العدد 779 - السبت 23 أكتوبر 2004م الموافق 09 رمضان 1425هـ

مدافع إفطار... من نوع آخر!

من المعلوم ان مدفع الافطار كان ولايزال من العلامات البارزة لشهر الصوم، سمة من سماته المعروفة قديماً وحتى حديثاً في بعض الدول. وأطفالنا - حتى الذين لم يروا مدفع الافطار ولم يسمعوا صوته على ارض الواقع - يأنسون لسماع دوي صوته عبر التلفزيون وهو ينبه الصائمين الى لحظة الافطار.

قديماً... كانت الآذان تنصت في لهفة عند الاصيل لإعلان لحظة البدء... بدء الافطار، وخصوصاً البطون التي طواها الجوع بعد يوم كدح وتعب. لذلك تجد الناس واقفة على ابواب البيوت تترقب صوت مدفع الافطار. ويالها من لحظات رائعة تلك التي عند الغروب، إذ ترى الاجواء الروحانية والالسنة التي تلهج بحمد الله وشكره على نعمة الصوم ونعمة العافية و«الأمن والسلام».

المفارقة المرّة... القدس وبغداد مثلاً

يمر الزمن وتتبدل الاحوال وتتغير الموازين: موازين الاجواء الرمضانية وموازين لذة الصوم وموازين فرحة الافطار. ولأن كل شيء تغير بحسب «النظام الدولي الجديد» فإنك تجد حتى مدافع الإفطار تغيرت. وهكذا بدأنا نستنشق اجواء رمضانية بألوان أخرى... لم نكن نعرفها من ذي قبل.

المفارقة حدثت لدينا في المجتمع الخليجي وبعض الدول العربية بمستوى محدود، ولكن اذا شئت ان ترى المفارقة الحقيقية فلتوجه الطرف نحو ما يحدث في الاراضي الفلسطينية وفي العراق الجريح من تعايش مع الاجواء الرمضانية، سترى - وأنت ترى حتماً في كل يوم عبر الشاشات «الحمراء» ان كانت لك طاقة على النظر الى تلك المشاهد المروعة - كيف ان الأم تعد طعام الإفطار - إن وُجد - تحت وقع المجازر، وكيف ان رب الأسرة - ان كان حياً، يسبّح ويهلّل بعد يوم مواجهة دامية بدلا من يوم عمل شاق، ويا ترى - ماذا تحوي تلك المائدة التي تعدها تلك الأم - التي ربما فقدت زوجها او احد ابنائها ولا من احد يعولها هي ومن تبقى من الأسرة - من أصناف الطعام، وأية لذة وهناء تستشعرهما تلك العائلة المشردة؟ وأي طعم يتذوقه المرء في ظل بيوت مهدمة وخيمة لا تأمن قصف القذائف حتى؟.

نعم... لديهم مدافع إفطار!

كما أن لدى أطفالنا لحظات حاسمة يقفون فيها على أعتاب البيوت ينتظرون لحظة الافطار والصوت الذي يدغدغ الآذان بقوته ليعلن تلك اللحظة الموعودة كذلك فإن لدى أطفالهم مثل هذه اللحظات، غير أن الفارق هو نوع ذلك المدفع!

المدافع انواع مختلفة، هناك مدفع يلاطف المشاعر بدويه وإن كان مزعجاً، وهناك مدفع يفجّر ما حوله غير عابئ بما يكون أو بمن يكون. وهناك نوع آخر يمتد ليطاول البيوت والمزارع وكل ما يأوي بني الانسان ليشاركهم في مائدة الإفطار. اما النوع الذي اعتاده أبناء العراق وفلسطين فهو مدفع صنع خصيصاً للاطفال للحظات الفرح الحاسمة كلحظة الإفطار، وتجده لو سنحت لك الفرصة ان تقلب قطعة منه مكتوب عليه (MADE IN USA)، ومهمته البحث عن الاطفال الذين ينتظرون الإفطار في شهر الرحمة الإلهية، ليقتنص براءتهم التي لا يحتملها العدو الصهيو أميركي.

نعم هذه بعض أنواع مدافع الإفطار. وحديثاً تم تصنيع مدفع يعلن ساعة الإفطار بملاحقة الطفل الآتي من المدرسة ليُفَجَّر بدنه الطاهر برصاصات متتالية عن قرب وعن إصرار وترصد. واذا سألت من قام بالجريمة سيجيبك: أليست هذه ساعة الإفطار؟ إنني أحببت أن «أفطّر» قلب والديه به، هل هذا ممنوع؟!

إذاً... تبيّنت لنا أوجه المفارقة بيننا وبين أناس لتتابع مآسيهم في كل يوم أمام نواظرنا صرنا لا نأبه بما يعانون وكيف يعيشون أو كيف يصومون ويفطرون. فلا أدري هل تثقل كواهلنا دعوة لهم في جنح الليل إذا قمنا نصلّي بفرج قريب وخلاص سريع؟ هذا أقل ما يأملونه منا

العدد 779 - السبت 23 أكتوبر 2004م الموافق 09 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً