مرة أخرى يكشر الحاقدون والقتلة عن أنيابهم، ويكشفون عن وجوههم القبيحة، ويرتكبون أبشع الجرائم بحق الأبرياء الفقراء المسحوقين في العراق الجريح، وفي أقدس بقعتين على وجه الأرض، هما النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، من دون مراعـاة لحـرمة تلك الأماكن المقدسـة ودور العبادة، التي جعـلها الله سبحانه وتعالى ملاذا للخائفين ودور أمن وأمان وسلام للاجئين إليها، وهي أماكن للعبادة يرفع فيها اسم الله ويسـبـح بحمـــده.
يرتكب هؤلاء القتلة جرائمهم ويمارسون إرهابهم، باسم الدين الذي اتخذوه مطية لتمرير أحقادهم ومخططاتهم الدنيئة، ويشيعون الخوف والرعب والقتل والدمار بين الأبرياء الذين أنهكتهم المآسي والمعاناة وطالهم الظلم والحرمان والقتل والتشريد طوال أكثر من ثلاثة عقود على يد جلاوزة النظام البائد، الذين تتعاون فلولهم المنهارة معهم، وتنشر الموت والدمار في ربوع العراق، مستهدفة فئات معينة من أبناء الشعب العراقي من أجل القضاء عليها وإبادتها.
والشعب العراقي بفئاته وطوائفه وأطيافه كافة يرفض ويستنكر بشدة ما تقوم به تلك الفئات الإرهابية الضالة المتحالفة مع فلول صدام المنهارة، لتحيل العراق إلى جحيم لا يطاق، وتشيع القتل بين صفوف الأبرياء من الشباب والرجال والنساء والأطفال، وهي تهدف إلى اجتثاث تلك الفئات المعينة التي طالما كفرتها وأباحت دمها ومالها وعرضها، نتيجة أحقاد دفينة وعقد وأمراض نفسية تجعلها تتمادى في غيها وتصعد من عدوانها، وهذه الفئات قاسية القلوب ومتحجرة العقول تفعل المنكرات والموبقات والكبائر وعظائم الأمور، وتبيح ذبح البشر كالأغنام بكل وحشية وقساوة ولا تعي ما تفعل أو تقول، همج رعاع يهيمون في كل البقاع.
وهي على ضحالة تفكيرها وضيق أفقها، تسعى لبث روح الفرقة والتفرقة بين سنة وشيعة العراق وإثارة الحرب الطائفية، لتظل معشـشة في أوكار الجهالة والظلام والإجرام أطول فترة ممكنة في العراق لتقيم - كما تدعي كذبا وافتراء - إمارة الجهل والظلالة والعدوان، على غرار إمارة الطالبان التي أبادت وقتلت كل من يخالفها في الفكر والعقيدة، وأعادت البلاد إلى عهود القرون الوسطى وعهود الجهل والظلام، وظلموا الرجل قبل أن يظلموا المرأة التي حرموها من أبسط حقوقها، وسلبوها حريتها وكرامتها وإرادتها، وأقاموا عليها الحد - ظلما وعدوانا - في الساحات العامة، وسلطوا سيوفهم على رقاب الشعب المسحوق.
إن هذه الجماعات التكفيرية الضالة، التي تدعي انتماءها إلى الإسلام والإسلام منها براء، تسللت إلى العراق الجريح في ليلة ظلماء وتحالفت مع الشيطان، لتنتهز الفرص وتمارس بغيها وعدوانها في قتـل الأبـرياء عـبر سياراتها المفـخخة والتي كثيرا ما تستهدف المدنيين ورجال الشرطة والجيش العراقيين، واغتيال كبار الشخصيات من الرجال والنساء، والعلماء ورجال الدين الأفاضل، ظنا منها بأنها ستستطيع الحصول على موطئ قدم للتسلل وبسط نفوذها ونشر أفكارها الهدامة بين بعض الفئات في العراق، ما يهيئ لها النفاذ إلى أروقة السلطة شيئا فشيئا حتى تنفّذ ما كانت تخطط له وتحيكه في الظلام من مؤامرات، متحالفة مع قوى الشر والجهل والظلام.
ونحن طبعاً نفرق بين تلك الجماعات الإرهابية الحاقدة والضالة، وبين رجال المقاومة الأشاوس الذين يحاربون المستعمر الغاصب ويتجنبون التعرض للمدنيين، لكون المقاومة حقا مشروعا تقره كل المواثيق والقوانين الدولية، والهدف من المقاومة المشروعة هو الضغط على المحتل الغاصب ليرحل عن أرض الرافدين، لتنعم بالحرية والاستقلال وبالعزة والكرامة، ولتبقى خيرات وثروات العراق ينعم بها أهلها من دون سواهم، في ظل الديمقراطية والعدالة والمساواة بين أبناء العراق كافة بمختلف طبقاتهم وفئاتهم وانتماءاتهم الفكرية والعقائدية والعرقية والإثنية.
وفي الجانب الآخر لا يمكن أن نبرئ قوات الاحتلال للعراق، من دم آلاف الضحايا الذين سقـطوا نـتـيجة العدوان الأمـيركي، وما ارتكبته تلك القوات المحتلة من جرائم نكراء بحقهم، منذ العام 1991م وحتى الآن، وكذلك نحمل الاحتلال الأميركي كامل المسئولية عن كل ما يجري في العراق من فوضى وانفلات أمني، وتعرض المواطنين الأبرياء والشخصيات والرموز للهجمات بالسيارات المفخخة وسقوطهم قتلى وجرحى، وإثارة الرعب والخوف وعدم الاستقرار، لكونهم فشلوا فشلا ذريعا في حماية هؤلاء الأبرياء، والمعروف أن الاحتلال هو المسئول الأول والأخير عن توفير الحماية لأهل البلد الذي يحتله، ولكن هذا الاحتلال الأميركي الغاشم يتجاهل ويغض الطرف عما تقوم به تلك الجماعات الإرهابية.
وقد يكون هو نفسه من يدبر ويخطط بالتعاون مع الموساد الصهيوني وبعض تلك الفئات الإرهابية في العراق، لشن مثل تلك الهجمات الإرهابية لتعم الفوضى وعدم الأمن والاستقرار، بغرض البقاء لمدة طويلة في العراق، ليواصل تنفيذ ما خطط له من مؤامرات وأهداف عدوانية ومشروعات صهيونية، تستهدف عروبة العراق والنيل من الشعب العراقي، والهيمنة والسيطرة على منابع النفط وخيرات العراق، وتضييق الخناق على دول الجوار ومحاصرتها وتهـديــــدها.
ومما لا شك فيه أن ما تقوم به تلك المجموعات الإرهابية، يصب في صالح الاحتلال الأميركي من جميع النواحي، وهي بدورها تقدم خدمات جليلة إلى المستعمر الغاصب، الذي يمنح قوات الاحتلال الحق في فرض سيطرتها وبقائها تحت ستار حماية العراق ومحاربة الإرهاب، ويكون وجودها مشروعاً بطلب من الحكومة العراقية، ليتسنى لها بناء قواعدها العسكرية في أرجاء العراق، مع إفساح المجال للتغلغل الصهيوني فيه، وتوسيع رقعة الخطر المحدق بالعراق ودول الجوار، وإقامة التحالف الصهيو - أميركي وإعادة رسم خريطة المنطقة واستعمارها من جديد، تحت مفاهيم ومشروعات وأساليب جـديـدة، فهل يعي هؤلاء الجهلة والقتلة الدرس، فيكفوا عن حماقاتهم ويتركوا العراق لأهلها ويرحلوا بلا رجعة؟ ألا يكفيهم كل ما فعـلوه في العراق من دمار وخراب وما ارتكبوه من جرائم نكراء وقـتـل واغتيالات وفتك بالأبرياء؟
محمد خليل الحوري
العدد 847 - الخميس 30 ديسمبر 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1425هـ