لهاث المرأة بوجه عام على شراء المستحضرات التجميلية، وما تروجه الإعلانات التجارية لهذه المستحضرات، جعل عدداً من النساء يحلمن بأن يصبحن شبيهات بفتيات الإعلانات، وفنانات السينما. ولأن قطاعاً كبيراً من النساء الخليجيات لديهن القدرة الشرائية باعتبارهن «نساء نفطيات» كما يوصفن في المجتمعات الأخرى، فهن أكثر عرضة للاستغلال من قبل الباحثين عن الربح فقط.
أخصائي التجميل في مستشفى ابن النفيس الطبي أنور العليوات، يؤكد أن كل أنواع كريمات التجميل الرخيصة التي تجلب من البلاد الآسيوية هي كريمات ضارة بالبشرة، وخصوصاً الكريمات المبيضة التي تشكل ضررا خطيرا على المرأة التي تستخدمها فهي تقتل الميلانين (المادة التي تحمي البشرة من إصابتها بسرطان الجلد)، وعلق «مشكلة الكثير من النساء في الخليج الاستماع إلى نصائح صديقاتهن من دون الاستشارة الطبية، وهن بذلك عرضة للاستغلال».
وأكدت دراسة أجريت في المملكة العربية السعودية، بعنوان «المحتوى الزئبقي لكريمات تبييض البشرة وخطورته على الصحة» أن 45 في المئة من كريمات تفتيح وتبييض البشرة، تحتوي على الزئبق وفي مستويات أعلى بكثير من الذي حددته دائرة الغذاء والدواء الأميركية في العام 1992 في جميع مستحضرات العناية بالبشرة وكريمات التبييض.
وأشارت الدراسة إلى أن التعرض المزمن والمتكرر لمعدن الزئبق من الممكن أن يؤدي إلى تأثيرات شديدة على أجهزة الجسم المختلفة، ويكون التأثير العالي والسريع على الجهازين العصبي والكليتين، وقد يؤدي إلى الإصابة بالفشل الكلوي.
الوسط - نبيلة سليمان
أن تسعى المرأة وراء صيحات التجميل، وكل ما هو جديد في هذا العالم فهذا يعد منحى طبيعياً يتوافق مع أنوثتها، ورغبتها في أن تبدو واثقة من نفسها إزاء الآخرين، لا أن تخجل منهم لقاء بعض الأمور الخلقية التي لو تم التدخل فيها لكانت أفضل حالاً... ولكن أن يتحول اهتمامها بالتجميل إلى هوس يجعلها تلهث وراء نصائح الصديقات، وأن تصدق كل الإعلانات التجارية، وتعتقد ان هذا المستحضر، أو ذاك الكريم يمكن أن يحولها إلى نانسي عجرم أو كلوديا شيفر، أو غيرهما من الجميلات، فهذا هو منحى الخطر الذي لابد أن تعيه المرأة العربية عموماً والخليجية خصوصا.
المشكلة الكبرى أن المرأة الخليجية تعد - في نظر البعض - امرأة يفوح النفط من بين جنباتها، وهذه المرأة هي عرضة للاستغلال، وإذا كان الاستغلال يقتصر على ضياع بعض المال فحسب فقد تهون المسألة، ولكن أن يصل الأمر إلى الإصابة بأمراض خطيرة، ويتحول الجمال إلى مسخ آدمي، وتخسر المرأة صحتها وجمالها معا، فهنا تصبح الخسارة فادحة ولا تقدر بثمن.
المشكلة أن كثيراً من النساء الخليجيات مشوشات بين رغباتهن في أن يصبحن في جمال فتيات الإعلانات وبين تحذيرات الآخرين من عواقب هذا الدرب.
تجارب تروى
ما نشر أخيرا في الصحف المحلية عن مصادرة وزارة الصحة لـ 50 كيلوغراماً من مواد التجميل الممنوع دخولها إلى البلاد لمخالفتها المواصفات والمقاييس، إذ إن استخدام هذه المواد يؤدي إلى الإصابة بمرض السرطان وأمراض خطيرة أخرى- كما جاء في الخبر المنشور- فجر الكثير من المحاذير التي يجب أن تخرج إلى السطح لتعرف في أي درب تسير.
ما قصة مستحضرات التجميل الممنوعة التي تم مصادرتها، وكيف يتم التحايل على المستهلكين في الأسواق، وما قصة الكريمات المبيضة وكيف تضر بالمرأة التي تستخدمها؟
التحايل
رئيس مجموعة صحة المياه والمؤسسات في إدارة الصحة العامة خليل إبراهيم آل ربيع، يتحدث عن التلاعب في الأسواق فيقول: «يلجأ بعض المسافرين إلى التحايل على الجهات المختصة من خلال جلب بعض المستحضرات التجميلية بحجة الاستخدام الشخصي، وقد يتساهل بعض مفتشي الجمارك عندما تكون كمية هذه المستحضرات قليلة وتسمح بدخولها إلى البلاد، في الوقت الذي يرفض فيه مفتشو الجمارك دخول أي مستحضرات تجميلية بهدف التجارة لا تحمل بطاقات إعلامية تحتوي على مكونات ومعلومات خاصة بهذه المنتجات، وقد تم التنسيق بيننا وبين إدارات الجمارك بالتدقيق في دخول مثل هذه المستحضرات التي تدخل بهدف التلاعب في الأسواق، فقد يجلب المسافر الآسيوي هذه المستحضرات بهدف بيعها والربح منها، ويزعم انها هدايا أو للاستخدام الشخصي، أو يكون التاجر البحريني استغل سفر هذا الموظف الذي يعمل لديه في عطلته السنوية وطلب منه شراء هذه المستحضرات والادعاء أنها للاستخدام الشخصي، لأن في حال مصادرة أي مستحضر للاستخدام الشخصي، يمكن للمسافر أن يدعي عدم معرفته بالقوانين ويكون الإجراء المتخذ إما بمصادرة هذه المستحضرات، أو إتلافها أو شحنها إلى البلد المستورد، أما إذا كان المسافر تاجرا ويمتلك سجلا تجاريا فهنا تكون المخالفة أكبر، وقد تصل إلى سحب السجل أو تجميده، وفقا لحجم المخالفة، وبعض التجار يقومون بإرسال موظفيهم لشراء هذه المستحضرات، ويتحمل التاجر البحريني نفقات الموظف كافة من أجل تحقيق ربح كبير».
الخطورة
تتعدد أنواع الخطورة التي تقف وراء هذه المستحضرات، إذ قد تكون منتهية الصلاحية، أو أوقفت في البلاد المنتجة لأنها تسبب أمراضا أو أضراراً أو لأسباب أخرى، ولذلك فبعض البلدان تطرحها في الأسواق بأسعار زهيدة.
بعض المستحضرات الأخرى هي محضرة محليا في البلد المنتج، مع عدم معرفة المواد المستخدمة في تكوينها، وقد تكون هذه المواد غير مصرح بها أو عرضة للتلوث، وقد يضع المسافر هذه المستحضرات في عبوات بلاستيكية ويصمم البطاقات الإعلامية وفقا لما يريد، وعادة تكون البطاقات الإعلامية في هذه الحال ينقصها الكثير من البيانات المهمة، والمشكلة تكون كبيرة في حال عدم المعرفة التامة بالمواد الداخلة في تصنيع هذه المستحضرات، فلو تعرضت إحدى المستخدمات لهذا المستحضر لأي مضاعفات من قبل استخدامه لابد للطبيب معرفة مكونات هذا المستحضر لوصف العلاج المناسب لهذه المضاعفات، وعدم معرفة هذه المواد يؤدي إلى تأخير العلاج، وتفاقم المشكلة.
التقشير الكيماوي
وبسؤالنا عن الكمية المضبوطة أخيراً، ما إذا كانت لمسافر واحد أو لمجموعة من المسافرين، يرد آل ربيع بقوله: «كانت خاصة بمسافر آسيوي واحد، وأكثر البضاعة كانت صبغات شعر، وبعضها منتجات للتقشير الكيماوي، والغريب أن المواد التي تستخدم للتقشير الكيماوي عادة ما تكون خطيرة جدا، وتوصف لحالات مرضية معينة، ولابد أن يتم هذا التقشير تحت إشراف طبي أو متخصص، ولا أدري كيف يستخدم البعض مادة مجهولة لا يعرفون حقيقة تأثيرها».
ويستطرد «في رأيي، ان المستحضرات المستخدمة في التقشير الكيماوي للبشرة لابد أن تخضع لمراقبة كبيرة تضاهي المراقبة التي تخضع لها الأدوية».
ولمراقبة هذه الأدوات والمستحضرات، استحدثت وزارة الصحة قسماً خاصاً بمراقبة المستحضرات التجميلية والأصباغ والمنظفات، لما لهذه المستحضرات من تأثيرات كبيرة ومختلفة على مستخدميها، وهذا القسم في طور الإنشاء، ويقول آل ربيع: «حتى إنشاء هذا القسم، فنحن نعمل ضمن ما هو متوفر لدينا، ونحرص على وجود البطاقة الإعلامية للمستحضرات التجميلية كافة قبل دخولها البلاد».
سارة امرأة في الرابعة والثلاثين من عمرها، تروي تجربتها مع بعض المستحضرات التجميلية التي لا تخضع للرقابة الطبية المتخصصة قائلة: «بودي لو كل فتاة وأمرأة يعرفن قصتي، فربما فكرن عشرات المرات قبل الإقدام على ما أقدمت عليه. منذ أن كنت في العشرين من عمري وأنا لدي هوس بأن أظل جميلة واستمتع بجمال وجهي وشبابي بشكل دائم، هذا الأمر جعلني ألهث وراء مختلف الإعلانات التجارية محاولة تجريب كل ما أسمع عن فائدته، ولأنني كنت قرأت في أحد الكتب أنه حتى تستطيع المرأة الحفاظ على شبابها لأطول فترة ممكنة، لابد أن تبدأ بالعناية ببشرتها في عمر الخامسة والعشرين، وهذا ما جعلني أبدأ بالعناية ببشرتي قبل وصولي حتى إلى هذا العمر... كنت جميلة ولكن كانت تضايقني بعض البثور في وجهي، وسمعت عن كريم لتقشير الوجه يأتون به من بلد آسيوي، وقالت لي إحدى الآسيويات إنه كريم ساحر، ويجعل البشرة تعود كبشرة الأطفال، فاشتريته منها بمبلغ زهيد، وبعد أيام من استخدامي هذا الكريم فوجئت بزيادة البثور في وجهي بشكل ملفت للنظر وسألت الآسيوية فقالت لي إن زيادة البثور أمر طبيعي وأن علي الانتظار حتى تجف، ولكنني لم أحتمل منظر وجهي، وذهبت إلى أحد الأطباء فأخبرني إنني استخدمت كريم لا يتلاءم مع بشرتي، وأجرى لي عملية تقشير كيماوي، ولم ارتح للنتيجة، وبعد سنة ذهبت إلى طبيب آخر مشهور في بلد عربي، وأجرى لي عملية أخرى وأعطاني علاجا، ولم استفد منه أيضاً، وبعد سنتين اضطررت لعمل عملية جراحية تجميلية في وجهي، وحتى بعد هذه العملية وبعد إنفاقي الكثير من المال لم يعد وجهي إلى سابق عهده، ولم أعد تلك الفتاة الجميلة. وبدلا من الحفاظ على جمالي كبرت عشرات السنوات».
سارة تقول انها نادمة اليوم، فهوس الإعلانات وتقليد الأخريات «جعلني أفقد الكثير من المال والجمال، ولو عاد بي الزمن مرة أخرى لتركت بشرتي على ما كانت عليه، حتى لا أدخل في متاهات من يتلاعبون بنا من أجل الربح فقط».
تشتري من البرادة؟
أخصائي التجميل في مستشفى ابن النفيس الطبي الدكتور أنور العليوات، له رأي في هذه القضية يقول: «المشكلة إن كل أنواع الكريمات الرخيصة التي يأتي بها المسافرون والمسافرات من البلاد الآسيوية هي كريمات ضارة بالبشرة، وليس كل كريم غالي الثمن مفيد للمرأة، ولكنني أقصد ان الشركات الكبيرة التي تنتج مستحضرات التجميل لن تغامر بسمعتها من أجل ربح مبالغ زهيدة، ولا أدري كيف تشتري المرأة البحرينية بعض هذه المستحضرات التي تباع في برادة؟، ثم إن من المعروف أن الأطباء في أوروبا لا يقومون بعمل التقشير الكيماوي في فصل الصيف، على رغم اختلاف حرارة الجو عندهم عنها في الخليج، فكيف يقوم بعض غير المتخصصين سواء في صالونات التجميل أو غيرها بعمل هذا التقشير في فصل الصيف، وبأيدٍ غير مدربة؟
المبيضات تقتل الملايين
- ما أهم الأخطاء التي تقع فيها المرأة البحرينية؟
- عندما تستمع للإعلانات التجارية وتستخدم الكريمات المبيضة حتى تتحول بشرتها السمراء إلى اللون الأبيض، هذه أهم الأخطاء أو الأوهام، فهي هنا تجهل أن هذه الكريمات المبيضة لها ضرر خطير على المرأة التي تستخدمها، فهي تقتل الملايين (من ماذا) وهي المادة التي تحمي البشرة من إصابتها بسرطان الجلد... المشكلة ان الكثير من النساء البحرينيات يستمعن إلى نصائح صديقاتهن من دون الاستشارة الطبية، والمشكلة ان الكثير أيضاً من النساء الخليجيات عرضة للاستغلال لأنهن معروفات بأنهن يمتلكن الكثير من المال. وكما أن بعض النساء يستخدمن العلاجات النباتية لتبييض البشرة معتقدات أن هذه العلاجات خالية من المواد الكيماوية، وهذا خطأ، فهذه العلاجات تضاف إليها الأحماض، كما أن معظم النساء يستخدمن التقشير الكيماوي من دون استخدام الكريم الواقي من الشمس، وهذا يعرض بشرتهن لأضرار مختلفة.
ويلتفت العليوات إلى موضوع صبغات الشعر بقوله: «إن استخدام صبغات الشعر ذات النوعية الرديئة له مضار مختلفة وكثيرة، لأن ليس الشعر وحده من يمتص الصبغة، ولكن الجلد أيضا يمتص جزءاً كبيرا من هذه الصبغة، وهذه المنطقة حساسة، ولذلك فعلى المرأة أن تستخدم نوعيات راقية من الصبغات حتى لا تعرض نفسها لأضرار هي في غنى عنها، وخصوصاً ان الجازولين يدخل في مركبات هذه الصبغات وهي مادة لها تأثير ضار على جسم الإنسان.
سلوى علي - أخصائية مساحيق تجميل وصاحبة صالون لهذا الغرض - تعلق «أعرف أن هناك مواد تدخل في بعض نوعيات المستحضرات التجميلية تسبب الإصابة بأمراض مختلفة ومنها السرطان، ولكنني أجد الكثير من النساء البحرينيات أكثر وعيا من السابق، وتستمع معظم النساء لنصائح المختصين سواء كانوا أطباء أم غيرهم... تأتيني بعض النساء اللاتي تعرضن لتجارب سيئة مع بعض الصبغات أو الكريمات، وأنا أنصحهن باستشارة طبيب مختص، وقد لاحظت أن بعض أطباء الأمراض الجلدية يصفون كريمات للتقشير من دون أن تصاحبها كريمات مرطبة، فتأتيني العروس وكأن وجهها محروق، ونحاول مساعدتها ولكن الوقت لا يساعدنا، ثم إننا لا نعمل في أي مادة تشكل خطورة على البشرة أو الشعر لأننا غير مختصين، ونعرف قدرتنا وإن لكل مختص عمله، ولذلك أنصح المرأة البحرينية بمراجعة الطبيب المختص الذي يشخص حالتها بشكل صحيح. وتتوقف الكلمات ولأن هناك إعلانات تجارية لا تهدف سوى الربح، ونساء يلهثن وراء الجمال مهما كان الثمن، ستظل الخطورة قائمة
العدد 717 - الأحد 22 أغسطس 2004م الموافق 06 رجب 1425هـ