العدد 2818 - الإثنين 24 مايو 2010م الموافق 10 جمادى الآخرة 1431هـ

مفكّر مغربي مؤثّر يترك إرثاً عالمياً

سونيا هيجاسي - كاتبة مستقلة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند» 

24 مايو 2010

«المنطق نور ضروري بالتأكيد ليضيء الظلمات، ولكنه يمكن أن يكون كذلك مفيداً في وضح النهار» (محمد عابد الجابري 27 ديسمبر/ كانون الأول 1935 - 3 مايو/ أيار 2010).

كان محمد عابد الجابري، الذي ولد في فجيج بالمغرب يوم 27 ديسمبر 1935 وتوفي في 3 مايو 2010، دون شك واحداً من أهم المنظّرين الاجتماعيين في العالم العربي. وقد نتج عن رسالته حول ابن خلدون، رائد علم الاجتماع الحديث في القرن الرابع عشر في شمال إفريقيا، حصوله على أول شهادة دكتوراه من جامعة محمد الخامس في الرباط بعد الاستقلال المغربي. وشكّلت تلك الرسالة أول أعماله التي بلغت 30 عملاً فكرياً.

كان الجابري فيلسوفاً ناقداً ومناصراً للسياسة الاجتماعية اليسارية. وكان ملتزماً دائماً بالتعليم، كأستاذ في البداية ثم كمفتش مدرسي ثم مؤلف كتب مدرسية وأستاذ جامعي ومستشار راعٍ.

رأى الجابري نفسه، نتيجة لتاريخ من الحركات المسلمة غير المتطرفة، في تيار تقليد فيلسوف القرن الثامن عشر الألماني إيمانويل كانط من حيث أنه ناشد قُرّاءه الإصرار على حقوقهم في تعريف العالم على أسس ملاحظاتهم الخاصة، وليس على أساس سلطات محددة سلفاً أو تقليدية أو قديمة بالية.

ولكنه كان في أفضل الحالات «مفكراً عاماً». قام في العام 1990 بنشر «حوار شرقي غربي» شمال إفريقي، كنوع من الجدل والجدل المضاد مع الفيلسوف المصري والأستاذ بجامعة القاهرة حسن حنفي. ظهر عمله الرئيسي «نقد العقلية العربية» في أربعة أجزاء في بيروت والمغرب بين العام 1984 و2001، وأدى إلى جدل خلافي نشط. حاول الكتاب التعامل مع المشاكل المتعلقة بِـ «كيف نقرأ ونعيد قراءة الكتابات العربية الإسلامية دون أن نجعل الحقائق مقدّسة».

يستمر عنصران رئيسيان، برأي الجابري، في تاريخ الفكر السياسي يشكلان تأثيراً في العالم العربي، وهما مسئولان عن تخلّفه المستمر: الأول أن التقليد بدلاً من الفكر الناقد أصبح الشكل الرئيسي للوعي، والثاني أن الحكّام ليسوا أحياناً دكتاتوريين وحدهم وإنما نتيجة لمشورة من حولهم، الذين يعتبرون أيضاً مسئولين عن النجاح أو الفشل.

وحتى يتسنى مجابهة هذه التأثيرات، أراد الجابري أن يعمل على تقوية التقاليد العقلانية الفكرية في الفكر الإسلامي، مستخدماً كتابات الفيلسوف الإغريقي من القرن الرابع قبل الميلاد، أرسطو طاليس والفيلسوف المسلم والعالم الديني من القرن الثاني عشر ابن رشد كمراجعه المُلهِمة.

ومثله مثل العديد من المفكرين المعاصرين في العالم العربي، لم يكن الجابري معروفاً في ألمانيا حتى تعرّف الفيلسوف والناشر ريجنالد غرونبيرغ على أعماله العام 1995. ويخطط غرونبيرغ لنشر جميع أعمال الجابري الرئيسية باللغة الفرنسية في دار بيرلن فيرلاغ للنشر الخاصة به.

ويعتبر هجوم الجابري على السلطة التقليدية متفجراً من الناحية الاجتماعية، مثل أعمال المفكر المصري وناشط حقوق الإنسان فرج فودة، الذي قتل على أيدي عضوين من مجموعة إسلامية سياسية متطرفة العام 1992، أو أعمال المفكر السوداني محمود محمد طه الذي أُعدِم شنقاً العام 1985 لمعارضته فرض الشريعة الإسلامية في سبتمبر/ أيلول 1983 لأنها تعمل على فصل المسلمين عن السكان السودانيين من غير المسلمين ذوي الأعداد الكبيرة، الأمر الذي يتعارض مع الوحدة الوطنية.

اعتبر كل من طه وفودة مرتداً من قبل السلطات الدينية في بلد كل منهما، وبالتالي خارج حماية القانون. وكان من مؤشرات الليبرالية الكبرى في المغرب أن الجابري لم يواجِه يوماً تهديدات من هذا النوع. وقد عرض عليه الملك المغربي تكريماً وطنياً ولكنه طالما رفض قبوله.

سأله غرونبيرغ مرة في رسالة نشرت العام 2005 ما إذا كانت وجهات نظره المثيرة والمحرِّضة أدت إلى القمع أو العنف ضده، وقد أجاب الجابري على ذلك: «لم أجد نفسي يوماً هدفاً لأي نوع من العدوان بسبب مواقفي السياسية أو نتيجة لأي من أفكاري التي تعبّر عن موقف أيديولوجي أو ثقافي، عندما أنتقد توجهاً فكرياً أو أرغب بإبعاد نفسي عنه، فأنا أفعل ذلك فقط كمفكّر يرغب بتوضيح موقفه وليس كغريم أو عدو».

بالنسبة لملايين الشباب، عمل الجابري على تسوية الحداثة ورغبتهم في الديمقراطية وتراثهم الثقافي، حسب قول فاطمة المرنيسي، رائدة الحركة النسوية المغربية المعروفة. يقرأ الشباب أعماله بشغف، وقد جرى تعريضهم لتاريخ المسلمين بطريقة شكل فيها المنطق، وصياغة الآراء الفردية عنصراً أساسياً.

كان الجابري عضواً في جيل جيد التثقيف شَهِد أفراده الكفاح من أجل الاستقلال في شمال إفريقيا كشباب صغار، فأكملوا الطريق وقاموا بإقناع تشكيل مجتمعهم في جميع الحالات. كان شعاره: «لتكن لديك الشجاعة لاستخدام ذكائك».

تم نشر مقدمة لعمله باللغة الألمانية من قبل بيرلن فيرلاغ للنشر العام 2009، وتمكنْتُ من إيصال نسخة من ذلك المجلد إلى الجابري في شهر مايو/ أيار الماضي.

كان دونما شك، سيحب رؤية الترجمة الألمانية لكتابه «نقد العقلية العربية». مازالت الترجمة الإنجليزية جارية. نتيجة لذلك فإن واحداً من أهم المفكرين العرب لا يُعرَف عنه سوى القليل في الغرب. إلا أن الكثير من الناس قد يتكلمون عن أهمية الحوار مع العالم العربي.

العدد 2818 - الإثنين 24 مايو 2010م الموافق 10 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً