في نهاية الأسبوع تدنو عائلات بلا عدد من مياه تشتاق إليها باقي الأسبوع، ذاك القرب يشبه إلى حد بعيد نوعا من عناق فريد، يلهو الأطفال ليستهلكوا المتعة كلها، تداعبهم الأمواج الهادئة حينا، والرمل الناعم الذي يبدو كالخيال حينا آخر...
تتراص العائلات في المساحة الأقرب إلى الماء، لدرجة أن الحكايات التي يتبادلونها وينصت إليها البحر باهتمام شديد، بالسهولة بمكان أن تنصت إليها العائلات التي تجلس على مقربة جراء ذاك التراص في تقاسم البحر...
قبل أشهر دعا عضو المجلس البلدي محمد عبدالله منصور «الوسط» لزيارة بحر السنابس لأخذ فكرة واضحة عن قرب، للتعرف كيف يقضي الناس عطلتهم بعناق البحر والاستمتاع به لحد الفرح، كيف أن هذا الساحل الرائع مهدد بالابتعاد عن الناس كما يحل بالسواحل الأخرى، وكيف يحاول أصدقاء البيئة الحفاظ على السواحل والحيلولة دون تحويلها إلى أملاك خاصة أو استثمارات...
طويلة كانت قائمة جمل سر واقع الحال، عدسة «الوسط» تجولت هناك وجمدت لحظات العناق تلك، أطفال، وكبار، نساء ورجال حملوا العدة وتعب الأسبوع ليلقوا بالثقل إلى البحر وليترجوه أن يبقى مقاومة للاعتداءات.
يقول باسم حبيب الذي قدم إلى الساحل مع زوجته وأبنائه الأربعة: «من غرائب الدهر حقا أن تصنف البحرين بأنها جزيرة تحيطها المياه من جوانبها الأربعة، ويحرم أهلها من الوصول إلى سواحلها، فالمتتبع لوضع السواحل في البحرين يلحظ تحول غالبيتها تحت سطوة المتنفذين إلى «أملاك خاصة».
خطر قادم
ويضيف بنبرة أعلى ردا على سؤال: هل أنت راض عن حال الساحل ان ترغب في تطويره: « الحالة من اللامبالاة من قبل الجهات المعنية لتحريك ساكن بشأن السواحل تنذر بخطر قادم يهدد حياة سواحل هذه الجزيرة التي اشتهر أهلها منذ القدم بتعلقهم الشديد بالبحر(...) فمع استمرار عمليات الدفان على نحو مطرد، ستكون البحرين خلال العقود المقبلة خالية من السواحل التي يمكن للأهالي أن يرتادوها لينعموا فيها بدفء مياه البحر، فمن الخطط الموضوعة أن تحول مساحة واسعة من السواحل في مناطق مختلفة من البحرين إلى منتجعات سياحية عائلية، ما يعني بأنها ستكون حكراً على أصحاب الدخل المرتفع، فيما ستحرم الأسر ذات الدخل المحدود من التنعم بهذه النعمة الطبيعة التي حبا الله بها البحرين».
أبنه رياض (13 عاما) أحب الدخول في الحوار، فقال: «كتبت مرة في حصة التعبير عن سواحل البحرين، وصفت روعتها وكيف تسيج حدودنا على الخريطة، وأعطاني المعلم أعلى درجة في الفصل، لكنني عندما ازور بلاج الجزائر مع عائلتي يؤلمني عدم اكتراث الأسر بنظافة الساحل ورميهم للأوساخ، ما يحرم باقي الأسر من الاستمتاع بالساحل والسباحة بعدهم».
ويواصل، بينما كانت أمه تبتسم وتنظر إليه بنظرة إعجاب: «الحفاظ على السواحل مسئولية الجميع وليس الدولة وحدها، فلو نظمت كل مدرسة لكل فصل يوما واحدا يخصص لتنظيف السواحل فما كان هذا حال السواحل، ولتعلم الطلبة كيف يكون الانتماء الحقيقي للوطن، فالانتماء ليس نشيداً أو رسماً، بل عمل يعود بشعور العطاء».
من موقع آخر، تقول ليلي خليل رجب التي جاءت مع عائلتها: «نحن نأتي إلى هنا أسبوعيا ليستمتع الأطفال بالبحر، هنا أنظف ساحل على الإطلاق، والأطفال ينتظرون نهاية الأسبوع لنأتي بهم إلى هنا، هم يفضلون البحر أكثر من الحدائق والمجمعات، لذا نتمنى فقط أن يطور الساحل ويحافظ عليه رواده».
طغيان الحركة العمرانية
وقال ياسر خميس أحد أبناء السنابس «البحرين أرخبيل مجموعة جزر، وللأسف المواطن البحريني أصبح من الصعب أن يمتع نظره بالبحر، ونحن في الواقع كأولياء أمور نجد صعوبة بالغة في ترفيه أبنائنا بسبب طغيان الحركة العمرانية وتوسعها الكبير على حساب البيئة والسواحل الجذابة (...) فلا وجود لرؤية واضحة في مسألة الترفيه العائلي، والمواطن البحريني عندما يسافر إلى خارج البحرين أكثر ما يلفت نظره هو وجود السواحل الطبيعية المميزة التي أصبحت تشكل هما وطنيا في الكثير من الدول العربية، بل حتى على مستوى أشقائنا في الخليج، فعلى سبيل المثال نجد أن سلطنة عمان لديها مشروع لتنمية وتطوير السواحل كجزيرة صلالة مثلا، فمتى يا ترى ستسلك المملكة هذا الدرب أيضا؟».
فيما يقول رضا عباس (طالب جامعي) « في الحقيقة أن تطوير الساحل هو كأي مشروع آخر يتطلب عددا من الاشتراطات، وأولى هذه الأمور هي ضرورة توافر راس المال المناسب، والأمر الآخر يتمثل في التخطيط السليم والإرادة الصادقة وضرورة وجود تصور متكامل عن المشروع، فلا مجال للعشوائية والتخبط».
«يجب أن تدرس مرئيات التطوير بشكل جاد ودقيق، فضلا عن عامل التوقيت، فانا أرى أن من الضرورة بمكان وضع جدول زمني لتنفيذ هذا المشروع، فمنذ أمد بعيد كنا نسمع عن مشروع تطوير سواحل السنابس، ولكن للأسف فان بوصلة الأمور انقلبت رأسا على عقب لصالح مشروعات ردم السواحل، ولحماية السواحل قبل الشروع في تطويرها اعتقد أننا بحاجة ماسة الى وجود تشريعات متكاملة وعقوبات صارمة تحمي السواحل من العبث والدمار».
الواقع المأسوي
ومن جهته يؤكد السيد فاضل الموسوي على أن مشروع تطوير السواحل يجب أن يوضع على عاتق الدولة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والمجلس البلدي؛ والواقع المأسوي لسواحلنا يحتم على جميع هذه الأطراف بالاشتراك مع المواطن البحريني في صوغ استراتيجية وطنية شاملة ومتكاملة لحماية السواحل».
ويضيف الموسوي « كنا في منطقة السنابس ننعم ببحر مترامي الأطراف وسواحل جذابة ومتميزة، ولكن خلال السنوات العشر التي مضت تراجع هذا المنظر البيئي الجميل الذي كان يتمتع به أهالي منطقة السنابس (...) وبعد تأسيس المجالس البلدية في المملكة قبل عامين أصبح هذا الملف من أولويات عمل هذه المجالس باعتمارها الجهة المعنية بقضية البيئة بالمملكة، وعلى رغم كثرة حديث « البلديين» عن تطوير السواحل لم نر شيئا ملموسا في هذه القضية على رغم مرور سنتين من تأسيس هذه المجالس».
تتقاطع الكثير من الأسئلة... من المستفيد الأول مما تتعرض له السواحل؟ وعن الجهة المسئولة عن وقف الهدر الذي يطال هذه الثروة الوطنية التي تفتقرها الكثير من دول العالم التي لا تطل على البحار، ما هو الحل؟ وما الذي يملكه الأهالي لوقف ذلك؟
بحر السنابس كان أحد هذه السواحل التي طالتها أيدي المتنفذين وأصبح ضمن قائمة السواحل المخصصة للمشروعات الاستثمارية خلال الفترة المقبلة.
لكن هذا الوضع لا يسر الأهالي، فارتباطهم بالبحر قديم، قدم وجودهم على هذه الأرض فقبل بدء عمليات الدفان البحري كان البحر على بعد أمتار قليلة من معظم بيوت القرية، أما الآن فقد تغير الوضع وأصبح الذهاب إلى البحر يتطلب ركوب السيارة، غير أن ذلك لم يثن الأهالي عن التواصل مع البحر، إذ يشهد يوم الجمعة خصوصا إقبالا من الأهالي على الساحل الذي يعيش حالة من الانتعاش على خلاف باقي أيام الأسبوع، وعلى مقربة منه تؤجر الخيول ويتوافد الباعة لبيع المأكولات الشعبية القديمة على مرتادي البحر، وتتجمع العائلات، وللأطفال جوهم الخاص في ذلك، بين السباحة تارة وبين مداعبة رمال البحر تارة أخرى.
ويبقى بحر السنابس وغيره من سواحل البحرين تعول على تدخل الجهات المعنية لوقف ما يحدث من قضاء لهذه الثروة، حتى لا يأتي اليوم الذي نتباكى فيه على حال السواحل.
كل هذه المطالب كانت رؤى صادقة من مواطنين يسعون للترفيه العائلي باستثمار سواحل السنابس الجذابة التي يجب ألا تكون أثرا بعد عين كبقية السواحل الأخرى التي يجنى عليها في غمرة توسع الحركة العمرانية، لكن يبقى أن المواطنين نقلوا الرسالة وجعلوا الكرة في ملعب المعنيين
العدد 707 - الخميس 12 أغسطس 2004م الموافق 25 جمادى الآخرة 1425هـ