اختلطت الكلمات بالدموع لدى الكثير من الشخصيات الرسمية والشعبية في البحرين، عند تعبيرها عن مشاعرها وتأثرها بوفاة المغفور له بإذن الله تعالى سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي لم تكن علاقته عابرة بشعب البحرين، بل كانت علاقة وطيدة امتدت إلى أعوام ما قبل ظهور النفط، وقبل توليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، فقد كان وحتى قبل وفاته الداعم الأكبر للبحرين اقتصادياً واجتماعياً، عبر تخصيص الكثير من المشروعات التنموية التي استفادت منها قطاعات كبيرة من أفراد الوطن.
فمن جانبه طالب النائب عبدالنبي سلمان بـ «تشكيل وفد شعبي إلى جانب الوفد الرسمي لتقديم واجب العزاء إلى شعب وحكومة الإمارات بوفاة سمو الشيخ زايد، على أن يكون من مختلف شرائح وفئات المجتمع البحريني، وممثلي الجمعيات السياسية والمجتمع المدني، إذ نكنُّ له عظيم الاحترام لمواقفه تجاه البحرين ومواقفه العربية والإسلامية التي تمثلت في الدعوة إلى لمِّ الشمل العربي، وتوحيد كلمة الأمة العربية، على رغم كل الصعوبات على مدى السنوات الطويلة».
وأضاف «جاءت مبادرة الشيخ زايد لتشكيل الاتحاد بين الإمارات، نواة تمنينا أن تستمر وتتسع بصورة أكبر، إلا أن الواقع العربي لم يعطها حقها في التمحيص والدفع بها إلى الأمام، وقد انعكس الاتحاد بين الامارات بالايجاب من خلال التقدم الذي حدث اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً».
واستطرد «هناك الكثير من الشئون الاقتصادية والاسكانية والتنموية التي تدعمها دولة الإمارات ونأمل أن يستمر هذا الدعم بين القيادتين لما فيه خير ومصلحة الشعبين الشقيقين، والذي سيؤدي إلى مزيد من الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في المنطقة».
من جهته روى عضو مجلس الشورى إبراهيم بشمي قصة ألقيت على مسامعه فقال: «روى عبدالله الخان نقلاً عن والده الذي كان مصوراً، إنه عندما زار سمو الشيخ زايد البحرين في فترة الأربعينات من القرن الماضي، في إحدى زياراته الدائمة لها، كان في جولة له في منطقة النعيم عند مرفأ صناعة السفن فيها، وصادف مروره هناك إنزال إحدى السفن الجاهزة إلى البحر، فقام سموه بخلع ثوبه ونزل مع البحارة في البحر وهم يدفعون السفينة، وقد التقط والد (عبدالله) هذه الصورة، إلا أنه مازال يبحث عنها حتى الآن».
ونوه بشمي بأن «الخطوة التي قام بها سموه نجدها تدل على شخصية الإنسان العفوي البسيط الذي يفزع إلى مساعدة الآخرين، وهذه النزعة اتضحت لديه عندما تولى الحكم في العام 66، نجده ساهم مساهمة كبيرة في تقديم المساعدات الإنسانية إلى الكثير من الأشخاص و الجمعيات و المؤسسات، وأرسى في سياسة دولة الإمارات تقديم المساعدات إلى مختلف دول العالم».
ومضى قائلاً: «علاقته المتميزة بملك البلاد علاقة حميمية تتجاوز العلاقات ما بين رؤساء الدول لتصل إلى علاقة الأب بابنه والابن بأبيه، وقد تأسست هذه العلاقة من خلال مساهمة البحرين في إرسال الكثير من المدرسين في نهاية السبعينات وإجراء التعداد السكاني لإمارة أبوظبي».
وقال: «في هذه اللحظة نشهد ظاهرة جديدة بعد وفاته، فقد انتشرت الكثير من الرسائل النصية عبر الهاتف في هيئة أدعية تترحم على روحه وتطالب بانتشارها عبر مختلف الهواتف، وهو ما يدل على التلقائية العفوية لدى المواطن البحريني وحبه الشديد للشيخ زايد، كما سمعت باذني امرأة عجوز وهي تردد هنيئاً لزايد بوفاته في رمضان، إذ ستكون الأعمال الخيرية هي رصيده في الآخرة».
وأوضح النائب عبدالهادي مرهون في هذا المصاب أن «ما يحسب لسموه هو نقلة الإمارات إلى مصاف الدول المتحضرة، حتى باتت مؤثرة في محيطها الخليجي، وفاعلة بين الدول العربية سياسياً واقتصادياً، حتى ارتقت كواحدة من أهم دول التجارة العابرة (الترانزيت)، ولها باع طويل في الصناعات التحويلية، كما تحتل مكانة متقدمة في التنمية البشرية واتفاق مكافحة الفساد، ولها سياسة مستقرة مع دول الجوار، إضافة إلى أنه اهتم بالمواطن كقيمة عليا يجب أن تسخر لها امكانات الدولة كافة».
وأمل مرهون في «أن تتوطد العلاقات بصورة أكبر بين شعب البحرين والشعب الإماراتي لما يجمعهما من خصال مشتركة، وإصرار قيادة البلدين على المضي في تمتين أواصر العلاقة بين الشعبين الشقيقين».
ورأى عضو بلدي المحرق صلاح الجودر أن «سمو الشيخ زايد يشتهر بالكرم والتسامح وبمساعيه الخيرة لإصلاح ذات البين بين الدول العربية، والإصلاحات التي قام بها لم تكن فقط على مستوى إمارته بل شملت جميع الإمارات الست، فقد كان يهتم بزراعة المناطق الصحراوية، وكان يقدم الأعلاف شخصياً لمن يهتم بتربية الماشية، إذ كان يشجع التربية الحيوانية، وبوفاته أصابت الأمة خسارة كبيرة يصعب تعويضها في هذه الفترة».
وعبر عميد البحث العلمي بجامعة البحرين عبدعلي محمد حسن عن شعوره، قائلاً: «انه قائد من قادة المجلس المؤسسين الذين كان لهم دور فاعل وقوي في إقامة أول اتحاد عربي حقيقي، له دور مميز في دول مجلس التعاون، فلا نذكره إلا بالخير وما نرى فيه إلا الأب الشفيق وإنسانا استطاع أن يوطد علاقته برعيته فاستحق أن يكون الأب الفعلي لهم، فأسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته وأن يمن عليهم بخلف مثله».
إلى ذلك اعتبر رئيس جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي حسن مدن سمو الشيخ زايد «طرازاً نادراً وفريداً من القادة إذ جمع بين الحكمة والعدالة والتسامح وبعد النظر، ووفر لأبناء شعبه العيش الحر الكريم، وجعل من دولة الإمارات دولة مؤثرة وذات كلمة رصينة مسموعة في العالمين العربي والإسلامي، فقد كانت الإمارات السبع قبل ذلك مبعثرة وتعاني من الضعف والتخلف اللذين خلفهما الاستعمار البريطاني، ولكنه تمكن من أن ينمي دولة حديثة متطورة تعاملت مع أبنائها بروح العدل، ووظفت الثروة الوطنية في سبيل تشييد بنية تحتية متطورة جداً، ووفرت لأبنائها الخدمات الضرورية في التعليم والصحة والضمانات الاجتماعية الواسعة».
وأضاف مدن «لم يكتف سموه ببناء دولة الوحدة وإنما حافظ عليها وطورها ورسخ مكانتها على قاعدة التسامح والانفتاح، وليس باللجوء إلى غطرسة القوة التي عرفناها والتجارب الوحدوية الأخرى الفاشلة، كما امتدت الأيادي البيضاء لسموه لتشمل بلدان عربية وإسلامية أخرى، فما أكثر المدن التي تحمل اسمه في هذه الدول، إضافة إلى المساهمة في تشييد المدارس والمستشفيات والطرق»
العدد 790 - الأربعاء 03 نوفمبر 2004م الموافق 20 رمضان 1425هـ