العدد 804 - الأربعاء 17 نوفمبر 2004م الموافق 04 شوال 1425هـ

معلمات محو الأمية يكتفين بالقليل... قاتل اللهُ الفقر!

فيما مضى الاحتفال باليوم العالمي لمحو الأمية بهدوء

لا يمكن بحال من الأحوال التغاضي عن الدور الذي تؤديه برامج تعليم الكبار في تحقيق أمنية شريحة من المجتمع لا يستهان بها، بتعليمها القراءة والكتابة على مدى أعوام طوال، بعد أن حرمت منها في الصِّغر.

وبحسب المشتغلين في قطاع تعليم الكبار أو «محو الأمية» - كما درج التعبير - فإن تعليم الكبار أكثر صعوبة من تعليم صغار السن، فالطفل الصغير يمكن تشبيهه بالعجينة التي يشكلها الطاهي بحسب ما يشاء، إذ إن للمعلم دوراً كبيراً في تشكيل شخصيتهم وثقافتهم، لكن ذلك لا ينطبق على الكبار.

حديث الأرقام يؤكد أن 2672 دارسا ودارسة التحقوا ببرامج تعليم الكبار لهذا العام، وتؤكد الإحصاءات ذاتها أن نسبة الأمية في البحرين انخفضت لتصل إلى 2,7 في المئة.

رسميا، يعتبر وضع الأمية في البحرين ذهبيا، وخصوصا إذا ما توقفنا عند نسبة 2,7 في المئة، لكن على الطرف المقابل، هل يمتد الوضع الذهبي ليشمل العاملين في هذه الجزئية من قطاع التعليم؟

الإجابة تأتي بصيغة «لا»، إذ يشتكي العاملون في مراكز تعليم الكبار من سوء الأوضاع الوظيفية لهم، وعدم تجاوب وزارة التربية والتعليم مع مشكلاتهم، إلى الدرجة التي اضطرتهم إلى تفويض النواب في المجلس النيابي لنقل ما يوجعهم، ليلقوا وعدا بتعديل قادم...

بين السطور، وبين أسباب الشكوى والشكوى ورد الفعل المرتقب، تقبع تفاصيل حملتها مجموعة من معلمات تعليم الكبار إلى «الوسط» في محاولة لعرض واقع أو جزء منها سعيا إلى الوصول إلى واقع أفضل حالاً.

محرومات الحقوق

تقول إحدى معلمات تعليم الكبار من اللواتي يعملن في هذا الحقل منذ نحو 20 عاماً: «خلال هذه السنوات كنت مع الكثير من معلمات تعليم الكبار محرومات من الحقوق التي يتمتع بها أي موظف يعمل في القطاع الحكومي، إذ لا تأمين ولا إجازات لنا، حتى الإجازات الرسمية - كالأعياد والمناسبات الدينية والوطنية - لا تحتسب لنا، نحن فقط نتقاضى ثلاثة دنانير عن الساعة الواحدة».

وبحدة اكبر تواصل حديثها «بعد هذه الخدمة التي قدمناها بتعليم الأميين منذ 20 عاماً، تهددنا الوزارة بأنه في حال عدم وجود 50 طالبة على الأقل، وأعمارهن لا تقل عن 45 عاماً فإن المركز سيغلق أبوابه وسيكون مصيرنا الجلوس في المنزل من دون عمل».

وتزيد «صحيح أن الخدمة التي نقوم بها هي من باب التطوع، ولكن لنا حقوق يجب على المسئولين مراعاتها، نطالب بتأمين وتحديد راتب شهري، ولا ضير من قبول راتب 150 ديناراً شهرياً، نحن راضون بذلك، ولكن المفروض أن تراعي الوزارة الخدمة التي قدمناها طوال هذه السنوات (...) العام الماضي تعرضتُ إلى ظروف صحية استدعت بقائي في المنزل وكانت عندي إجازة مرضية، ولكن خلال تلك الفترة لم أتقاضَ أي راتب»!

وتمضي في القول: «الوزارة لا تقدر الجهود التي بذلناها... لدي طفلة رضيعة اتركها من الظهر حتى المساء، لا نستطيع الجلوس مع أطفالنا، كل ذلك من أجل الحصول على بعض المال لمساعدة أزواجنا، فمعاش زوجي لا يتجاوز 200 دينار، ينفقه في سداد القرض ودفع إيجار المنزل بالإضافة إلى مصاريف المنزل المختلفة».

ظروف صعبة

معلمة أخرى تذكر أنها تعمل في هذا المجال منذ 27 عاماً مضت، أي بعد تخرجها من الثانوية العامة مباشرة، تقول تعليقاً على أوضاعهن: «لا تقدير ولا راتباً ثابتاً ولا إجازات (...) الكثير من المعلمات لديهن حوالي خمسة أطفال، ويعملن من أجل إعانة أزواجهن على توفير متطلبات الحياة (...) نحن نعيش في ظروف صعبة تحتم علينا الخروج للعمل».

وتذكر هذه المعلمة أنهن في السابق كنّ يتقاضين 40 ديناراً راتباً شهرياً، ولكن الوزارة ألغت هذا النظام، إذ تحتسب أجورهن بالساعة.

وتروي معلمة أخرى (أكملت 27 عاماً أيضاً في تعليم الكبار)، أنها خلال هذه السنوات كانت تدّخر ما تحصله من راتب لشراء حاسب آلي لأبنائها.

وتتساءل إحداهن «وزارة التربية والتعليم على علم بمعاناتنا، فلماذا لا تحرك ساكناً في الموضوع؟».

معلمة أخرى تذكر أنها تعمل في مجال تعليم الكبار منذ عام تقريباً، وهي تختلف عن باقي المعلمات، فهي تحمل شهادة جامعية في تخصص التربية الإسلامية، سألناها «ما سبب التحاقك بتعليم الكبار؟»، فأجابت «الظروف المادية الصعبة هي التي دفعتني للعمل في هذا المجال على رغم تدني الراتب، فأنا متزوجة ولدي أولاد اتركهم من اجل ثلاثة دنانير في الساعة الواحدة لأساعد زوجي، وفي مقابل ذلك لا تحسب لنا الاجازات الرسمية».

الحاجة الماسة إلى المال، دفعت هذه المعلمة - التي أنجبت قبل فترة - إلى قطع الإجازة والعودة مرة أخرى إلى العمل، على رغم عدم إكمالها فترة الإجازة الخاصة بالولادة (45 يوماً).

سلبيات كثيرة

هذه المعلمة ليست الوحيدة التي تواجه هذا الظرف، فبحسب كلام المعلمات، توجد الكثير من خريجات الجامعة في تعليم الكبار بسبب صعوبة الحصول على وظيفة، تقول إحدى المعلمات (تحمل بكالوريوس من الجامعة): «وجدت في المركز الكثير من السلبيات منذ الشهر الأول الذي عملت فيه، لم أحس بأن خريج البكالوريوس سيجد كرامته في هذا المكان، وقد التحقت بتعليم الكبار لصعوبة الحصول على وظيفة في الفترة الصباحية، فبعد الدراسة والتخرج من الجامعة لم نجد غير تعليم الكبار لنشغل به وقت الفراغ الذي يكاد يقتلنا، ولكن واجهنا الكثير من الضغوط، منها سوء تعامل الإدارة مع المعلمات».

طموح بـ 150 ديناراً فقط

ويشكل الراتب معضلة أساسية أمام معلمات تعليم الكبار، إذ تقول إحدى المعلمات: «نحن لا نطالب براتب 400 أو 300 دينار حتى، ما نطلبه هو راتب 150 ديناراً فقط، ولكن يكون ثابتاً، كحق من حقوق المواطن، معلمات «تعليم الكبار» طاقات لا تقدرها وزارة التربية والتعليم، فتعليم كبار السن ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض، فالكثير منهم لا يعلمون كيف يمسكون القلم، نتعرض للتعب والإرهاق، وفي مقابل ذلك نعامل بأسلوب سيئ من الإدارة، ولا يوجد أي شكر أو تقدير للجهود التي نبذلها».

وطالبت المعلمات وزارة التربية والتعليم بأن تنظر في الاعتبار في مسألة الرواتب.

وبطرح الموضوع على رئيس العلاقات العامة بوزارة التربية والتعليم نبيل العسومي، علق موضحا أن «العمل في مراكز تعليم الكبار في الفترة المسائية يتم وفق نظام العمل الجزئي المعمول به في ديوان الخدمة المدنية، فضلاً عن أن معظم المعلمات في المراكز هنّ أصلاً معلمات في المدارس الحكومية في الفترة الصباحية».

ولكن ما مصير المعلمين والمعلمات غير العاملين في القطاع الحكومي والبالغ عددهم 171 من أصل 371 معلماً ومعلمة؟ هل من الصواب معاملتهم كالباقين ممن يعملون في الفترة الصباحية؟ أليس من المفترض أن تكون لهم أوضاع وظيفية أفضل؟

- هذا السؤال العام يجيب عليه وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي في تصريح سابق لـ «الوسط» أن الوزارة بصدد دراسة الخيارات المختلفة والهادفة إلى تعديل أوضاع معلمي ومعلمات تعليم الكبار من غير العاملين في القطاع الحكومي، وذلك بعد تحديد المتطلبات المالية اللازمة لتعديل هذه الأوضاع.

جاء ذلك التصريح إثر ما أشار إليه النائب البرلماني عبدالله الدوسري، أنه «بانتظار ما ستتخذه وزارة التربية والتعليم حيال تعديل وضع المعلمين غير العاملين في القطاع الحكومي». وأكد أنه سيعزز سؤاله الذي وجهه إلى وزير التربية والتعليم في هذا الشأن خلال دور الانعقاد الماضي باقتراح برغبة أو بقانون لتعديل أوضاع المعلمين الذين ظلوا سنوات طويلة يعملون بالأجر المقطوع، من دون وجود هيكل يضمن لهم وظائفهم، وكذلك ضمهم تحت مظلة صندوق التقاعد أسوة بموظفي القطاع الحكومي.

وبالعودة إلى معاناة المعلمات، يذكر عدد منهن أن الإدارة طلبت منهن في مطلع العام الدراسي زيارة كبار السن في منازلهم وأماكن تجمعهم كالمساجد والمآتم لحثهم على الالتحاق ببرنامج تعليم الكبار، وهو ما سبب الكثير من الإحراج للمعلمات - على حد قولهن - فيتساءلن «هل من واجبنا القيام بذلك؟».

الأمر لم يتوقف عند قلة الرواتب، وعدم وجود تأمين أو إجازات، إذ تؤكد معلمات أنهن يصممن وسائل تعليمية وأنشطة للطالبات، ويطبعن أوراق الامتحانات على حسابهن الخاص، كذلك طلبت الإدارة منهن في نهاية العام أن يشترين هدايا من أموالهن الخاصة ويقدمنها للمتفوقات باسم الإدارة!

وتستغرب المعلمات من أنه في الوقت الذي لا تخصص فيه الوزارة موازنة للأنشطة والوسائل التعليمية، تطالبهن الموجهات التربويات اللواتي يزرن المركز بضرورة عمل ذلك للطالبات.

تعليقاً على ذلك يقول العسومي: «إن الوزارة تخصص موازنة سنوية لبرامج وأنشطة تعليم الكبار ضمن الموازنة المخصصة لإدارة تعليم الكبار لتوفير احتياجات ومتطلبات مراكز تعليم الكبار».

وبسؤاله عن وجود خطط لدى الوزارة لتحسين أوضاع معلمي ومعلمات تعليم الكبار، يقول: «تنفيذاً لتوجيهات وزير التربية والتعليم، فإن الوزارة تسعى إلى تحسين الوضع الوظيفي لمعلمي ومعلمات تعليم الكبار، وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها في المملكة».

وفي ظل الحديث عن وجود خطط لتعديل أوضاع معلمي تعليم الكبار غير العاملين في الحكومة، يبقى المعلمون في انتظار تطبيق هذه الخطط على أرض الواقع، ليعوضهم عن السنوات التي قضوها في الخدمة.


تعليم الكبار في البحرين... من الجهود الأهلية إلى الطابع الرسمي

ظهر تعليم الكبار في مملكة البحرين من خلال بعض المبادرات الفردية والأهلية، ومن خلال جهود ذاتية لبعض المؤسسات في المملكة منذ الثلاثينات من القرن الماضي، وقد أدت الأندية دوراً كبيراً في مجال محو الأمية، إذ نشأت عن الجهود المشتركة بين هذه الأندية والجمعيات «لجان أهلية» حملت على عاتقها مهمة تعليم الكبار.

استمرت هذه الجهود حتى صيف العام 1973 وهو العام الذي أخذ فيه تعليم الكبار طابعاً رسمياً بتبني وزارة التربية والتعليم هذه المهمة.

استقدمت الوزارة خبيراً من منظمة «اليونسكو» لوضع خطة شاملة لمحو الأمية في المملكة، وكفلت بتنفيذ هذه الخطة في العام

العدد 804 - الأربعاء 17 نوفمبر 2004م الموافق 04 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً