العدد 736 - الجمعة 10 سبتمبر 2004م الموافق 25 رجب 1425هـ

الزيرة: التدريب في البحرين... «سوق حراج»

رجل الأعمال البحريني ناجح إدارياً ولكنه يحتاج إلى المناخ الاقتصادي العادل

أجرى اللقاء: عبدالحسن الديري، عبدالنبي مرهون 

10 سبتمبر 2004

قال رجل الاعمال البحريني تقي الزيرة إنه حتى الآن لم يحقق النجاح الذي يصبو إليه، بسبب «تعدد الانشغالات». وقال «أعتقد أن بعض زملائي التجار ربما حققوا نجاحات تجارية أفضل مني بكثير، وإن كان ذلك على حساب بعض مجالات حياتهم الأخرى، ولكنهم استطاعوا تحقيق نجاحات واضحة في العمل التجاري. أما أنا فقد حاولت جاهداً أن أقيم نوعاً من الموازنة لكل هذه المجالات لا أستطيع التوفيق فيما بينها جميعاً ولا أخسر رضا الله وبركاته وأنعامه، وذلك لأنني أنطلق من فلسفة خاصة مبنية على أساس الآية الكريمة «ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب» (الطلاق:2،3) وإنني واثق من أن الله سبحانه وتعالى سيوفقني إلى نجاحات أكثر. هذه الفلسفة هي الملاذ الذي أحتمي به عندما أكون على مختلف طرق، وخصوصاً عندما تتعلق الأمور بالممارسات الإدارية والمالية الفاسدة. فأنت تعرف أن اليد الفاسدة هي يد ساطية لا ترحم من ينتقدها ويكشف خداعها وممارساتها الفاسدة، ولذلك لا تتورع من تسليط العقاب والأذى على الأقلام والحناجر الناقدة لها».

سألناه عن عناصر نجاح رجل الأعمال البحريني وحال التدريب والموراد البشرية في البلاد، أما (الحلقة الثانية) فإنها تتناول سوق العمل والبطالة وتجديد سوق المنامة القديم، وكان هذا جانبا من الحوار.

إننا نرى أن رجل الأعمال البحريني حقق نجاحات متعددة وعلى مستويات عدة، فما العناصر التي أدت إلى نجاحه؟

- لقد حقق رجل الأعمال البحرين نجاحه في كل فترات بروز الدولة البحرينية معتمداً على عناصر نجاح منطلقة من ذاته، ولذلك استطاع أن يستفيد من الفرص التي واتته في أعماله، وهذه العناصر هي:

1- الأخلاق الحميدة: فرجل الأعمال البحريني يتحلى بأخلاق تميزه عن باقي رجال الأعمال في العالم ويعتمد على عنصر الأخلاق الكريمة والمبادئ الشرعية في معاملاته التجارية والإدارية، وعلى رغم وجود حالات فساد إداري أجبرت بعضهم في معاملات ابتزاز ورشوة مع مسئول هنا أو هناك فإن عنصر الأخلاق يبقى من العناصر المهمة التي يتمسك بها التاجر البحريني، وخصوصاً التجار الصغار.

2- روح المخاطرة والمغامرة التجارية.

3- الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع المسئولين في مختلف الجهات الحكومية والخاصة.

4- مواكبة التكنولوجيا والتغيير.

5- التحالف مع المؤسسات الأجنبية النظيرة.

6- الإدارة المالية الذكية.

7- المساهمة في العمل الخيري الاجتماعي: الأمر الذي أدى إلى كسب رضا المجتمع وإلى خلق قاعدة استهلاكية واسعة.

8- المحافظة والاعتدال : وخصوصاً في القضايا السياسسية، ما أدى إلى خلق علاقات جيدة مع الحكومة، وخصوصاً لكبار التجار، والحصول على عقود حكومية ومعاملات حكومية أفضل.

9- الإدارة البشرية المناسبة.

10- العمـل والسعي الدؤوب : إذ يعمل التاجر الناجح ساعات طويلة تمتد أحياناً 12 ساعة يومياً عدا يوم الجمعة.

هل أنت راضٍ عن مستوى الممارسات الإدارية في القطاع العام؟ وما سبل التطوير التي تراها مناسبة؟

- إن أهم ما يؤثر سلباً على الأداء الإداري للمسئول الحكومي هو انشغاله بأداء أعماله الخاصة أثناء تأديته لوظيفته العامة في الجهاز الحكومي، ما أدى إلى ضعف مستوى الأداء الإداري عموماً، وذلك بسبب المناخ الاقتصادي والسياسي الحالي المتولد من الماضي فضلاً عن تورط بعض المسئولين في علاقات إدارية فاسدة أهدرت المال العام وأضعفت الإنتاجية الحكومية على مختلف الأصعدة، وخصوصا أن الموظفين الصغار يتمثلون بقدوتهم الكبار. أما الآن في مرحلـة الحركة الإصلاحية، فعندما يتحسن مناخنا السياسي والاقتصادي سيتحسن مستوى الأداء الإداري نتيجة ظهور وبروز الشفافية والمحاسبة الإدارية والمالية الواضحة، والتي بدورها تزيد وترفع من مستوى المنافسة الشريفة المبنية على الإستحقاق والأهلية والجدارة، وبذلك تُسلّم الوظائف والقيادات الإدارية على أسس سليمة يرتفع على أساسها مستوى الأداء الإداري العام.

أمّا السبل لتطوير الأداء الإداري فهي كالآتي:

1- رفع مستوى الثقافة الإدارية العامة: أي ثقافة الإنتاج والإخلاص والأمانة، وبذلك تُخلق الأرضية لأداء أفضل وممارسات أجود.

2- تطوير جهاز واستراتيجية التعليم: لتخريج موارد بشرية مؤهلة وملتزمة بالممارسة الإدارية السليمة.

3- تطوير الجهاز الإعلامي: ليواكب التطور الحديث ويساهم في زيادة وعي الناس وتطوير إنتاجيتهم.

4- تطوير المؤسسات السياسية: لتواكب مع التوجهات الديمقراطية الحديثة.

5- تطوير الجهاز الاقتصادي/ التجاري: ليقوم على أسس الإدارة الصحيحة، ومكافأة الملتزم ومحاسبة المخالف.

6- تطوير الأجهزة والأدوات الرقابية، الشعبية والحكومية.

ما هو برأيك حال التدريب والموارد البشرية في البحرين؟ وما هو المستقبل المأمول؟

- الحال مؤسف؛ فسوق التدريب تحول في فترة ما إلى أشبه بسوق «حراج» ودخل هذا القطاع في حرب أسعار على حساب النوعية والجودة والنزاهة، وقد يكون السبب في هذا التدهور هو أن البحرين، في فترة التسعينات المشحونة بالتوتر واختلاط الأوراق تبنت تحرير سوق التدريب وفتحه على مصاريعه، ويبدو أن الهدف كان سياسي بالدرجة الأولى، استهدف تحسين صورة البحرين وأدائها السياسي والحقوقي، وأن تثبت للمجتمع الدولي بأن البحرين متقدمة في التنمية البشرية وليست لديها مشكلات فيما يتعلق بالبطالة والتمييز والطائفية.

ومع أنني أتفق بأن تحرير سوق التدريب أمر جيد في حد ذاته، ولكن يجب أن يكون ذلك وفق ضوابط علمية وإدارية صحيحة وذلك لضمان المخرجات التدريبية، أما حينها فلم يكن الهدف تعليمياً وتربوياً، بقدر ما كان سياسياً وإعلامياً نتيجة الحال الذي وصل إليه الوضع بين الحكومة والمعارضة. إلا أن هناك الآن بوادر إيجابية تبشر بالخير وبتحسن الوضع من خلال التوجهات الجديدة للقيادة السياسية وللحكومة التي بدأت تتبناها وزارة العمل والشئون الاجتماعية، وخصوصاً ما يتعلق بالشفافية في المناقصات والمشروعات والعمل على تصنيف المعاهد والمراكز التدريبية بحسب الجودة والنوعية، ومراقبة أدائها وخدماتها.

أما المستقبل المأمول للتدريب في البحرين فإنني أعتقد أنه يمكن أن يتطور إيجابياً إذا اضطلعت وزارة العمل بدور أكبر مما هو عليه الآن، وخصوصاً إذا ما ساندتها وزارة التربية والتعليم، وذلك لأن التدريب يبدأ إذ ينتهي التعليم. فإذا غرست وزارة التربية مفاهيم حب التدريب والتطوير في نفوس الطلبة منذ مراحل التعليم الإعدادية، سيتعزز ويسهل دور وزارة العمل في تدريب وإدارة الموارد البشرية التدريبية.

أين تكمن في نظركم مشكلة وحلول سوق العمل والبطالة في البحرين؟

- على رغم أن البطالة ظاهرة اقتصادية ولكن القرار الإستراتيجي لعلاجها هو قرار سياسي، وذلك لأن التوظيف في بعض قطاعات الدولة -لا سيما وزارة الداخلية ووزارة الدفاع- كانت تحكمه نظرات ورؤى سياسية. إن هذه المؤسسات تستطيع استقطاب الآلاف من البحرينيين العاطلين عن العمل، إذا ما تم أولاً : تغيير بعض النظرات والرؤى السياسية الخاطئة، وثانياً: فتح الأبواب للبحرينيين وإعطائهم الفرصة والتدريب المناسبين للولوج في هذه المؤسسات الإستراتيجية.

إن مشكلة البطالة وبشكل عام لا يمكن حلها عن طريق القطاع الخاص فقط، وذلك لأنه لا يستطيع استقطاب هذه الأعداد المتزايدة من الباحثين عن فرص العمل والذي من المتوقع أن يصل عددهم إلى مئة ألف مع العام 2010 بحسب دراسة «ماكنزي». فالقطاع الخاص لا ينمو بهذه النسبة، والاقتصاد البحريني بمعدلاته الحالية لا ينتج أكثر من ثمانية آلاف وظيفة سنوياً، مع الأخذ في الاعتبار أن نصيب البحريني من هذه الوظائف هو أقل من الربع، وبالتالي فإن الحل يكمن في فتح باب التوظيف للبحرينيين لدى المؤسسات الأمنية الاستراتيجية كالدفاع والداخلية والحرس الوطني.

نرى وبعد الإنفراج السياسي الذي قاده جلالة الملك، ظهور بعض رجال الأعمال وبعض رجال الإدارة على المسرح السياسي؛ فهل ترى - ومن خلال تجربتك الإدارية والسياسية - أن الواقع السياسي يخدم الممارسة الإدارية؟ وكيف يكون ذلك؟

- إن المشروع الإصلاحي سيؤدي إلى مناخ اقتصادي وإداري أفضل، بدليل أنه يتحرك إلى فصل السلطات الثلاث، الأمر الذي من شأنه أن يرفع درجة الشفافية والرقابة والمحاسبة وإبعاد هيمنة السلطة التنفيذية عن السلطتين التشريعية والقضائية، وهي عناصر تؤدي بالضرورة إلى توفير مناخ إداري أفضل وخلق بيئة إدارية مناسبة وعناصر إدارية قيادية بحرينية أفضل.

كما أنني أحب أن أضيف هنا أن على المجتمع البحريني أن يتخلص من بعض القيم الإدارية التي أجدها غير صحيحة لا من الناحية الإدارية ولا الشرعية. تلك القيم التي نشأت في السابق بسبب انتشار بعض حالات الفساد الإداري والمالي الكبيرة تحت عناوين أدت إلى انتشار ثقافة فاسدة في الطوابق العليا وإلى أخلاقيات وتعابير غير حميدة من قبيل «ما يخدم بخيل»، و«شيلني وشيلك»، و«ادهن سيره».

ما أوضاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من حيث التسهيلات والمعوقات؟

- تمثل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة القاعدة العريضة في الاقتصاد البحريني، ولوتم دعمها ورعايتها لساهمت في حل الكثير من القضايا الاقتصادية العالقة، مثل البطالة، وتنويع الأعمال التجارية وتوزيع المخاطر الإنتاجية، وزيادة فرص الإستثمار والمشاريع للمواطنين من مختلف المستويات، وتوزيع أفضل للثروة وللفرص الاقتصادية، وتطوير مستوى الجودة والنوعية، وزيادة الإبداع والابتكار. وعليه يجب أن يكون الدعم لهذه المؤسسات دعماً تنموياً، بمعنى تمويلها تمويلاً غير تجاري، وذلك باحتساب نسبة فائدة منخفضة على القروض التمويلية، وتوفير الفرص لها في العقود الحكومية، وحمايتها من الاستثمارات التابعة لجهات أجنبية ومن الاستثمارات التابعة للموظفين والمتنفذين في الجهات الرسمية.

هل أنتم متفائلون بإعادة الحياة إلى سوق المنامة من جديد؟

- إنني متفائل بالتطوير العمراني لسوق المنامة، ولكنني لم أر حتى الآن الاهتمام بتطوير الوضع الإداري الذي تعاني منه هذه السوق بشكل كبير، وعلى الجهات المختصة التنبه إلى ذلك. إن أوضاع سوق المنامة إداريا وصلت إلى أسوئها وذلك للسببين الآتيين:

1- المنافسة الأجنبية غير العادلة من الوافدين، لاسيما الآسيويين المستأجرين للسجلات التجارية.

2- البيروقراطية الرسمية القاتلة التي يواجهها التجار الصغار في مختلف المؤسسات الخدمية الحكومية.

هل لك أن تجري مقارنة اقتصادية سريعة بين البحرين ودول الخليج العربية؟

- لدى دول الخليج الأخرى موارد اقتصادية أكبر ما لدى البحرين، كالنفط مثلاً، ما ساعدها على التغلب على الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية. بينما البحرين تواجه صعوبات في مواجهة هذه التحديات بسبب ضعف هذه الموارد الاقتصادية من ناحية، وتفشي حالات الفساد الإداري الكبير grand corruption وهو أخطر أنواع الفساد على الإطلاق. ولكن الإرتفاع الحالي لأسعار النفط أضاف إلى موازنة الدولة دخولاً هائلة غير متوقعة منه. كما أن رفع مستوى إنتاج حقل أبو سعفة والتحكم في الفساد وفي المناقصات الحكومية سيساعد على زيادة الموارد المالية للدولة، ما سيمكن الحكومة من وضع بعض الحلول لمشكلة الفقر والعوز والبطالة من دون أن تلجأ إلى القروض الخارجية، لاسيما إذا ما أحسنت إدارة الموارد المالية الحالية، وأبعدتها عن أيدي الفساد

العدد 736 - الجمعة 10 سبتمبر 2004م الموافق 25 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً