العدد 773 - الأحد 17 أكتوبر 2004م الموافق 03 رمضان 1425هـ

نصرف على مبرّات الأيتام في لبنان 7 ملايين دولار سنوياً

السيدفضل الله في حديث خاص بـ «الوسط» (1):

الحديث مع المرجع الديني السيدفضل الله حديث ذو شجون، لكنه يترشح جمالاً... تجلس معه فتتلمس آفاقاً كبيرة في الفكر والثقافة. رجل عاش الساحة سنين ومازال يحمل في قلبه روح الانفتاح على الآخر، رجل محاور من الطراز الأول. منسجم مع أطروحاته... رجل يحمل ثقافة المؤسسات حتى سمي برجل المؤسسات في لبنان. استمر الحوار معه ساعتين. سألته «الوسط» عن كثير من القضايا السياسية والفكرية والثقافية. فكان حواراً صريحاً دار في مكتبه في بيروت في منطقة حارة حريك.

مؤسساتك في كل مكان وتسمى برجل المؤسسات في لبنان... مستشفى، مبرات خيرية، معاهد، مطعم الساحة، إذاعة، كيف أصبح فضل الله فضل الله بمؤسساته؟ كيف كانت البداية؟

- كانت البداية عندما انطلقت الحرب في لبنان ولاحظنا في ذلك الوقت باعتبارنا مجموعة أنا والسيد موسى الصدر والشيخ مهدي شمس الدين... أن الحرب بدأت تفرز أيتاماً وأن أيتام الشيعة أصبحوا يؤخذون بالتبني إلى فرنسا وإلى مياتم المسيحيين.

الناس لم تكن عندهم مؤسسات لاستيعاب هؤلاء الأيتام. اتصلنا في ذلك الوقت بالسيدالخوئي وأجازنا في الحقوق ثم بعد ذلك أسسنا مبرة السيدالخوئي... استأجرنا مكاناً ثم حاولنا أن نرعى الأيتام بالتبرعات والحقوق ثم غيّب السيدموسى. عند ذلك قمت بتأسيس مبرة السيدالخوئي وهي أول مبرة... أكملنا المبرة... ثم بدأنا نتسع بمبرات أخرى في أقصى لبنان... منطقة الهرمل، منطقة البقاع، مبرة زين العابدين... ثم مبرة السيدة خديجة الكبرى ثم مبرة الجنوب ومبرة الإمام علي، مبرة السيدة مريم، عندنا 6 مبرات يوجد فيها ما يقرب من 3300 يتيم ويتيمة نصرف عليهم تربية وتعليما حتى يصلوا إلى الجامعة.

كم ترصدون لذلك من موازنة سنوياً؟

- في السنة 6 إلى 7 ملايين دولار. ثم لاحظنا أن هناك مشكلة أنه لا توجد مبرة للمكفوفين، فقمنا بتأسيس مبرة الإمام الهادي للمكفوفين. ثم أتبعناها بمدرسة الرجاء للصم ثم اتبعناها في العام الماضي بمبرة للبكم وهي تمتاز بأحدث الأجهزة، حتى الآن عندما تأتي مجموعة من البريطانيين يتعجبون من ذلك، إذ لا يوجد لها مماثل في لبنان. هذه المبرة يوجد فيها 300 فرد بين مكفوف أو أصم. والآن يوجد عندنا مكفوفون في الجامعة... ثم قمنا بتأسيس مدارس... من الروضة إلى الثانوية... عندنا مؤسسات تربوية متميزة تفوقت حتى على المؤسسات المسيحية على رغم أنهم كانوا قبلنا في ذلك والمدارس يدرس فيها تقريباً 13 ألف طالب. ثم لاحظنا أيتاماً فقراء يعيشون في بيوتهم فقمنا بتأسيس «مكتب الخدمات الاجتماعية» وعندنا جهاز يقوم بفحص العوائل اليتيمة أو الفقراء وهو يرعى الفقراء... نصرف على هؤلاء سنوياً تقريباً 15 مليار ليرة لبنانية وهذا مستمر.

هل تمانعون من تقديم المساعدات إلى الأطياف الأخرى من الطوائف الأخرى. كالطائفة السنية الكريمة أو من قبل الطوائف الأخرى من المسيح؟

- أبداً، عندنا طلبة من السنة ومن المسيحيين وفي المبرات يوجد أيضاً أيتام من الطائفة السنية، لكن بالنسبة إلى المسيحيين هم لم يدخلوا عندنا. طبعاً عندنا حوزات نسائية، حوزات رجالية، إلى جانب أن المناطق التي لا توجد فيها مساجد أو حسينيات نقوم ببناء مساجد وحسينيات فيها اذ بنينا ما يقرب من 20 إلى 30 مسجداً. هنا مسجد الحسنين توجد فيه قاعة الزهراء وقاعة محاضرات، عندنا مكتبة عامة والآن توجد فكرة بناء مكتبة عامة كبرى للجامعيين وغيرهم.

كيف تقرأ الدولة كل المؤسسات؟ هل تقلقها أم تنظر إليها على أنها تزيل عبئاً عنها؟

- أبداً، الدولة تشجع على ذلك، فوزارة الشئون الاجتماعية، تشجع كفالة الأيتام ومساعدة المكفوفين... طبعاً في كل هذه المؤسسات لم نعتمد على أية دولة.

إذاً من أين مواردكم؟ على ماذا اعتمدتم؟ على الخمس؟

- على الخمس.

هل تدخلون في مشروعات تجارية مثلاً؟

- نحن نقوم بخلق مؤسسات استثمارية تبدأ من الخمس، ولكنها تستمر. هي تقوم بالعطاء. مثلاً، عندنا محطة أيتام (محطة بنزين) بل محطات، عندنا مطعم الساحة... كذلك نحن لم نحتج إلى أحد ولا إلى أي دولة.

وعلى رغم ذلك بقيت مستقلاً...

- نعم بقيت مستقلاً.

ألم تدفع ضريبة هذا الاستقلال؟

- طبعاً... لقد دبرت لي أكثر من محاولة اغتيال... والتفجير الذي حدث في بئر العبد وقتل في العملية 80 شخصاً خير مثال وهناك شخصية عربية وراء محاولة الاغتيال دفعت 3 ملايين دولار إلى الفاعلين وجرح فيها الكثير.

هذا الاستقلال وهذا الموقف الصلب عانيت منه ومازلت أعاني منه.

عندنا مخطط لإنشاء مشروعات جديدة، مثلاً في طرابلس، في شمالي لبنان بنيت مسجداً ومأتماً ومركزاً... لم يكن للشيعة هناك مثل ذلك كبقية الأطياف. الآن أصبحوا يستقبلون في هذه الأماكن المسيحيين وبقية الأطراف لأنه أصبح عندهم موقع لاحتفالاتهم. وكذلك بالنسبة إلى منطقة بنت جبيل، إذ أكثريتها من المسيح.

الآن يوجد مسجد حضاري هناك والآن نقوم بتعمير مدرسة ومستوصف.

هل واجهت عقبات؟ ألا تعتبر الدولة أن ذلك يعد مشروع دولة داخل دولة؟

- أبداً، هذه المشروعات ترفع حملاً عن الدولة، أنا من دعاة الحوار الإسلامي المسيحي، وبعض هذه المشروعات من يضع حجر الأساس لها بعض المسئولين، وأنا من دعاة الوحدة الإسلامية ومن الجانب السياسي رأيي واضح وصريح ولذلك يأتيني الكثير من المسيحيين لاستشارتي في استشراف المستقبل. ربما شعبيتي عند المسيحيين أكثر حتى من بين الشيعة. منذ بدأت عملي الإسلامي وأنا في حال صراع.

كنت تحاور...؟

- نعم... وأنا في حال حوار حتى عندما كنت في النجف عندما كنا أنا والسيد محمدباقر الصدر نصدر مجلة «الأضواء»... هو يكتب «رسالتنا» وأنا أكتب «كلمتنا»... حوار داخل الحوزة... أكثر من 55 سنة وأنا في الساحة... أول ما جئت إلى لبنان كنت ألقيت قصيدة في السيدمحسن الأمين... سنة 52، كتبت قصيدة في الوحدة الإسلامية يعني القصيدة أصبح عمرها 52 سنة وحاربت الاستعمار وكتبت قصيدة في ذلك في حينها وكتبت احدى الصحف اللبنانية في حينها أن فضل الله ألقى قصيدة ضد الاستعمار استثارت مشاعر الجماهير. وكان الاحتفال مليئاً بالمثقفين والكوادر وهناك التقيت مصطفى السباعي (الدكتور المعروف)، طلب لقائي إذ كان يحمل همَّ الوحدة الإسلامية واجتمعت معه... الشاهد: أنا في الساحة منذ ذلك الوقت وصريح في القضايا.

هل فضل الله في توسع بعد سنين من المخاض؟

- أنا موجود وفي اليوم يأتيني تقريباً (100) أو 150 سؤالاً للاستفتاء من كل مكان، لا أحد يستطيع أن يغتال أحداً معنوياً. خطابي حاضر في هذا العالم حتى من يشهروا بك هم يحملون فكرك.

أقول لكل العاملين، يجب ألا يهتزوا، قل كلمتك وامش. الكلمة هي التي تنطلق وأنا كتبت قصيدة موجودة في كتاب «في ظلال الإسلام»:

دورنا أن نحرك الصوت في الأفق ليبقى معلقاً في الفضاءِ

باحثاً في المدى عن الاذن الظمأى إليه في لهفة الإصغاء

عن كيان يعيش في قلق الحيرة بحثاً عن فكرة بيضاء

عن غدٍ يحضن الهدى إن تخلى حاضر الجيل عن نداء السماء

إذاً أنت مقتنع بتاريخك؟

- مقتنع بخط السير وأن المنهج صحيح.

تحولت فتاواك العصرية إلى خبز شعبي يتناوله الفقراء، وتمتاز أيضاً بأن جمهورك هو جمهور المثقفين والتكنوقراط. سألتك هل أنت راضٍ عن تجربتك الثقافية والسياسية؟ هل أنت راضٍ عن جمهورك؟

- أنا شخصياً أشعر بالاعتزاز. الذين يأتون إليّ من سائر أنحاء العالم يأتون ليناقشوا قضايا فكرية معي. بالأمس، كان عندي السفير الألماني، ونائب رئيس البرلمان الألماني. جلسا يتكلمان ساعة كاملة. وقبلهما بريطانيون وفرنسيون... إذاً الجمهور المثقف من المسيحيين أو الشيعة أو السنة وبقية الأطياف من ليبراليين وغيرهم.

في مجتمع شرقي ذي نزعة ذكورية، هل تؤمن بقيادة المرأة بأن تصبح رئيسة بلد؟

- من حيث المبدأ، ليس ذلك محرماً، لا دليل عندنا إلا رواية في أن النبي سمع أن ملك فارس مات فملكوا ابنته فقال: «ما أفلح قوم وليت أمورهم امرأة».

الرواية أولاً غير صحيحة في موازينها. ثم إن الرئاسة في ذلك الوقت كانت تختلف عن الآن، إذ كانت مطلقة، أما الآن فهي مقيدة بالقانون. ثم أنا عندي ملاحظة: القرآن قدم لنا ملكة سبأ كملكة أعقل من الرجال. «قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون» (النمل:32). «قالت يا أيها الملأ إني ألقي إليّ كتاب كريم. إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين (النمل: 29 - 31). «قالوا: نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين» (النمل: 33).

هذا نموذج للملكة التي تفكر أكثر من الرجال والقرآن يقدمها. من حيث المبدأ ليس لنا مانع وحتى بالنسبة للقضاء يجب ان ندرس ذلك، فرواية لا تولى القضاء رواية مرسلة... ليس عندي فتوى في ذلك لكنني بحثت هذا الموضوع في كتاب «القضاء».

عرفناك شخصية كارزمية لها حضورها... لم نعرفك كزوج أو كأب؟

- أنا أحاول أن أكون كإنسان في البيت... أتعاطى مع زوجتي بكل إنسانية.

هل انت ديمقراطي مع أهلك؟

- بكل معنى الكلمة... مع أولادي كإنسان. أولادي لا أفرض عليهم شيئاً إنما أنصحهم... لم أعنف مع أي ولدٍ من أولادي في كل حياتي، أخليهم يفكرون ويفكرون معي... إذا أخطأوا أناقشهم في خطأهم، أنا لا أؤمن بأن كونك زوجاً تقوم باضطهاد الآخرين. وأحاول ما أمكن أن أوفر لهم وقتاً أيضاً.

هل تجلس مع زوجتك، هل تخرج معها... الزوجة تحتاج إلى استراحات؟

- أنا كل أسبوع أذهب للشام وتذهب معي.

هي رفيقة دربك؟

- نعم... 55 عاماً وهي معي في هذا الدرب.

في الشعر أنت تنتمي إلى المدرسة الكلاسيكية أليس كذلك؟

- أنا من أوائل من نظم الشعر الحر مع مجلة «الآداب».

أيام السياب؟

- نعم في فترة الخمسينات في زمن السياب ونازك الملائكة كنا في العراق في أسرة الأدباء مع الشاعر مصطفى جمال الدين في ذلك الوقت نظمت الشعر الحر... عندي قصيدة في الشعر الحر والآن عندما اجد لي وقتاً انظم شعراً... مثلاً قصيدة في الامام الحسين تحت عنوان «وحيداً وقفت»

العدد 773 - الأحد 17 أكتوبر 2004م الموافق 03 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً