العدد 790 - الأربعاء 03 نوفمبر 2004م الموافق 20 رمضان 1425هـ

تضخم الدولة سببه الفشل في التنمية الاقتصادية

المشاركون في منتدى «الوسط» عن مفهوم «الحكم الصالح» ومتطلبات الإصلاح الإداري ...

نواصل الحوار مع خبير التنمية علي سلمان، والاقتصادي ابراهيم شريف ورئيس جمعية الشفافية جاسم العجمي، ونسألهم عن دور النقابات الحكومية، وهل بامكانها ان تحد من مشكلة الترهل في الهيكل الإداري للقطاع العام؟ ولماذا تصر الدولة على عدم وجود نقابات في القطاع العام؟

كيف تفهمون دور النقابات في القطاع العام فيما يخص دعم الحكم الصالح؟

- جاسم العجمي: النقابات ما هي إلا جزء من مؤسسات المجتمع المدني، ومؤسسات المجتمع المدني تعاني من ضعف شديد جدا لأسباب موضوعية خارجة عن إرادتها، نتيجة عدم تطور التشريعات الحالية، والمطلوب من التشريعات المتعلقة بمؤسسات المجتمع المدني أن تتغير لتواكب الدور المتوقع من مؤسسات المجتمع المدني في عهد الإصلاح، فهناك الكثير من المعوقات التي تعوق عمل هذه المؤسسات من أن تكون فاعلة.

مؤسسات المجتمع المدني أيضا تعاني من مشكلات ذاتية، في ظل غياب الجانب المؤسسي في غالبية مؤسسات المجتمع المدني، فهناك عدد قليل من مؤسسات المجتمع المدني استطاعت أن تبني الإطار المؤسسي، وبالتالي: فنحن نطالب كثيرا هذه المؤسسات بأن يكون لها دور حقيقي في حال توافرت لها البيئة والإمكانات التي تمكنها من أن تكون مؤسسات فاعلة، وسأكون قاسيا جدا على هذه المؤسسات عندما أطالبها بشيء لا تستطيع تنفيذه لأسباب موضوعية. فكم مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني لديها جهاز إداري متفرغ ويدفع لها أجراً.

ولمعرفة حجم الخلل، يمكن أن أعطيك نموذجا من خلال معرفة محدودة بمؤسسات المجتمع المدني في لبنان، فجمعية الشفافية اللبنانية تصل موازنتها إلى 200 ألف دولار في السنة، ولديها جهاز إداري لا أعتقد أن أية مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني الموجودة عندنا في البحرين تمتلك مثل هذا الجهاز، فلديها ثلاثة موظفين متفرغين من حملة الماجستير، ويتسلمون رواتب من الجمعية، وبالتالي يمكن أن تتوقع منها أن تكون فاعلة وأن يكون أداؤها مختلفا عن جمعية تعتمد أساسا على متطوعين لتحقيق أهدافها، وهذا لا يعني أنني أقلل من الجهد الذي تبذله الكثير من مؤسسات المجتمع المدني في البحرين، فما تقدمه في هذا الوضع الذي يجب أن ينظر إليه بإيجابية، هو نتيجة الظروف الموضوعية والمعاناة الذاتية التي تعاني منها مؤسسات المجتمع المدني.

- علي سلمان: الراتب مهم فعلا، فلا يمكن لك أن تأتي بشخص، وتوظفه في جمعية مدنية من دون أن توفر له أسباب العيش الكريم، وفي لبنان: الباب مفتوح للتبرعات الداخلية والخارجية لمؤسسات المجتمع المدني على اعتبار أنها جمعيات نفع عام، وهذا التبرع معدوم في البحرين وفي دول الخليج بالكامل، نتيجة البعد السياسي، وبالتالي: فإن تطوير العمل الاجتماعي نفسه محدود في المجتمع، لأن المساعدة المادية غير متوافرة، ولذلك فالجمعيات غير قادرة على النمو أساسا.

إذن ... فالهيكل الإداري متضخم في مؤسسات الدولة، والبرلمان لا يقوم بدوره الرقابي والتشريعي، كما أن مؤسسات المجتمع المدني ضعيفة ومضعَّفة، ولا يراد أن يكون لها دور، فما هو الحل لإيجاد مناخ حقيقي لنمو الحكم الصالح عندنا في البحرين؟

- إبراهيم شريف: دعني أقول ان العلاقة بين المواطن والدولة هي علاقة «دولة الرعية» وليست «دولة الرعاية»، فدولة «الرعاية» تعتمد على الإنتاج في القطاع الخاص، والدولة تقوم بإنشاء شبكة اجتماعية تحمي من خلالها الفقراء إذا لم يستطع القطاع الخاص أن يستجيب لمتطلبات سوق العمل، فيكون هناك الكثير من العاطلين عن العمل، وهذا يؤكد الحاجة إلى وجود ضمان صحي واجتماعي، فالدولة تقوم بدورها إضافة إلى وجود البنية التحتية التي تعزز من بقاء هذه الشبكة الاجتماعية متماسكة.

دولة الرعاية الاجتماعية سادت في أوروبا وفي العالم كله، وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية والكساد الأكبر الذي عم الدول الغربية كلها في الثلاثينات، أما لدينا، فهناك اعتماد شبه كامل من الدولة على المواطن، فما ان يريد البحث عن وظيفة، فإنه يبحث عن الوظيفة في مؤسسات الدولة لا القطاع الخاص، لأن الوظيفة في الدولة أفضل، فساعات العمل أقل والإجازات أطول، وهناك بطالة مقنعة، ولا توجد وظائف محددة في غالبية الأحيان، وإذا كان مقرر للموظف أن يعمل سبع ساعات مثلا، فهو يعمل ساعتين فعلا.

هل أنت تريد أن تقول مثلا إن طبيعة مؤسسات الدولة فيها خلل، ولا تمتلك امتداداً مؤسسياً ولا وظائف فعلية؟

- إبراهيم شريف: ليس هذا هو المقصود، فليس كل الدول فيها ترهل إداري في القطاع العام كما هو موجود عندنا، فهذا الترهل في البحرين هو نتاج 30 سنة، وتحديدا ما بعد الطفرة النفطية العام 1973. فقبل هذا التاريخ كنا نعتمد على الناتج المحلي من الصناعة النفطية، إذ إن الموظفين كانوا يعملون في «بابكو» بوصفها شركة صناعية ولم يكونوا يعملون في الدولة، لكن، بعد الطفرة النفطية: الدولة هي من بدأت تستوعب العمالة المحلية، والقطاع الخاص بدأ يستوعب العمالة الأجنبية، بعد أن كان شبه غائب حتى سنة 1973.

كما أن متوسط الرواتب في الحكومة بحسب إحصاءات الحكومة والتأمينات الاجتماعية تفوق بنسبة 20 في المئة متوسط الرواتب في القطاع الخاص، فأنت هنا أمام ظاهرة فريدة من نوعها، رواتب أعلى وعمل قليل وإنجازات قليلة أيضا، وضمان وظيفي أفضل، فأي إنسان عاقل يمكن أن يختار وظيفة غير الوظيفة في مؤسسات الدولة، فهذا هو الخيار العاقل بالنسبة إلى الناس، ولكن ليس هذا هو الخيار العاقل بالنسبة إلى الدولة. ويمكن القول: ان الدولة هي التي دفعت الناس إلى هذا الخيار خلال الثلاثين سنة الماضية، ويمكن في السبعينات وحتى الثمانينات ان يكون خيار القطاع الخاص مقبولا من المواطن، لأن القطاع الخاص كان يحصل على مداخيل كبيرة، ومع كساد الأسواق في التسعينات، وقلة صرف الدولة على القطاع الخاص، أدى ذلك إلى عدم نمو القطاع الخاص، وتحسن رواتب الدولة مقارنة برواتب القطاع الخاص.

هذه الحال التي نعيشها هي نتيجة السياسات القديمة، ولكننا أمام واقع لا نستطيع تغييره بين يوم وليلة، لأن أخلاقيات العمل إذا أفسدته خلال الثلاثين سنة الماضية، فتحتاج إلى فترة طويلة لعودتها. والسؤال: لماذا تضخمت الدولة؟ والجواب: ان أحد أسباب تضخم الدولة هو فشل التنمية الاقتصادية، كما أن جزءاً من تضخم الدولة له علاقة بالولاءات، بأن توظف الدولة الناس لتكسب ولاءهم، فمع عدم وجود محاسبة للدولة أمام المجتمع، فإن الدولة تضطر لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الناس في أجهزتها وقطاعاتها، وبالتالي، فإن استيعابهم في مؤسسات الدولة هو إخراس لهم بطريقة أخرى، فيصبح المواطن ليس قانون أمن الدولة ما يخرسه فقط، وإنما حتى الوظيفة في الدولة تخرسه أيضا. والسؤال: لماذا لا تعتمد الدولة على الكفاءات في التعيينات؟ والجواب: لأن الدولة قائمة على أساس الولاءات في التعيينات، وأعتقد أن الدولة من الصعب عليها الخروج من الوضع الحالي، ومهما كانت نيات الإصلاح قوية، فلا تستطيع الدولة الخروج من مأزقها الحالي قبل أن نكسر نظام الولاءات في التعيين الذي حكمنا طوال العقود الثلاثة الماضية.

لذلك، أجد أن هناك صعوبة بالغة في الإصلاح، وعادة ما يقف الإصلاح عند منتصف أو ربع الطريق، ولنأخذ على ذلك نموذج الإصلاح في القضاء الشرعي، فهناك قضاة شيعة استقالوا من مناصبهم، وكان يعول عليهم أن سيقوموا بإصلاح القضاء الشرعي الشيعي الجعفري، وقد وصلوا إلى مرحلة تبين لهم فيها عدم قدرتهم على الاستمرار في سلك القضاء، لأن الإصلاح كان المقصود فيه مجرد ترقيعات وأنصاف حلول، فلم يصل المسئولون في البلد إلى قناعة المضي في الإصلاح إلى آخره مهما كانت الكلفة، ومازلت أعتقد أن العقبة السياسية الاجتماعية (والاجتماعية معناها وجود فئات مستفيدة من بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه) هي العقبة الكأداء أمام كل برنامج إصلاحي. اليوم لدينا فرصة للإصلاح قد لا تكون موجودة بعد 5 سنوات، وتتعلق بارتفاع أسعار النفط، فالإصلاح ليس قضية داخلية فقط، فأنت تحتاج إلى عامل خارجي، والعامل الخارجي المتعلق بارتفاع أسعار النفط يساعد الدولة على القيام بعملية إصلاح، والعامل الخارجي لا نستطيع السيطرة عليه، لأننا لا نستطيع السيطرة على أسعار النفط. فالعامل الخارجي يساعد على الإصلاح، لكننا وجدنا في دول الخليج من تجربتنا الماضية خلال 20 سنة، في كل مرة تخرج من هبوط حاد في أسعار النفط، فبعد عام 1983 وصل النفط إلى أعلى مستوياته، وكذلك بعد غزو الكويت ارتفعت أسعار النفط، وكانت فرصة أن تعدل الحكومات الخليجية ميزانها التجاري والاقتصادي، وتقوم بعملية إصلاح هيكلي للاقتصاد، ولكن لوجود المشكلة في الهيكلية السياسية الاجتماعية، فإن الفرص لا تستخدم للإصلاح، وإنما تستخدم لتصعيب الإصلاح في المرات المقبلة.

الواقع الآن أن جهاز الدولة يتوسع أكثر، وشركة ماكينزي وهي تعد التقرير، تقوم الدولة بتوظيف 500 مواطن في شرطة المجتمع، والسؤال: ما هو دور شرطة المجتمع؟ ولماذا وجودها من الأساس؟ هل الهدف القول: إننا وظفنا 500 شيعي في قطاع الأمن مثلا؟ فوزير الداخلية صرح قبل أيام أن الأجانب الموجودين في وزارته هم 6 آلاف أجنبي، وهذه المرة الأولى التي تصرح فيها الحكومة عن عدد الأجانب الموجودين لديها في قطاع الأمن، وبدلاً من أن تقوم الداخلية ببحرنة هذه الوظائف، تخلق قطاعا جديدا اسمه «شرطة المجتمع» وقوامه 500 وظيفة، لضم من تخرج من قطاع التعليم من دون كفاءة.

قطاع التعليم نفسه يشكو من مشكلات كثيرة، لأن الكثير من المعلمين يفشلون في امتحانات القبول التي تشرف عليها وزارة التربية، ويقال للمسئولين عن الامتحانات: نجِّحوا المعلمين تماما كما يتم تنجيح الطلبة في المدارس، وبالتالي: فتنجيح المعلمين يؤدي في النهاية إلى تنجيح الطلاب، لأن الطالب لا يتلقى تعليماً ذا جودة بسبب معلم ضعيف الجودة، فدائرة الشر المتمثلة في الولاءات لم تقم الحكومة بكسرها.

أما الإصلاح الثالث الذي تكلم عنه ولي العهد، فهو إصلاح التعليم والتدريب، وهذا معناه أن يتم إلغاء الجزء الأكبر من الطاقم القيادي الموجود الآن في قطاع التعليم، وهذا الطاقم القيادي الموالي تاريخيا للحكومة. كيف يتم الاستغناء عنه، والإتيان بطاقم يعتمد على الكفاءة وليس على الولاءات.

- جاسم العجمي: استكمالا للموضوع الذي تطرق له شريف، موضوع الإصلاح الإداري لا يعتمد على هز ونخل القطاع العام، فنحن محتاجون في القطاع العام وخصوصا في القطاع العام أن يعطى المواطن حق الاختيار، بأن توفر الدولة للمواطن الذي يستفيد من خدماتها في التعليم والصحة مجموعة خيارات، ولا يكون محصورا في الأطر التي تحددها الوزارات التي تقدم هذه الخدمة.

ولتوضيح ما أقصده تحديدا، فوزارة التربية مثلا، تحدد إلى المواطن المدرسة التي يمكن أن يلتحق أبناؤه بها، من خلال المجمعات، وبالتالي: فالوزارة لا تعطي المواطن حق الاختيار، ولا تعطيه لاحقا حقه في محاسبة المسئول عن تقديم هذه الخدمة، وأنا هنا لا أدعو إلى فتح المجال إلى القطاع الخاص إلى الحد الذي يتم فيه القضاء على القطاع العام، ولكن هناك الكثير من التجارب التي يمكن للدولة الاستفادة منها، وطرحت عن طريق مفهوم «المدرسة: وحدة إدارية مستقلة»، ولكن بطريقة مشوهة، وهذا الطرح يصل إلى ما بين 15 و 20 سنة، لكن هذا الاقتراح لا يصل إلى المستوى الذي يعطيني الحق كمواطن أن آخذ ابني إلى المدرسة التي أعتقد أنها تقدم الخدمة التعليمية الممتازة، فإذا وصلنا إلى مرحلة «الوحدة الإدارية المستقلة» الفعلية، فإن ذلك سيكون سببا في تقليص سلطة الإدارة المركزية في وزارة التربية، وبالتالي: سيكون دور الإدارة المركزية في وزارة التربية رقابيا وتخطيطيا يقوم على أساس تقييم ما تقدم من خدمات تعليمية في هذه المدرسة أو تلك. مثل هذا الأمر ينطبق على وزارة الصحة، فبدلاً من أن تلزمني وزارة الصحة بمركز صحي محدد، لماذا لا أعطى الخيار بالذهاب إلى المركز الصحي الذي يتوافر فيه الطاقم الطبي الأفضل، وهذا طبعا يحتاج إلى إعادة هيكلة لهاتين الوزارتين، وينطبق على الخدمات الأخرى أيضا، وبدلاً من أن تحدد الموازنة من قبل الدولة لكل مستوصف، يكون المواطن هو من يحدد من المستوصف الصحي الذي يحصل على الموازنة الأعلى، وفيما يخص وزارة التربية، فإن المدرسة التي تستقطب أكبر عدد ممكن من الطلبة هي التي تحصل على النسبة الأعلى من الموازنة.

هذا معناه أيضا، أن الإدارة ما دون الإدارة المركزية هي التي تختار طاقهما أيضا؟

- بالضرورة يحصل ذلك، فأنا أتكلم عن أن المدرسة تكون وحدة مستقلة لا مركزية، وتقوم وزارة التربية بإعطاء المواطن مبلغاً من المال، بأن تحدد وزارة التربية إلى كل طالب وصل إلى سن الالتحاق بالمدرسة 500 دينار مثلا، تقدم له ويكون له خيار اختيار المدرسة التي يرغب فيها، وبالتالي: فموازنة التربية تحدد كم تتسلم هذه المدرسة أو تلك من خلال خيارات المواطنين.

- علي سلمان: هذا يرجعنا مرة أخرى إلى تعريف الحكم الصالح الذي يعني توسيع خيارات الناس، فجزء رئيسي من الديمقراطية ومبادئ الحكم الصالح أن توسع خيارات الناس، فتعطيهم أن يحددوا خياراتهم بأنفسهم، ففي قطر مثلا، تم إلغاء وزارة التربية، وأعطت علاوة شهرية لكل مواطن قطري، وخصصت المدارس، فالمدرسة التي تفتح في المنطقة الفلانية تختار جهاز الإداري والشركة التي تشرف على العملية التعليمية من العملية التعليمية نفسها حتى المقصف، وبالتالي: تستطيع أن تقيم مخرجات العملية التعليمية في هذه المدرسة، فيكون لك الخيار في الانضمام إليها أو العكس، وفي ذلك توسيع للخيارات الذي يؤدي بالضرورة إلى الجودة، وبوصفك مواطنا متعلما، يمكنك أن تقيم ابنك في المدرسة الفلانية من خلال مخرجات العملية التعليمية فيها.

هل يمكن أن ينطبق ذلك على مؤسسات خدمية أخرى في القطاع العام؟

- علي سلمان: يمكن ان ينطبق على المستشفيات بوصفها مؤسسات خدمية، ويمكن أن تبدأ بالخدمات، وعندما ترفع من جودة الخدمات، بإمكانك أن تطلب ما هو أكبر من الخدمات، ولديك الكثير من الخدمات التي يمكن أن تقدم للمواطن في الصحة والتعليم والمرور والجوازات، والبلديات. وفي البلديات مثلا: لا يوجد جهاز تنفيذي منتخب إداريا، في حين أن في البلدان المتقدمة، كل بلدية لها مجلس إدارة منتخب، ويمثل المواطن من خلال مجلس الإدارة، ليستطيع تقييم أداء الخدمات البلدية، ويُدفع راتبه من موازنة البلدية، وهنا أتكلم عن الجهاز التنفيذي، أي مجلس إدارة يتولى الإشراف على كل العمليات البلدية، وبالتالي: أنت تحسن من الخدمات البلدية في المنطقة الفلانية عبر ممثلك، ويمكنك أن تسائله وتسقطه إذا لم يقم بعمله على أكمل وجه، لأنه مدفوع الأجر، ويمكنك عدم انتخابه أيضا وانتخاب الأكفأ.

- إبراهيم شريف: يجب الالتفات إلى مسألة مهمة بشأن الخصخصة، فالخصخصة هي واحدة من الخيارات لمعالجة الترهل في القطاع العام، وقد تكون مفيدة وقد لا تكون كذلك، وللخصخصة دور في رفع كفاءة المنشأة بأن تخفض كلفة الخدمة وترفع من كفاءتها، ومشكلة الخصخصة تحديدا: أن بعض القطاعات إذا تم تطبيق الخصخصة فيها لم ينجح هذا الخيار، فإذا كانت كلفة الخصخصة مع وجود الجهاز الرقابي الذي ستضعه لمراقبة العطاءات التي تقدم للدولة من أجل تخصيص قطاع معين إضافة إلى كلفة الخدمة أكبر من الوضع قبل الخصخصة، فلا يمكنك أن تحقق شيئا من وراء الخصخصة، فالخصخصة خيار، ولكنه ليس خياراً موجوداً بالضرورة في كل القطاعات.

إذا أخذنا مثلا قطاع التدريب عموماً إذا استثنينا معهد البحرين للتدريب، فهو في يد القطاع الخاص، ولكن من قال أن قطاع التدريب جيد، فالواقع أن قطاع التدريب في البحرين من أكثر القطاعات فسادا، لأنه يعتمد على تمويل من الحكومة عبر صناديق منشأة لأخذ جباية على أرباب العمل جراء استقدامهم عمالة أجنبية، ويدفع فيها، ولهذا فقد أنشئت الكثير من معاهد التدريب بجودة منخفضة من أجل الاستفادة من هذه المبالغ التي تقدر بعشرات الملايين الموجودة عند المجالس النوعية للتدريب. إذاً، لكي تنجح الخصخصة، هناك مجموعة من الاشتراطات يجب توافرها، وهي غير موجودة، ومنها الشفافية لكونها غير ضرورية في قضية الخصخصة، وكذلك المساءلة غير موجودة.

وفق هذه الطريقة، فإن بإمكان الطاقم الإداري الفاسد نفسه أن يلتف على الخصخصة بإدخال المؤسسات التابعة لبعض الأفراد فيه في عملية المناقصات.

- هذا صحيح مئة في المئة، فقد تحدث المسئولون عن خصخصة «ألبا» مثلا، ثم ألغيت هذه الرغبة، وهناك شبهات كثيرة على قضية تخصيص «ألبا»، لأن التخصيص لم يكن بناء على مبالغ محددة ولا عطاءات، ولكن بناء نظام التبادل، بأن آخذ حصة في «ألبا» وأعطيكم مناجم في أستراليا، فالموضوع لا يوجد فيه شفافية كافية، فالخصخصة لها اشتراطات، ومنها وجود شفافية ورقابية وجهاز رقابة قوي (برلمان له صلاحيات رقابية) إضافة إلى نقابات عمالية قادرة على حماية العمال الذين سيكونون الضحية من دون وجود التشريعات التي تحميهم، وذلك بأن تحمي العدالة من جانب وتعيد تدريبهم من جانب آخر، وأخيرا وجود شبكة اجتماعية من الضمان الاجتماعي لتحميك من التعطل والبطالة، وغالبية هذه المواصفات غير موجودة لخصخصة ناجحة في المجتمع.

ما التصور المطلوب للإصلاح السياسي والإداري في البحرين وصولا إلى الحكم الصالح؟

- علي سلمان: أن ما نحتاج إليه هو الابتعاد عن كل ما تعاني منه الأنظمة العربية، وهو ما يسمى بـ «العجز الإنساني والمعرفي»، فلابد أن تكون هناك كفاءة معرفية، وهذه الكفاءة لا تتأتى في ظل غياب الحكم الصالح والشفافية والحرية، وفي ظل غياب التطوير للأداء وخلق الإبداع، وبالتالي: نحتاج على الأقل بحسب مفهوم الأمم المتحدة في برنامجها للحكم الصالح إلى الحوافز المعززة للتنمية، بمعنى أن يكون هناك مجتمع يرتكز على تعزيز منظومة قيم معينة كالحرية بديلا عن السلطوية، أو المعرفة بديلا عن الامتلاك المادي، أو العمل الجماعي بديلا عن الانفرادية، أو المؤسسية عوضا عن الفردية، أو الكفاءة بديلا عن المحسوبية، أو التعاقد الاجتماعي بديلا عن الولاءات، ومن دون ذلك: يصبح الحديث عن التنمية أشبه بالنقش على الماء.

- إبراهيم شريف: يمكن أن أضيف بالقول: إن جمعية الشفافية الدولية لديها ما يسمى بـ «نظام النزاهة الوطني»، ومهم جدا إذا أردت أن تؤسس دولة فيها مجموعة من المؤسسات والتقاليد والممارسات الصحيحة، أن تتبع البرنامج الذي دعت له جمعية الشفافية الدولية، باعتبار أن نظام النزاهة الوطني فيه عدة أمور، ومن بينها: أن يوجد برلمان ذو صلاحيات واسعة إضافة إلى وجود سلطة قضائية مستقلة، إضافة إلى إعطاء مؤسسات المجتمع المدني والنقابات سلطات واسعة أيضا، وأيضا وجود دواوين للرقابة المالية والإدارية، وسلطة تنفيذية قابلة للمساءلة من ممثلي الشعب، فكفاءة السلطة التنفيذية غير مضمونة، ولكن ما يجب أن يضمنه النظام السياسي هو مساءلة السلطة التنفيذية، ما يعني أن السلطة التنفيذية غير الكفوءة تذهب وتأتي تنفيذية أخرى.

في دستورنا، لا يسمح بذهاب السلطة التنفيذية، وهناك حساب للسلطة التنفيذية في حدود معينة ومقيدة أيضا، فلتسقط وزيرا أنت بحاجة إلى ثلثي المجلس، في حين أنك تحتاج إلى النصف + 1 في دستور 73، إضافة إلى أن السلطة التنفيذية غير مكتملة الصلاحية، وأعطيت نصف صلاحياتها إلى مجلس الشورى، وبالتالي هناك حاجة إلى مجموعة مؤسسات مساعدة على تحقيق «نظام النزاهة الوطني»، وهو ما يدفع باتجاه وجود حكم صالح.

كم تقترح مثلا أن يكون عدد الوزراء؟ فلدينا ما يقارب 40 وزيرا بحقيبة ومن دون حقيبة؟

- إبراهيم شريف: طبعا أنت لا تحتاج إلى هذا العدد الضخم، ففي أميركا لا يوجد هذا العدد، ولكن ترهل مؤسسات الدولة، ووجود نظام الولاءات يدفع باتجاه ولاءات وتعيينات ليست هناك حاجة إليها، تتم نتيجة تطييب خاطر أحيانا، أو إحالة مسئول كبير على التقاعد قبل وقته، فيوضع في منصب وزير بلا حقيبة، إضافة إلى وجود حالات أمنية مبالغ فيها، فهناك خمسة محافظين وكلهم في مرتبة وزير وقس على هذا المنوال الكثير.

- جاسم العجمي: أعتقد أن هناك حاجة إلى إصلاح يهدف إلى تقليص التوظيف في القطاع العام، ومطلوب أيضا أن توفر للموظف الظروف الصحية من أجل زيادة إنتاجيته، وأن نتعامل بشفافية فيما يخص قضايا التوظيف والترقيات والتقاعد وتحديد العائد المادي، وأن يتم تقليل الأساليب الفردية في اتخاذ القرارات

العدد 790 - الأربعاء 03 نوفمبر 2004م الموافق 20 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً