترتب على الفلسطينيين.
من ناحية ثانية هناك عناصر في القضية الفلسطينية متعلقة بالتلون والخداع الاميركي للتعامل مع مفاهيم مثل حقوق الانسان وحرية الشعوب وحق تقرير المصير. هذا الخداع مفيد حتى للانظمة العربية، وباعتقادي ان الكثير من الانظمة العربية لا تؤدي خدمة للقضية الفلسطينية بقدر ما تخدم ذاتها. الآن أي دعم يأتي للفلسطينيين للاسف يأتي من الجانب الاوروبي في المرحلة الراهنة وليس من الجانب العربي وان كان هناك بعض الدعم من الجانب العربي.
ما أود الاشارة اليه ان كل ما له قدرة للتأثير على الرأي العالمي أو صنع القرار بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، هذه المهمات معقدة وتحتاج إلى موقف عربي موحد، وهو أمرٌ غير موجود الآن. اتحاد العرب أمر مهم جداً وليس الذهاب لاميركا واظهار القدرة على تقديم اكبر قدر من الخدمات إليها.
أيضاً هناك قوى تجمع ما بين التشبث بالمواقف والتعصب والاصولية، هذه الازدواجية في الموقف العربي لا تخدم القضية العربية. هذا الانقسام ما بين موقف أصولي يتبنى صراع الحضارات ويتبنى خدمة الرؤية والمصلحة الأميركية من دون أن يدري. هذه الازدواجية أعتبرها قاتلة بالنسبة إلى العالم العربي لأن الطبيعي هو أن الغالبية الساحقة من الناس لا تريد ان تكون عميلة للسياسات الأميركية ولديها موقف وطني من القضية الفلسطينية والوضع العراقي، وفي الوقت نفسه هي غير أصولية، وتريد أن تحيا حياة معتدلة. اعتقد ان التحدي الكبير أمامنا هو أن التيار القومي يجب أن يمر بعملية دمقرطة، وعلى الديمقراطيين ان يفهموا أنهم لا يستطيعون ان يفلتوا القضايا الوطنية والقومية للاصولية. يجب ان يكون هناك تيار قومي ووطني وديمقراطي. هذا أمرٌ باعتقادي موجود كنخب، ولكن يجب ان يفرض نفسه كتيار شعبي أساسي.
لكن هل يمكن ان نتغاضى عن حقيقة أن جرعات الديمقراطية التي نحصل عليها الآن في الوطن العربي اتت بفعل ضغط أميركي بالدرجة الأولى؟
- لا ننكر ذلك، لكن يجب ان نأخذ الأمور على هذا النحو. مثلاً كنت دائماً مع حقوق المرأة في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تساند كل القوى الرجعية في الوطن العربي. الآن بدأ طرح الاصلاحات التي من بينها حقوق المرأة وهذا امر لا يشكل مشكلة ولا تراجعاً عن موقفي نحو هذه القضية، لكن يفضل لصحة المجتمعات العربية ومستقبلها ان يتم الاصلاح بأجندة وطنية وقومية من دون تخلٍ عن المواقف الوطنية والقومية على مستوى السياسات الخارجية. وبالتالي هذا الاصلاح يمكن أن يفرض نفسه باعتباره تياراً شعبياً واسعاً. أما الذهاب للاصولية والتعصب فهو أمرٌ لا يخدم القضايا العربية. بالتأكيد جميعنا نعمل ضمن الاطار الاسلامي لكن يجب ألا يغلب التعصب والتطرف على اسلوبنا بالتعامل مع قضايانا العربية. أيضاً هناك على الجانب الآخر من يروج للديمقراطية الاميركية وهم بالتالي لا يخدمون الديمقراطية في الساحة العربية بل يحولونها الى مشروع اميركي مستورد، وبالتالي هذا يقلل من صدقيتهم في الساحة العربية. لو رجعنا الى الماضي نجد ان الكثير من المطالب الديمقراطية كانت موجودة بين الحربين العالميتين كالحركات التحررية والتحديث والانتخاب و...، وبالتالي هذه الامور ليست مستحدثة الآن او انها اتت مع الرؤية الاميركية.
ألا تعتقد ان اقتراب موعد الانتخابات الاميركية قد يحرّك مسار عملية السلام، على الاقل استغلال ذلك للدعاية الانتخابية بالنسبة إلى الرئيس بوش؟
- لا اعتقد. قد تحدث زيارات للمنطقة العربية. وهناك محاولة من شارون لتقريب موعد فك الارتباط من طرف واحد من قطاع غزة قبل موعد الانتخابات، وهذه خطوة اسرائيلية لمساعدة بوش في الانتخابات، لكن مبادرات اميركية لا اعتقد، بل ان هناك منافسة بين المرشحين الاثنين لإرضاء اللوبي الصهيوني. أما بالنسبة إلى الموضوع العراقي فالتنافس أخف بالنسبة إلى الفوارق. لكن لا يوجد خلاف بينهم بشأن الموقف من الحرب ولكن الخلاف على الكيفية في التعامل مع الموضوع العراقي. هناك محاولة من الطرفين للتشديد على الفوارق، اما في الموضوع الفلسطيني فهناك منافسة على تبني الشبه بين المرشحين.
السلطة والمأزق الأخلاقي
هناك حاجة ملحة للاصلاحات بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية باعتبارها مطلباً أساسياً للشعب الفلسطيني. كيف تقيّمون ذلك خصوصاً ان وجود الفساد داخل السلطة فتح المجال أمام جماعات متطرفة لتبني دور اكبر لتقديم طروحاتها على الساحة؟
- للاسف رفع راية الاصلاح يأتي من القوى التي هي مع الحل الاسرائيلي، في حين كان من المفترض ان ترفع راية الاصلاح القوى الاكثر وطنية. لكن هذه القوى تخشى الاصطدام مع عناصر في السلطة في مقدمتها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والذي توجد مؤامرة اميركية للتخلص منه، لكن القوى الوطنية تخشى خوض معركة مع عناصر في داخل الجسم الفلسطيني. وهذا دفع الكثير من الناس في مراحل مختلفة الى ان تقف مع الرئيس الفلسطيني لأنه واضح تماماً ان «إسرائيل» والولايات المتحدة تريد التخلص منه باعتباره رئيساً للسلطة.
برأيي هناك فساد في مختلف انحاء العالم العربي من دون استثناء حتى في الدول التي تكثر من الحديث عن فساد في دول أخرى. وقضايا الفساد منتشرة في مختلف انحاء العالم وان كان انتشارها في العالم العربي وإفريقيا بشكل غير معقول. لكن في الحال الفلسطينية الامر المزعج هو وجودها قبل الاستقلال. يعني اننا في مرحلة نحتاج فيها إلى كل المعنويات لتعبئة الشعب، وعادةً في الحركات التحررية يكون وجودها أقل. لكن السلطة الفلسطينية وقعت فيما يشبه «الغراب الذي اراد تقليد مشية الحجل فنسي مشيته» بالتالي توقفت عن ان تكون حركة تحرر ولم تصبح دولة وبالتالي فقدت اخلاقيات ومعنويات الحركات التحررية ولم تصل بالنهاية الى الدولة. وهذا ما يشكل ازمة اخلاقية. للاسف هناك فئة تعتاش من وراء «صناعة القضية الفلسطينية»، وبالتالي هذه الفئات تحب ابقاء القضية الفلسطينية اكثر من حبها للشعب الفلسطيني، او ايجاد حل لها، وهذه الفئات يجب محاربتها بلا شك. هذه العوامل ليست السبب في القضية الفلسطينية بل هناك أسباب اكبر من ذلك منها الحال المتعثرة بعد الاستقلال في الدول العربية والتجزئة والانقسام العربي أيام الحرب الباردة والتوترات التي حدثت فوقعت القضية الفلسطينية ضحية لها، وتشابك القضية الفلسطينية مع إسقاطات القضية اليهودية في أوروبا والولايات المتحدة. كلها أمور فرضت تعقيدات القضية الفلسطينية.
الحركات الاسلامية هي الآن من يقود بصورة اساسية المواجهة على الساحة الفلسطينية، وهو ما يلقى ترحيباً بين اوساط الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة. هل هذا ناتج عن الوضع الاستثنائي الذي تمر به السلطة؟
- لا شك في أن تورط الحركات الاسلامية في الكفاح المسلح الفلسطيني أمر جديد لو نظرنا الى اقامة حركة حماس في العام 1988 لمواجهة القيادة الموحدة للانتفاضة التي كانت فيها 4 فصائل. حماس نشأت كذراع لحركة الاخوان المسلمين ومن ثم تحولت هي نفسها الى تنظيم سياسي. لا شك في ان الناس الذين اقاموها في البداية حاولوا ان يجمعوا بين متطلبات العمل الوطني وبين الفكر الاسلامي الاخواني. ولكن العمليات الاولى المسلحة كانت في نهايات الانتفاضة. وبعد مشروع اوسلو كان هناك جزء اساسي من الحركات الاسلامية توجه نحو اوسلو، وبالتالي تعمق توجه «حماس»، واصبح يقوم بمهمتين. التميز عن السلطة داخلياً ومحاربة «إسرائيل» خارجياً، وبالتالي تكثف دور حماس.
الآن منذ الانتفاضة الاخيرة هناك امران اساسيان، عودة حركة فتح لقواعدها في المخيمات والاحياء وعودة الحركة الشعبية لممارسة الكفاح المسلح. «ما يميز المرحلة الحالية هو اختلاف الحسابات السابقة بالنسبة إلى الفصائل الفلسطينية». بالتأكيد هناك نقاش حاد بشأن العمليات الاستشهادية فهناك من ينظر إليها بعين القبول وهناك من يرفضها على رغم عدم رفض اسبابها.
ترشحي لرئاسة «إسرائيل»
ماذا يمكن ان يقدم عرب 1948 للقضية الفلسطينية في دولة عنصرية مثل «إسرائيل»؟
- منذ العام 1996 ومحاولتنا لإقامة التيار القومي بشكله المنظم والذي يمثله الآن ثلاثة اعضاء في الكنيست، نحن نحاول ان نخرج العرب في الداخل من الهامش بحيث ألا نكون نصف مواطنين ونصف عرب. نحن عرب بكامل تواصلنا العربي ونحن مع الفلسطينيين بكامل تياراتهم الاسلامية والقومية وغيرها. من ناحية اخرى نحاول ان نلعب دوراً أكبر كمواطنين وليس القبول بالفتات. بل طرح التحدي على «إسرائيل» فاذا كانت دولة ديمقراطية اذن تقبلوا طروحاتنا. من هنا جاء ترشحي لرئاسة الحكومة وهو ما استفز «إسرائيل» وتم تغيير القانون على إثرها. مازلنا نحن في خضم هذا الوضع وامتصاص الرد الاسرائيلي وردّنا عليها من خلال طرحها بأن «إسرائيل» دولة لليهود، ووجوب وجود الولاء لـ «إسرائيل» ومحاولة فرض المحاكمات عليَّ كما حدث سابقاً.
إذن الرد الاسرائيلي قوي وحاد في ظل معطيات الدولة الاسرائلية، والأخطر ان يتوهم العرب ان دورهم داخل «إسرائيل» يجب ان يبقى مهمشا او ليس لهم دور يلعبونه بشكل اساسي داخلها، فهم فلسطينيون ولديهم موقف واضح ضد الاحتلال ايضاً، فمن خلال خبرتنا ومعرفتنا بالمجتمع الاسرائيلي نستطيع ان ننورعرب الداخل بالدور الذي يمكن ان يلعبوه.
وهل تتوقع ان يلعب العرب داخل «إسرائيل» دوراً اكبر في المستقبل على رغم كل المعوقات التي تفرضها باعتبارها دولة يهودية بالاساس؟
- هذا يتوقف على التطور داخل المجتمع الاسرائيلي، ولكن المهم جداً هو ان وجود العرب في الداخل تحدٍ كبير شرط ان يكون هذا الوجود يختلف عن الوجود العربي في الخارج والانقسام الحاصل فيه. بل يتوجب ان يكون وجودهم على اساس قومي وليس على اساس طائفي او عشائري. ان يكون هناك حد ادنى من الوطن الجامع. هذا التحدي هو ما يواجهه التيار القومي في «إسرائيل» وهذا التحدي هو ما يمكن ان نلعبه على المدى البعيد
العدد 734 - الأربعاء 08 سبتمبر 2004م الموافق 23 رجب 1425هـ