تغيرت مفاهيم كثيرة تحت مظلة عملية التنمية منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ومنها مفهوم «التمكين» الذي تطور وخصوصا في عقد التسعينيات من القرن العشرين وتلاقت مع مفهوم التنمية؛ وعليه تحتاج عملية إنجاح التنمية من منظور معين إلى التمكين وتقوية أفراد المجتمع بصفة عامة من أجل تحقيقها، وهناك بعض الفئات التي تحتاج إلى التمكين بصورة خاصة لدعمها وتقويتها أكثر من غيرها.
وقد تطور الأمر حديثا، إذ بتنا نسمع عن كثير من المصطلحات السياسية حتى كثر الحديث حديثا عن مفهوم التمكين السياسي والتجديد الديمقراطي كحجري الزاوية في معالجة الاختلالات في مجالات التربية وقضايا المجتمع، وأصبحنا نسمع مصطلحات كثيرة مثل التمكين السياسي والتمكين الاقتصادي، التمكين الاجتماعي والثقافي، الإعلامي والحقوقي، وغيرها من مجالات التمكين؛ إلا أن أهمها من زاوية التنمية السياسية هو موضوع التمكين السياسي بوجه خاص، وتحاول دراسات كثيرة إبراز المعوقات التي تواجهه، بالإضافة إلى تسليط الضوء على دور التمكين السياسي في بناء مؤسسات الحكم الصالح والديمقراطية.
ومن أجل تعريف مفهوم التمكين لا بأس أن نشير إلى ما هو ضده، فالأشياء تعرف بأضدادها، وعكس ما نعني بالتمكين هو التمييز أو التهميش أو الإهمال أو الاستبعاد أو الإقصاء المتعمّد أو البريء لشرائح معينة أو فئات معينة من الناس، كما هو الحال مع تهميش المرأة والشباب عند الحديث عن التنمية.
ومن هذا المنطلق نستطيع القول بأن التمكين في معناه العام هو إزالة كل العمليات والاتجاهات والسلوكيات النمطية في المجتمع، والمؤسسات التي ترتب النساء والشباب والفئات المهمشة وتضعهن في مراتب أدنى. وعليه يمكن تعريف «التمكين السياسي» بأنه عملية مركبة، تتطلب تبنّي سياسات وإجراءات وهياكل مؤسسية قانونية، بهدف التغلب على أشكال عدم المساواة وضمان الفرص المتكافئة للأفراد في استخدام موارد المجتمع، وفي المشاركة السياسية تحديدا.
ولا يقصد بالتمكين السياسي هنا المشاركة في أنظمة الحكم القائمة على ما هي عليه، بل لابد من العمل الدؤوب والمستمر من أجل تحديثها واستبدال بعض نظمها بنظم أخرى تسمح بمشاركة الغالبية من الشعب في الشأن العام، والمشاركة في إدارة البلاد وفي كل مؤسسات صنع القرار، بعكس هيمنة الأقلية التي تستحوذ على كل ذلك واحتكار العملية السياسية، وتحاول إقصاء واستبعاد الفئات الأقل قوة في المجتمع.
ومن أجل تحقيق التمكين السياسي فإن الأمر يتطلب وجود ديمقراطية سياسية، يتمكن الناس من خلالها من التأثير في القرارات المتعلقة بحياتهم، إضافة إلى وجود حرية اقتصادية، بحيث يكون الناس متحررين من القيود والقواعد القانونية المبالغ فيها والتي تعوق نشاطهم الاقتصادي.
من جانب آخر يتطلب تحقيق التمكين السياسي كذلك وجود سلطة لامركزية، بحيث يتمكن كل مواطن من المشاركة في إدارة حياته الوطنية والمحلية، وانطلاقا من مكان عمله أو سكنه، كما تعتبر مشاركة جميع المواطنين، ولاسيما المؤسسات غير الحكومية في صنع القرار وتنفيذ خطط التنمية من العناصر البارزة لتحقيق هذا الغرض.
معهد البحرين للتنمية السياسية
العدد 2375 - السبت 07 مارس 2009م الموافق 10 ربيع الاول 1430هـ