الحاجة هي أم الاختراع - كما يقال - ولذلك توصل أجدادنا في البحرين ودول الخليج الأخرى - رحمهم الله وأدخلهم فسيح جناته - إلى اختراع مروحة يدوية تصنع من سعف وجريد النخيل، وهي معروفة لدى الجميع، ولاتزال موجودة حتى الآن - كنوع من التراث الشعبي - وتساعد على تحريك الهواء حول الشخص الذي يقوم بتحريكها ذات اليمين وذات الشمال، فتجلب إليه ذلك الهواء المنعش، وبالتالي تبدد بعضا من العرق المتصبب عن وجه وجسم ذلك الشخص وتلطف وتخفف من حرارة الجو.
ولقد لعبت تلك المروحة أو بالأحرى - اختراع الأجداد - دورا فعالا في التخفيف من «قيظ» الصيف اللاهب في ذلك الزمان وفي أزمات انقطاع الكهرباء المتكررة في تاريخنا الحديث، وخصوصا في ذلك اليوم التاريخي - الذي لا ينسى - عندما توقف أزيز المحطات الكهربائية العريقة عن الدوران في أنحاء البحرين، وهرع الناس للبحث عنها في كل مكان، ليعيدوا إلى الذاكرة فترة زمنية من حياة وتاريخ الأجداد، ويخلدوا ذلك الاختراع العجيب من تراثنا العريق.
لقد استطاعت وزارة الكهرباء والماء بجهودها الجبارة، وقوة عزيمة وشكيمة رجالها الأشاوس، أن تعيدنا إلى الثلاثينات من القرن الماضي، ويساهموا بجزء كبير في إحياء الترات وتذكيرنا بماضي الأجداد المجيد، وكيف عاش الأجداد في حياتهم بلا كهرباء، وتساهم في إحياء الذكرى الرابعة لسقوط الطائرة المنكوبة، الذي جاء مصادفة في التاريخ نفسه وهو الثالث والعشرون من شهر أغسطس/ آب المشئوم الذي صار عطلة شبه رسمية في البحرين، بفضل وزارة الكهرباء والماء وجهودها المخلصــة.
عاشت البحرين من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، كرنفالا فريدا من نوعه وشكل مظاهر عجيبة وغريبة، إذ احتفل الناس كل على طريقته الخاصة، ولو كان مخططا له مسبقا، لجذب الملايين من السياح إلى البحرين.
وإننا نقترح على وزارة الكهرباء والماء أن تجعل ذلك اليوم التاريخي فرصة ذهبية لا تعوض وتجعل الاحتفال به سنويا، ليكون يوما عالميا لإحياء التراث بفكرة جديدة مبتكرة وبطريقة غريبة وعجيبة تختلف عن كل الطرق والأساليب المتبعة في العالم، لجذب السياح وتشجيع السياحة في البلاد .
ولتلافي الخسائر والأضرار التي قدرت في ذلك اليوم التاريخي أو ما سماه البعض يوم الاثنين الأسود بملايين الدنانير، هذا غير الخسائر المادية والمعنوية في صفوف المواطنين والمقيمين وغير المعلنة، يمكن تلافي ذلك بجعل ذلك اليوم عطلة رسمية، مع إعلان ذلك المهرجان أو الكرنفال قبل تاريخ 23 أغسطس بمدة كافية، وستغطي طبعا مداخيل وعائدات تلك الاحتفالات، ما قد ينجم من خسائر هنا وهناك نتيجة لانقطاع الكهرباء المتعمد طبعا هذه المرة، ولن يستطيع كائنا من كان أن يلوم أو ينتقد وزارة الكهرباء والماء العريقة.
ويمكن أن تتطور تلك الفكرة العجيبة، وتتحول إلى الواقع وقد تساهم وزارات أخرى ومؤسسات وشركات كبرى، وتطفو على السطح بشكل متطور ومدروس، وقد تدمج ضمن المهرجانات التي تقام في الصيف من كل عام - تحت مسميات مختلفة - وتكون حقيقة قائمة على أرض الواقع، وبذلك تكون وزارة الكهرباء والماء قد حصلت على السبق وتفوقت على إدارة السياحة في تشجيع السياحة.
ويبقى أن نقول إن ذلك اليوم التاريخي العريق، لن تنساه البحرين بمواطنيها والمقيمين عليها، والذي جعلهم يواجهون موجة الحر والرطوبة العاتية بكل شجاعة واقتدار، إذ وصلت درجة الحرارة فيه إلى أكثر من 45 درجة مئوية والرطوبة إلى درجة تجعل من يجلس في الظل يتصبب عرقا، ولقد نقلت الفضائيات وأجهزة الإعلام المختلفة، نبأ انقطاع الكهرباء عن مناطق البحرين كافة، وبذلك دخلت البحرين التاريخ من أوسع أبوابه.
محمد خليل الحوري
العدد 724 - الأحد 29 أغسطس 2004م الموافق 13 رجب 1425هـ