الأراضي المحتلة، عمّان، باريس، المنامة - محمد أبوفياض، حسين دعسة، بنا
11 نوفمبر 2004
جرت في قاعدة فيلاكوبلاي العسكرية الفرنسية غرب باريس مساء أمس مراسم وداع رسمية لجثمان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي توفي فجر أمس في مستشفى بيرسي عن عمر ناهز 75 عاماً قبيل نقله إلى القاهرة حيث ستجرى اليوم مراسم التشييع الرسمية وينقل بعدها إلى رام الله حيث يوارى الثرى. ووسط جو غائم تقدم ستة من عناصر الحرس الجمهوري من المروحية العسكرية التي نقلت الجثمان من المستشفى، وحملوا النعش الذي لف بعلم فلسطيني إلى طائرة أقلته إلى القاهرة. وشارك في مراسم الوداع رئيس الوزراء الفرنسي جان بيار رافاران ووزير الخارجية الفلسطيني نبيل شعث الذي وقف إلى جانب سهى زوجة الزعيم الفلسطيني التي شوهدت وهي تجهش بالبكاء. وستجرى جنازة رسمية للفقيد في القاهرة اليوم على أن ينقل الجثمان بعدها إلى رام الله لدفنه في مقر المقاطعة الذي حوصر فيه طيلة ثلاث سنوات.
واستعدت مصر لتنظيم مراسم التشييع التي ستشهد مشاركة عربية رفيعة، إذ من المنتظر أن يحضرها 14 ملكاً ورئيس دولة عربية على الأقل.
وقال مفتي القدس عكرمة صبري إن عرفات سيدفن داخل نعش من الخرسانة يمكن نقله فيما بعد إلى القدس وستوضع عليه بعض رمال المسجد الأقصى. في غضون ذلك جرت سريعاً آلية خلافة عرفات من دون مشكلات، إذ حرصت المؤسسات الفلسطينية على ملء الفراغ في هدوء. ويتعلق الأمر بشغل المناصب الرئيسية الثلاثة التي كان يجمعها عرفات. ومنذ الأربعاء اختارت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير رئيس الوزراء السابق محمود عباس (أبومازن) لرئاستها. وتم اختيار رئيس الدائرة السياسية للمنظمة فاروق القدومي (أبواللطف) رئيساً لحركة فتح، من قبل اللجنة المركزية. كما أدى رئيس المجلس التشريعي روحي فتوح اليمين الدستورية أمام المجلس بصفته رئيساً انتقالياً للسلطة لمدة ستين يوماً بحسب القانون الأساسي الفلسطيني.
وفي إطار ردود الفعل قال الرئيس الأميركي جورج بوش: «وفاة عرفات لحظة لها دلالة في التاريخ الفلسطيني... نأمل أن يحمل المستقبل السلام للشعب الفلسطيني وتحقيق طموحاته في إقامة فلسطين مستقلة وديمقراطية تعيش في سلام مع جيرانها». كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون إن استئناف المفاوضات ممكن بعد عرفات مع قيادة فلسطينية «تتحلى بالمسئولية».
من جانبها، بعثت القيادة السياسية لمملكة البحرين ممثلة في كل من: حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس الوزراء صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، وولي العهد القائد العام لقوة دفاع البحرين صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، برقيات تعزية إلى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المؤقت روحي فتوح، بمناسبة وفاة المغفور له بإذن الله تعالى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
إلى ذلك، غادر البلاد مساء أمس نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، وذلك لتمثيل ملك البلاد المفدى في جنازة الرئيس الفلسطيني الراحل، الذي سيتم تشييعه اليوم في العاصمة المصرية القاهرة.
الوسط - وليد نويهض
رحل شيخ الخيمة. رحل الرجل الذي شغل العالم طوال أربعة عقود، وبقيت خيمته التي احتوت كل تناقضات الشعب الفلسطيني.
أسماء كثيرة اطلقت عليه: أبوعمار، الختيار، الوالد... وياسر عرفات. فمنذ أن قرر دخول هذا النفق الطويل احترف هذا الرجل اللعبة.
من البداية لجأ الرجل إلى السرية، وكان يعلم أن قضية فلسطين مركزية ومنها يمكن رؤية العالم في ثوابته ومتغيراته. فالقضية هي المركز والكل يدور حولها. ولذلك كان يعلم أن معركته طويلة ولابد له من أن يسبح تارة مع التيار وطوراً ضده لتصل السفينة إلى بر الأمان.
تميزت خيمة عرفات بتلك الجاذبية التي استقطبت الكل. فتحتها تربع الشيخ تحيط به كل التيارات السياسية. فالشيخ يوازن بينها ولا يفرق بين أبناء القبيلة. وكل فرع يتدافع مع الآخر لكسب عطف الشيخ. والشيخ كان الأب للجميع.
عرف «أبوعمار» منذ البداية أن الطريق إلى فلسطين طويل وشاق، وان الوصول إلى الضفة الأخرى يتطلب تعلم السباحة في كل الحالات والأجواء. فالتصلب خطأ والمرونة خطأ والسياسة (فن الممكن) تتطلب البطولة أحياناً وتتطلب المغامرة أحياناً أخرى. ولكن البطولة والمغامرة تحتاجان إلى حكمة ودراية ومعرفة بقوانين السياسة والاجتماع.
خيمة أبوعمار مدرسة سياسية مستقلة حاكت خيوطها التجربة المرّة. وشيخها يصلح أن يكون بطل رواية لقصة شعب في رجل اختارته الظروف والمصادفات ليكون عنوانها ورمزها.
شيخ القبيلة وختيار الخيمة ووالد الثورة هي مجموعة تناقضات انسجمت في شخصية كاريزمية لا مثيل لها منذ عهد شيخ فلسطين المفتي الحاج أمين الحسيني. فياسر عرفات هو رجل المرحلة وابن فترة شهدت اصطراعات غيّرت الكثير من وجه المنطقة. وبسبب شخصيته تلك عرف كيف يجمع بين التناقضات ويتعامل معها بقسوة حين تقتضي الظروف وبليونة حين تهب العواصف على القضية (الثورة) من كل الجهات.
إنها شخصية خاصة ومُفارِقة. فهو يلبس البزة العسكرية ويضع الحطّة العربية (الفلسطينية). وهو القائد الفلسطيني الذي يتحدث بلهجة مصرية. وهو الرئيس المشاكس لدولة موعودة وقائد ثورة موقوفة. وهو الزعيم الذي حمل البندقية في يد وغصن الزيتون في اليد الأخرى. وهو الرجل المعروف لدى العالم ويتحرك بسرية ويحيط شخصيته بجدار من الصمت لعزل العالم الذي يراقب خطواته اليومية.
في بيروت أيام الحصار الإسرائيلي قرر عرفات الرحيل... ويوم المغادرة طُرح السؤال: ما اسمه؟ وكانت المفاجأة حتى لأقرب الناس: هل هناك غير ياسر عرفات؟ وبدأت التكهنات. اسمه محمد. لا، اسمه شوقي. لا، عبدالرؤوف. اختلف الجميع على اسم ياسر عرفات. فهناك من قال إنه شوقي قدوة. وهناك من قال إنه عبدالرؤوف الحسيني. وهناك من قال إنه محمد عبدالرؤوف عرفات. وأخيراً هناك من جمع الأسماء كلها في أضداد متناسقة كشخصيته، وقال إنه محمد عبدالرؤوف شوقي قدوة عرفات الحسيني. ولكنه في النهاية ياسر عرفات (أبوعمار) أبوالثورة الفلسطينية المعاصرة. فهو «الوالد» و«الختيار» وشيخ القبيلة التي اجتمعت في ظل قيادته في تلك الخيمة الفلسطينية.
حين غادر عرفات بيروت في العام 1982 تفجر محمود درويش شعراً، فكتب عن بيروت الخيمة وكتب عن الشيخ والبحر. رحل عرفات عن بيروت بحراً ولم يعد إليها. رحل إلى عالم مجهول تصدّه الرياح وتتقاذفه أمواج البحر لتحطّ به الرحال في تونس.
أعاد الختيار نسج الحكاية. وعاد الشيخ من البحر ليقود سفينة الثورة من الشتات والتيه ليؤسس سلطة تحت حصار الاحتلال.
حلم الدولة لم يتحقق إلا أن خيمتها الأولى نصبت على أرضها. حلم الدولة بعيد؛ ربما لأن نفق فلسطين كان أطول مما كان الختيار يتصور. فالنهاية بعيدة كما تبدو وعمر الإنسان قصير. إنها حكاية الإنسان مع الزمن. ولكل زمان حكايته.
رحل الشيخ وبقيت القبيلة مجتمعة تحت الخيمة، وهذا انجاز كبير حققه «الختيار» في مسيرته الطويلة الممتدة على أرجاء واسعة من الوطن والمحيط.
رحل الختيار وترك عصاه فمن يجرؤ على حملها؟
رام الله - محمد أبوفياض
نعت القيادة الفلسطينية أمس في بيان ألقاه أمين عام الرئاسة الطيب عبدالرحيم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي أعلنت وفاته رسمياً في مستشفى بيرسي العسكري في باريس، قرابة الساعة الرابعة والنصف من فجر أمس الخميس. وفيما يلي نص البيان:
«تنعى القيادة الفلسطينية، إلى شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإنسانية جمعاء، القائد والمعلم، ابن فلسطين ورمزها، صانع حركتها الوطنية المعاصرة، وبطل كل معاركها من أجل الحرية والاستقلال، والدنا، ورائدنا، وحامل رايتنا نحو المستقبل الجديد، الأخ الرئيس الشهيد ياسر عرفات، الذي انتقل إلى رحمة ربه راضياً مرضياً، وذلك في الساعة الرابعة والنصف من صبيحة يوم الخميس 11-11 تشرين الثاني - نوفمبر من العام 2004».
«لقد أغمض شهيدنا الكبير عينيه عن هذه الدنيا، وسكن قلبه الكبير وانتقلت روحه الطاهرة إلى بارئها، ولكنه باقٍ بقاء هذا الشعب العظيم، لأنه كان رائد كفاحه المسلح والسياسي، وقائد مسيرته الجبارة في الطريق نحو بناء هويته الوطنية من جديد فوق أرض وطنه، ورمز تطلعه نحو إقامة دولة فلسطين المستقلة وتحرير شعبه من قيود التشرد واللجوء والاحتلال».
كما أكدت حركة فتح أن رحيل أبوعمار يشكل خسارة كبيرة للشعب العربي الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية وكل الأحرار والمناضلين والشرفاء في العالم. وأضافت في بيان أن الشعب الفلسطيني خسر عرفات في وقت أحوج ما يكون فيه إلى حكمته وشجاعته ورعايته الأبوية لكل الفلسطينيين وخسرت فيه الأمة العربية قائداً ورائداً قومياً كبيراً وفارساً شجاعاً من خيرة وأبرز فرسانها.
عواصم - وكالات
وجه الرئيس الفرنسي جاك شيراك ظهر أمس «تحية أخيرة» للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي توفي فجراً في مستشفى بيرسي العسكري في كلامار قرب باريس. واستقبلت ممثلة السلطة الفلسطينية في فرنسا ليلى شهيد الرئيس الفرنسي الذي دخل إلى المستشفى عبر مدخل جانبي لتجنب وسائل الإعلام وتجمع لفلسطينيين أمام المدخل الرئيسي.
وعبر شيراك عن تأثره لدى الإعلان عن وفاة الزعيم الفلسطيني. وقال: «أود أن اعبر للشعب الفلسطيني في لحظة الحداد هذه، عن صداقة فرنسا والشعب الفرنسي». وتابع أن «فرنسا مثلها مثل شركائها في الاتحاد الأوروبي ستبقى بحزم وقناعة ملتزمة برؤية قيام دولتين، دولة فلسطينية قابلة للحياة مسالمة وديمقراطية، ودولة إسرائيلية تعيشان جنباً على جنب بسلام وأمن».
وأعلن رسمياً في باريس أن جثمان عرفات سينقل إلى القاهرة في طائرة ايرباص تابعة لسلاح الجو الفرنسي تقلع من قاعدة فيلاكوبلاي العسكرية قرب باريس بعد مراسم يشارك فيها رئيس الورزاء جان بيار رافاران.
وذكرت مصادر متطابقة أن نقل جثمان عرفات إلى قاعدة فيلاكوبلاي الواقعة قرب كلامار قد يتم بواسطة مروحية. ووصل رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي إلى القاهرة للمشاركة في إعداد ترتيبات الجنازة.
وقال مفتي القدس عكرمة صبري إن عرفات سيدفن في رام الله بالضفة الغربية ولكن داخل نعش من الخرسانة يمكن نقله فيما بعد إلى القدس. وينظر إلى هذا الإجراء على أنه وسيلة للتحايل على رفض «إسرائيل» السماح بدفن الزعيم الفلسطيني في القدس الشرقية كما كان يتمنى.
وقال صبري إن الزعماء الفلسطينيين أمروا بوضع عرفات في نعش من الخرسانة يمكن نقله فيما بعد وأضاف أن مثل هذا القبر مشروع في الإسلام. وأضاف أن عرفات حُرم من أن يدفن في القدس المحتلة وان هذه الترتيبات ستسهل دفنه بجوار المسجد الأقصى كما كان يتمنى عندما تتيح الظروف ذلك.
وأضاف صبري أنه سيحضر بعض الرمال من موقع المسجد الأقصى ليضعها على جثمان عرفات قبل الدفن الذي من المتوقع أن يتم غداً السبت. وسينقل جثمان عرفات إلى القاهرة في وقت لاحق وستقام الجنازة اليوم الجمعة قبل نقله إلى الضفة الغربية
العدد 798 - الخميس 11 نوفمبر 2004م الموافق 28 رمضان 1425هـ
ايمن ابو عرقوب
الف رحمة ونور عليك ياقائدي ومعلمي