سيّرت أسرة المجني عليها (ل.ع) بعد صلاة الجمعة أمس مسيرة انطلقت من جامع الفاتح تطالب بإعدام الجناة كونه «حق للمجني عليها وللمجتمع» كما قال أقراؤها الذين وصفوا المطالبة بأنها لا تختص بالمجني عليها فقط بل بكل المجتمع حتى لا تتكرر مثل هذه الجرائم.
وطالب أهالي المجني عليها من «السلطة الرابعة» ممارسة الضغوط حتى يتم الاقتصاص من الجناة، خصوصاً وأن المجني عليها تعرضت لوحشية في القتل والتمثيل بها، ما يدل على سبق الإصرار، كما جاء على لسان أهلها.
الوسط - فاطمة الحجري
إلى أي قدر طرأت علينا حوادث غريبة ومستهجنة إنسانياً، لا علاقة لها - لا من قريب ولا من بعيد - بالمجتمع البحريني؟ هذا سؤال يكبر إثر كل حادث مؤلم يتركنا في حال ذهول، ويمضي، فمنذ متى كانت الخادمة تقتل مخدومتها لا لذنب؟ ومنذ متى صار اقتحام المصارف والسطو فعلاً متكرراً؟ منذ متى صارت حوادث السير خبراً خالياً من الإثارة، وإن قصفت عمر أكثر من ضحية؟ ومنذ متى صارت الخادمات في مجتمعنا سلعة يتاجر بعرضها في «سوق النخاسة»، وتحت مباركة من زوجة المغتصب؟
كثيرة هي صيغ الأسئلة التي صارت تحاصر عقولنا كلما هز مجتمعنا وأمنه فعل إجرامي جديد، نتفاعل بالقدر الذي تستحقه الفاجعة، وربما اقل... وننسى، فهذا أكثر ما يميز ذاكرتنا نحن البحرينيين، الاكتفاء بالنسيان وحسب!
تتداخل الحوادث وتتسلسل على نهج سريع، يفوق سرعتنا في الاستيعاب والتعاطي والتحليل، ففي الوقت الذي نبحر في التنظير في حقوق المرأة المهاجرة - التي تدخل الخادمات تحت عباءتها - عبر تنظيم ورش العمل والمحاضرات والندوات، تفاجأنا على الضفة المقابلة بصاعقة كالتي حدثت للمواطنة المقتولة أخيرا في الرفاع الشرقي على يد خادمتها الآسيوية ومعاونها الحامل للجنسية نفسها، لتبين التحريات الجنائية في الحادث أن الوفاة كانت بسبب ضرب مبرح على الرأس، بعدما وجدوا جثة الضحية عارية وقد مثل بها في عشة تقع في فناء منزلها.
قبل أيام قليلة خرج أقرباء الضحية - وهم يحبسون غضبهم - في مسيرة طالبوا خلالها العدالة بتطبيق عقوبة الإعدام على الجناة، وليرجعوا أدراجهم وهم حابسون للغضب أيضا، لتبقى الكلمة في يد القضاء ليقول كلمته الأخيرة.
لكن أية كلمة حق هي بالانتظار؟ هذا أكثر ما يحاصر الأقارب المحترقة قلوبهم في الوقت الراهن، ليس الأهل فحسب، فكل مواطن صار معرضاً الآن لفعل مشابه، ولاسيما أن العقاب المنتظر هو حبس لمدة محدودة، وبعدها إرجاع القاتل إلى وطنه ليحاول العودة من جديد إلى هنا، أو أي قطر قريب كان أو بعيد، ليمارس الجرم نفسه بأشكال أبشع وأكثر ربما، طالما أمن العقاب.
يعلق ابن أخ القتيلة صلاح أحمد على حادثة القتل المتعمد التي وضعت حداً لعمر عمته بشكل مباغت وبعيد كل البعد عن الإنسانية، ليقول «عمتي امرأة بسيطة، وأكثر ما يميزها طيبتها وتعاونها مع المحيط، لذلك فهي آخر امرأة من المعقول أن تتعرض لهذا القدر من العنف والجريمة من دون أدنى ذنب».
التمثيل البشع
«ما حدث ليس مجرد قتل، بل تعدى ذلك إلى ممارسة تمثيل انتقامي، ضربوها بالمنجل وبلوح من الخشب وبآلات حادة أخرى بشكل متكرر... خنقوها حتى الموت، وأخفوها في قفص الحمام والدجاج، ما يوضح أن المخطط مستمر لمواراة الجثة تماماً، لأن الشريك الآسيوي جاء في المساء بسيارته إلى البيت وفي نيته أخذ الجثة لإخفائها، لكنه هرب خوفا من ابن القتيلة، وامسكت به الشرطة ثم اعترف».
ويضيف «الهدف الأول للخادمة وشريكها كان السرقة، لكن بيت عمتي ليس فيه ما يغري لسرقته، فهو بيت أقرب إلى الفقر منه إلى الحالة المتوسطة»، فأي جرم بانتظار العائلات الأكثر يسراً؟ يسأل أحمد.
«المسألة ليست بالبساطة التي يتوقعها البعض، فهذه ليست سحابة صيف أو حدث طارئ، بل جرم متأصل في النفسيات، ينسحب على الكثير من العمالة الآسيوية التي تعج بها بلادنا (...) الجريمة البشعة خلفت حالاً من عدم الأمان والرعب، خصوصا بعد التمثيل المتعمد للجثة، في قبالة غياب القوانين والعقوبات الصارمة والرادعة».
ما هو العقاب المنتظر؟
هذا يدعونا إلى السؤال: هل يكون الترحيل من البلد بعد شهر أو شهرين من الحبس عقابا منطقياً؟ أم نستوعب الرسالة التي قدمت هذه المواطنة حياتها ثمناً لها من حيث لا تدري، عن هذه النقطة تحديداً يقول أحمد: «المجتمع صار يعيش في حال من انعدام الأمن، وأقرباء القتيلة لا يستطيعون النوم، والجيران يشعرون بأنهم مستهدفون، وهذه مشكلة يجب الالتفات إليها (...) تعاطفنا مع الخادمة الاندونيسية المغتصبة من باب التعاطف الإنساني، والقضيتان (القتل والاغتصاب) قضيتان متساويتان أمام الإنسانية والاعلام أيضا، ويجب ان يأخذا البعد ذاته في التناول والعرض».
ويضيف «تماما كما يحدث في الدول المتحضرة، يجب ان تمارس السلطة الرابعة ضغطها على السلطة القضائية، فإلانسان هو الإنسان، وقضية القتل أخطر من أي موضوع نيابي يطرح على الساحة المحلية الآن. عندما خرج الأهل في مسيرة أمام رئاسة الوزراء، لم يكن خروجهم اعتراضا بقدر ما هو تعبير عن حالة خوف تتسلل إليهم وتقضّ مضاجعهم (...) البيوت جميعها لا تخلو من الخادمات، ولا تخلو من سيدات من طراز عمتي البسيطة، وهذا لا يمنع وجود عمالة مخلصة في العمل، لكن ما حدث ينتظر إجراء رادعا عبر الإعلام ومثله عبر القضاء».
ضغط السلطة الرابعة
ويمضي في القول بحرقة أكبر «الأجانب متابعون للإعلام مثلنا تماما، ولو شعروا ان هناك ضغطاً تمارسه الصحف على القضاء لارتدعوا، لكن ان تعوم القضية ويطويها النسيان، فهذا يفتح المجال لباب لن يغلق من العنف والجريمة في بلد عرف أكثر ما عرف بالأمان والطيبة»
ماذا لو نهضت من قبرها؟
«لا نقول ذلك بدافع القرابة أو رغبة في الانتقام، لان عمتي لو نهضت من قبرها الآن لقالت سامحوهم لأنها لا تعي البعد، نقول ذلك بدافع خوفنا على مجتمع بات كل بيت فيه مهدداً ومستهدفاً (...) ما نحتاجه هو محاصرة العنف بكل الوسائل انطلاقا مما حدث، فالقتل طبيعة إجرامية، والرقابة بصنوفها تغيرت ويجب ان نتغير معها، نعرف ان الجريمة لن تنتهي، وندرك نزاهة القضاء البحريني. وما نريده هو كبح الجريمة ليعود المجتمع آمناً كما كان، فهذا هو التهديد الأكبر لنا الآن، لان المستقبل يحمل المزيد من الحروب والفقر والضغط الخارجي، إذاً فلنكن محترفين في محاصرة سطوة الجريمة عبر العمل، فماذا نتوقع إن يكون عقاب جريمة سرقة وسطو وتمثيل؟ ولو ان المجرم ارتكب هذا الجرم في بلاده لكان قتل علنا ليكون عبرة للكل».
القضاء الفيصل
إذاً... القضاء هو الفيصل دائما في حسم عقاب مرتكبي الجرم في كل القضايا، بدءا من الخادمات وليس انتهاء بحوادث السطو على المصارف التجارية تحت تهديد السلاح واستخدام العنف، تلك الحوادث التي لم نكن نراها ولا نقرأ عنها إلا في الأفلام والروايات البوليسية، صارت الآن أخباراً مألوفة ومتكررة لا تثير لدينا استغراباً أو تعجباً.
وليس بعيدا عن الرفاع التي شهدت جريمة القتل، شهدت الرفاع ذاتها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حادث سطو مسلح على أحد المصارف هناك، إذ دخل السارق بسلاحه متنكرا بهوية امرأة بعباءة وبرقع، ليطلق النار على الحارس هناك ويفر هاربا، وهو ينتظر الآن حكم القضاء لتصل العقوبة التي تنتظره إلى السجن المؤبد وفق المادة (376) من قانون العقوبات.
تلك الحادثة كانت الرقم 4 في سجل عمليات السطو على المصارف التي سجلت في ملفات وزارة الداخلية في اقل من عام، وإذا كانت هذه الأخيرة حادثة سطو فاشلة، فإن مصرفاً آخر في الرفاع أيضا تعرض لعملية سطو ناجحة في 23 من مارس/ آذار الماضي، إذ تمكن السارق من الاستيلاء على 10 آلاف دينار بعد تهديد المصرفي، وقبلها تعرض مصرف آخر لعملية مماثلة فاشلة.
وفي أبريل/ نيسان الماضي سجلت عملية جديدة من هذا الطراز الدخيل، إذ تعرض احد المصارف في محافظة المحرق للسطو تحت تهديد السلاح الأبيض، واستطاع السارق الذي صبغ وجهه باللون الأسود الاستيلاء على 65 ألف دينار، بعدما ربط اثنين من موظفي المصرف، ليأخذ ما تيسر ويفر هاربا بواسطة سيارة إحدى موظفات المصرف!
وعلى رغم تكرار الحادثة، فإن أيا من الاجتماعيين لم ينبر لدراستها، بيد انه بالأمس القريب، أعلن عن موافقة وزارة الصحة على فتح مركز متخصص لعلاج ضحايا العنف أيا كان نوع العنف الذي تعرضوا له، سموه «مركز الكرامة لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب»... لنكررها ولنستمع إلى وقع لفظة «الكرامة»... يا لها من اختيار موفق؛ فالكرامة والتعرض للعنف والتعذيب صنوان لا يلتقيان على الإطلاق، وتكاد تكون «الكرامة» في فهمنا الحالي مرادفة مضادة للعنف والتعذيب، وهي تحديداً ما يحتاج أكثر إليه واقعنا الحالي تحت وطأة التعذيب، فأي تعذيب أكثر من ان يقتل أعز الناس إليك ويمثل به من دون ذنب على يد ابخس الناس؟ وأي إجراء منتظر من شانه ان يعيد الكرامة التي سفكت بسفك دماء القتيلة؟
الحقوقي سلمان كمال الدين أكد خلال ترحيبه بقرار الموافقة على إنشاء المركز «أن مركز الكرامة سيخدم كل ضحايا العنف المجتمعي والأسري، وسيتطوع في الخدمة أكثر من 12 طبيباً»، على الفور تقفز في الذهن هيئة ابنة أحد سجناء الحقبة الماضية عندما نظمت الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان لقاء قبل أكثر من عامين ونصف العام بين عدد من السجينات والحقوقي العربي ميثم مناع... كانت تجلس بانكسار فريد لم أشهده قبلا ولن أشهده على الأرجح، تستمع لمناع الذي يقول شعرا لا كلاماً يواسي فحسب، كانت تبحر في الذاكرة أكثر مما تستوعب ما يقول، كانت فاقدة للقدرة على التواصل مع المحيط، لأنها حبيسة ذكرى لا تعيش في غيرها، أباً مسلوباً من حضن الأسرة لسنوات طويلة منذ أن كانت طفلة، ليعود وهي لا تعي للأبوة معنى، فتدخل بسهولة ولا أكثر منها ركب ضحايا التعذيب... لا نعرف ما حل بتلك الفتاة المقتولة بطريقة ما، أتذكر ان طبيبا نفسيا كان مرافقا لمناع أخذها من الجلسة ليباشر علاجها، فهو لم يستطع منع نفسه عن ذلك أمام بؤس حالتها، لكن لا نعرف إلى أي مدى تواصل العلاج لأن خطوة مركز الكرامة كان حاجة ومطلبا ملحا منذ زمن، لكننا الآن لدينا أمل يقاوم القتل المتلون والذي يداهمنا بأكثر من صنف ونوع.
نعبر على هذه الحالة التي ما هي إلا نقطة في بحر المعذبين الذين يرزحون تحت وطاة أنواع وصنوف من التعذيب قد تبدأ بانتهاك حقوق الخادمات، واللاتي ينشط الحديث عنهن في هذا التوقيت أكثر من أي وقت مضى، وحتما لا ينتهي بالعنف ضد المرأة بل هو آخذ بالتصاعد والذي لم ينشط الحديث عنه في زمن بعينه، لأنه حديث الزمان والمكان عبر العصور.
تستوقفنا الاعتداءات على الخادمات بقدر وافرمن التعاطف، وبالمثل تستوقفنا افعال بعضهن المشينة والتي تذهلنا لحد الصعق، وأمام هذا وذاك نقف مكتوفي الأيدي، نبحث عن تعليل، ونلوذ إلى النسيان، لكن ما هو جدير بالاهتمام الآن على اعتبار انه الأبشع وسط جرائم متلونة ما بين سرقة واغتصاب وانحلال أخلاقي هو قضية قتل المواطنة التي يحتمل ان تكون أم أو أخت أو شقيقة أي منا.
تلقت إدارة أمن المنطقة الجنوبية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 بلاغاً عن جريمة قتل راحت ضحيتها ربة بيت بحرينية تبلغ من العمر 37 عاماً من سكنة منطقة الرفاع الشرقي.
وقال مدير إدارة التحقيقات بالإدارة العامة والمباحث الجنائية فاروق المعاودة ان أهل الضحية كانوا فقدوا أثرها منذ خروجها صباحا بعد ان ودعت ابنيها الذاهبين الى المدرسة، ما دفع ذويها الى الابلاغ عن فقدانها في الثالثة عصرا.
وأوضح ان المعاينة الأولية كشفت ان القتيلة تعرضت لضرب على الرأس أدى الى الوفاة.
وفي 21 نوفمبر صرح المعاودة بأن الفريق المكلف باقتفاء آثار القاتل الذي اقدم على قتل ربة البيت البحرينية بمنطقة الرفاع الشرقي، قد تمكن من القاء القبض على الجاني في مدة لم تتجاوز الساعتين وهو آسيوي الجنسية.
وأوضح ان سبب الجريمة كان بقصد سرقة المال بعد ان اتفق الجاني مع الخادمة التي تنتمي الى جنسيته، غير انهما لم يتمكنا من الحصول على المال الذي كان الدافع وراء التخطيط لهذه الجريمة وتنفيذها، ومن جهته، ذكر ضابط التحقيق بالإدارة العامة للتحقيقات والمباحث الجنائية: ان الرجل القاتل يدعى «م.هـ» ويبلغ من العمر «33 سنة» بينما تدعى شريكته في الجريمة «ج.أو» تبلغ من العمر «23 سنة» ولم يمض على عملها مع مخدومتها إلا شهر واحد، موضحا ان المتهم والمتهمة سيقدمان إلى النيابة.
الوسط - أحمد الصفار
انطلقت ظهر أمس من مسجد الفاتح بعد صلاة الجمعة، مسيرة ثانية نظمها أقارب وأفراد أسرة المجني عليها ( ل،ع)، التي قتلت على يد خادمتها وآسيوي آخر كان برفقتها، وذلك في غضون أقل من أسبوع من مسيرة السبت الماضي، التي انطلقت باتجاه مجلس الوزراء والنيابة العامة، طالب فيها المتظاهرون بإعدام الجناة.
وأكد ابن أخت المجني عليها (ج. أ) أن «تنفيذ حكم الإعدام في الجناة، حق من حقوق المجني عليه والمجتمع، حتى يكونوا (المجرمون) عبرة للآخرين فيمتنعوا عن ارتكاب الجرائم، وإذا ما تم تطبيق القانون فإن البحرين ستصبح بلداً آمناً، كما أن المواطن سينام آمناً مطمئناً، في الوقت الذي بات فيه خائفاً اليوم من جميع الأمور التي تدور حوله في الحياة، ذلك أن حقه لا يسترد له».
وأشار قائلاً: «القضية التي نطالب بالنظر فيها اليوم، ليست قضية أهل المرحومة فقط، بل هي قضية المجتمع البحريني بكامله، فتكرار مثل هذه الجرائم سيؤدي إلى أعمال عنف وأخذ بالثأر مثلما يحدث في جمهورية مصر العربية، والسكوت ظلم لحق أي مواطن ومقيم يعيش على هذه الأرض الطيبة».
وأوضح أن «بعض المواطنين تعاطفوا مع أهل المرحومة، وشاركوا في المسيرة بعد علمهم بعدالة قضيتها، وحقها في القصاص من الجناة»
العدد 820 - الجمعة 03 ديسمبر 2004م الموافق 20 شوال 1425هـ