العلماء والمعلمون هم قادة الأمة وصناع رجالها، ولهم عند الله مكانة خصهم بها دون غيرهم، وهي الخشية بقوله تعالى «إنما يخشى الله من عباده العلماء» (فاطر: 28)، وهي الشهادة التكريمية التي يجب أن يسعى لها كل معلم بإعداد نفسه وتكوينها، وحرصه على أداء واجبه والقيام بمسئوليته تجاه أبنائه ووطنه وأن يكون راغباً منذ فترة إعداده في رد الجميل التربوي الذي أسند إليه، لتلاميذه ولوطنه ولأمته، ولسنا في حاجة إلى تذكير المعلم بمكانته في الديانات السماوية والقوانين الأرضية لأن الجميع لا يجهلها ولا في معاناته التي جسدها شوقي في قصيدته (قم للمعلم....) ومن ردوا عليه في قصائدهم، ولكننا نطالب بضرورة توفير الجو المدرسي وصناعة البيئة المدرسية التي يستطيع فيها المعلم أن يؤدي رسالته التربوية والتعليمية من خلال تحقيق الرضا الوظيفي والمهني والنفسي، فالمطلوب من الإدارات المدرسية ووزارة التربية والتعليم وأولياء الأمور أن يساندوا المعلم لأداء الدور المنوط به، وتقويم نتاجه الذي سيشكل لبنة بناء الوطن وتقدمه. ومن أهم ما يحتاج إليه المعلم مساعدته على استكمال إعداده وتكوينه وتأهيله، ودعمه وتشجيع الجهود النشطة والأداء الجيد الذي يقوم به، وتحفيزه ومكافأته وإعطائه القدر المناسب من التقدير والإحساس بالأمن والأهمية، وتوفير الغطاء الكافي من الدعم المادي والمعنوي، والمساندة له في كل خطواته، وفي معالجة ما يتعرض له من ضغوط سواء في المدرسة أو المنزل، ما ينعكس على أدائه وتحصيل طلابه، ويحتاج المعلم إلى توفير المرجعية المعرفية الكاملة من خلال توفير مصادر المعلومات والمعارف المتجددة التي قد لا يتمكن من الحصول عليها بمفرده، كما يحتاج إلى توفير الأدوات والوسائل التعليمية المناسبة والوسائط المعينة لأداء وظيفته التي لا تقتصر على الجانب المعرفي فقط، بل تتعدى ذلك إلى جوانب متعددة مهارية وقيمية وإبداعية، الأمر الذي تعجز الوسائل التقليدية عن مساعدته في تأسيسها لدى أبنائه الطلبة، فهو في حاجة إلى وسائل خاصة بالتوجيه والإرشاد، وأخرى بتربية الإبداع، وثالثة بالتعريف بالمجتمع، وتكوينه وخصائصه الجغرافية والجيولوجية والطبيعية وطبيعته الاجتماعية والاقتصادية، ورابعة تشخيصية لحال الطالب وسلوكه وأدائه، وخامسة لملاحقة التطور المعرفي والتكنولوجي، ومتابعة كل التطورات والطفرات العلمية التي لا يمكن أن يلحقها بمفرده، وسادسة لحث الطالب على العمل والتفكير والمعايشة مع الآخرين واحترامهم وغيرها، إذ لا يمكن أن نطالبه بأداء جيد وتقويم فاعل ما لم تتوافر له مثل هذه الوسائل والإمكانات والوسائط التي تفتقر إليها بيئتنا التعليمية. فمعلم اليوم ليس هو معلم الأمس فإن كان الأخير يعلّم معرفة مكتوبة أو منطوقة، فمعلم اليوم مطلوب منه أن يعلم ما ليس معلوماً، يعلم آلية الحصول على العلم والمعرفة وآلية انتقاء المعرفة وتقويمها، ومهارة التعامل مع أجهزة العلم والمعرفة؛ وآلية التحصين من المعارف المتدفقة غير الملائمة وتحليلها ونقدها وآلية خلق المعلومة وإيجادها والالتزام بشرف عرضها وكيفية التعامل معها وتقويمها والانفتاح على مصادر المعرفة أياً كان نوعها ومكانها، ما يستلزم ذلك اتصافه بصفات مهنية قل احتياج معلم الأمس إليها، ومن أبرزها ثقافته الواسعة المتجددة والإلمام بقوانين وأنظمة مؤسسته التعليمية، وإيمانه بمهنته وإخلاصه لها وبحاجتها إلى المزيد من الاطلاع والبحث والملاحقة المستمرة لكل جديد، والحيوية والإبداع والقدرة على خلق المواقف التعليمية والتعلمية، والتخطيط لها، وتنفيذها وإثارة الانتباه إليها والانتقاء منها وتقويمها وإلى غير ذلك مما تخلقه الكثير من الوسائل المتوافرة في كل بيت، بعيدة عن سيطرة المعلم مع مسئوليته عن تأثيرها على طلبته وعلى رأسها شبكة المعلومات العنكبوتية العالمية، ومختلف الوسائل السمعية والبصرية ووسائل اللهو والترفيه الإلكترونية، كما يتطلب ذلك منه صفات شخصية منها سعة أدائه ومعرفته وخياله، وإبداعه وثقته في نفسه وصبره وتقبله لوجهات نظر الآخرين، ومنها الحب لطلابه والتعاون مع زملائه والاتصال مع مجتمعه والاتزان في شخصيته، وحسن خلقه، وحلو حديثه، وتعدد اهتماماته، ومرونته في تعامله، وعدله في تقويمه لطلبته، وتقبله لهم، وتشجيعهم وتعاطفه معهم، ومراعاة ظروف كل واحد منهم تعليماً وتقويماً وتخفيف معاناتهم. ولخّص بعض المربين الصورة المفضلة للمعلم كما يراها طلابه في المهارة في التدريس والقوة في الشخصية والالتزام بمواعيد العمل والاقتداء بالقيم الدينية، والتواضع في معاملة الطلاب والثراء في المادة العلمية والعدالة في تقويم الطلاب والمشاركة الوجدانية وتوفير الجو الديمقراطي والاتّزان الانفعالي والمهارة في البحث العلمي وحسن المظهر. ودعت إحدى المعلمات إلى أن يكون المعلم واسع المدارك والأفق للمتغيرات الثقافية والاجتماعية مدركاً لديناميكية هذه المتغيرات، محاولاً أن يوظف هذه المتغيرات كلها وربطها بالمادة التي يدرسها، وعليه أن يكون مدركاً للإطار الفكري والثقافي الشامل على المستوى المحلي والقومي والمستوى الإقليمي والدولي، وأن يكون مدركاً لجميع القوى الإيجابية والقوى السلبية التي تتفاعل على هذه المستويات المختلفة والتي لها دور إيجابي على شخصية المتعلم سواء بطريقة مباشرة أو مقصودة أو موجهة أو غير مباشرة، ما يتطلب إعادة النظر في طريقة إعداد المعلم الذي يستطيع أن يدرك العلاقات البيئية بين تخصصه والتخصصات الأخرى، لديه النظرة الشمولية للربط بين الموضوعات المتعددة ذات الاختصاصات المختلفة. ويدرك الإطار الثقافي الذي لا يقل أهمية عن الإطار الأكاديمي والتربوي. ما يتطلب الاهتمام بتطوير معايير اختيار المعلم وإعداده الأكاديمي قبل الخدمة وتنميته المهنية أثناء الخدمة، والعمل على رفع كفاءته المهنية والشخصية لاستيعاب المستجدات العلمية والتربوية والتقنية والاجتماعية، ومنحه أكثر مما يستحق من امتيازات خاصة مادية ومعنوية تتيح له التمتع بمكانة اجتماعية سامية. ودعا كبار المربين المحدثين إلى ضرورة مراجعة الأسباب الدفينة الأساسية التي تقف في وجه كل تقدم حقيقي للتربية والتعليم، ألا وهي الأسباب الاقتصادية والاجتماعية الواقعة خارج المدرسة، وهي الأسباب التي لاتزال تحتقر المعلمين، وتعتبر التعليم مرفقاً وطنياً غير منتج، وفي أحسن حالاته قطاعاً معيداً للإنتاج، ما يحتم على أكثر من جهة المشاركة في عملية تأهيل المعلم وتقويمه ومراقبة أدائه ومجازاته تبعاً لذلك، ومكافأته بما يستحق.
رئيس اللجنة التعليمية والثقافية والاجتماعية بالمجلس البلدي بالمنطقة الوسطى
السيدعبدالله السيدمجيد العالي
العدد 779 - السبت 23 أكتوبر 2004م الموافق 09 رمضان 1425هـ