العدد 783 - الأربعاء 27 أكتوبر 2004م الموافق 13 رمضان 1425هـ

دروس من شهر رمضان المبارك

تعتبر التشريعات الإسلامية ملزمة لمن آمن بالله سبحانه وتعالى، فالفرد المسلم يتحرك داخل نطاق الدائرة الاسلامية التي ينبثق منها هذا التشريع، ويعتبر الخروج عنها تجاوزا لحدود الله عز وجل ومن ثم تجاوزا لنطاق الإنسانية لأن هذه التشريعات الإلهية تحفظ الإنسان وتصون كرامته من خلال قاعدة الحقوق والواجبات التي يلتزم بها المسلم تجاه نفسه وتجاه مجتمعه. معنى ذلك أن هذه التشريعات لم تأت هباء، بل جاءت لتوافق طبيعة البشر في إطار عملية التأثير والتأثر.

وفريضة الصوم، وهي إحدى هذه التشريعات الإلهية جاءت لبناء الشخصية الكاملة للفرد المسلم الذي يمثل اللبنة الأولى لبناء المجتمع الصالح ولهذا شدد الإسلام على هذا البناء بحيث يكون رصينا وقويا. يقول الله سبحانه وتعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» (البقرة: 183).

فما معنى الصيام؟

الصيام في اللغة يعني لإمساك والكف عن الشيء، وفي اصطلاح علماء الشرع: الإمساك عن الأكل والشرب والاتصال الجنسي وإيذاء الآخرين من الفجر إلى غروب الشمس ابتغاء مرضاة الله.

فلو نظر الفرد المسلم إلى هذا التشريع نظرة تأمل وتحقيق لوجد أن الصيام ولمدة شهر واحد مدرسة متكاملة تحتوي على دروس اجتماعية وأخلاقية وتربوية... يقول الباري عز وجل: «وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون» (البقرة: 184).

الدروس الاجتماعية

- العطف على الفقراء والمساكين: «فالصائم عندما يذكر جوعه وعطشه يتذكر الفقراء والمحتاجين الذين ينام غالبيتهم جوعى ولهذا تجد أن الصوم يربي الرحمة والعطف في نفس الفرد المسلم.

- المساواة بين الغني والفقير: فالصوم نظام عملي يفرض على الغني والفقير على السواء الامتناع عن الأكل والشرب لفترة زمنية معينة يتذكر فيها الغني جوع الفقير، ويحس الفقير بأن هناك من يواسيه في الحال التي يمر بها غالبية أيام السنة.

- تقوية الإرادة: فقد وضع الألماني جيهار دت كتابا في تقوية الإرادة جعل أساسه الصوم والامتناع عن أكل الطعام، وذهب فيه إلى أنه الوسيلة الفعالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد فيعيش الإنسان مالكا زمام نفسه لا أسير ميوله.

- توحيد الكلمة: يعتبر شهر رمضان الشهر الذي يتكاثر فيه التزاور بين الناس فتكثر اجتماعاتهم ولقاءاتهم في مجالس الذكر ويحس كل مسلم إحساس الارتباط العضوي بالآخرين لأن كلا منهم يمارس عملية الإمساك عن الطعام والشراب بين طرفي النهار.

الدروس التربوية الأخلاقية

- التعود على العادات الحسنة: التي يلزم المسلم بممارستها خلال شهر رمضان مثل الصمت وعدم الثرثرة والتحلي بالصدق والعمل الجاد والمخلص وتنظيم الوقت، فهو انطلاقة جديدة وصفحة بيضاء يبدأها الفرد المسلم مع ربه ومع نفسه ومع مجتمعه.

- التطبع على النظام: تعود الإنسان على عدم التقيد بالأوامر والنواهي الإلهية وحتى الوضعية، ولكن شهر رمضان جعل هذا الإنسان المنفلت وغير المنضبط يخضع لنظام ينفذ فيه الأوامر والتشريعات الإلهية ويحترم الأنظمة والقوانين، ولا مناص من الخضوع لها ويتساوى هذا الفقير والغني واضع القانون ومنفذه.

- محاسبة النفس: وهي ظاهرة تكثر خلال شهر رمضان المبارك، فهو نظام يضع تشريعات معينة تجعل الفرد المسلم يفتح صفحة جديدة في حياته، يقول الإمام علي (ع): «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا». ولهذا نجد المسلم يحاسب نفسه كل ساعة على أي عمل قام به حتى يتأكد أنه صاف لوجه الله وبعيد عن الخطأ.

هذه بعض الدروس المستوحاة من مدرسة الصيام في هذا الشهر الفضيل شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى ورحمة للناس، وما علينا إلا أن نحاول أن نتلمسها في حياتنا اليومية ولا نقف بها عند هذا الشهر الفضيل بل نجعل شهر رمضان نقطة انطلاق نحو حياة جديدة.

يوسف أحمد الموالي

العدد 783 - الأربعاء 27 أكتوبر 2004م الموافق 13 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً