دعت دراسة بشأن واقع المجتمع المدني في المنطقة العربية، وتناولت في جزئية منها واقع المجتمع المدني في البحرين، إلى شراكة حقيقية بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، إضافة إلى الإعلام بشكله الواسع.
وتأتي الدراسة التي قام بها مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية، في إطار مشروع يتمثل في إعداد دراسات بشأن واقع المجتمع المدني في كل من البحرين ولبنان ومصر والمغرب، في ضوء المبادئ التي نصت عليها وثيقة «الشراكة بين حكومات مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى ودول الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا والمجتمع المدني».
واعتبرت الدراسة في الجزء المتعلق بالبحرين، أن سياسة الحكومة المعلنة هي الشراكة مع منظمات المجتمع والقطاع الخاص كلاً بحسب تخصصه، إلا أن الشراكة الفعلية بين الأطراف الثلاثة ليست متحققة حتى الآن، وأن المطلوب هو تبني الدولة أولاً خيار استراتيجية الشراكة، ثم عقد لقاء وطني يجمع الأطراف الثلاثة لصياغة هذه الاستراتيجية، وتشكيل مجلس وطني للإشراف على تنفيذ هذه الاستراتيجية ممثلاً للأطراف الثلاثة باختيارها.
وانتقدت الدراسة عدم وجود ممثلين عن منظمات المجتمع المدني في صندوق التنمية التابع لوزارة التنمية الاجتماعية، والذي يمكن للجمعيات الأهلية أن تتقدم بمشروعاتها له، وأنه حيثما يكون هناك تمثيل ثلاثي، كما في الضمان الاجتماعي أو هيئة تنظيم سوق العمل، فإن الطرف الأهلي هو الأضعف.
واعتبرت الدراسة كذلك، أن تنفيذ الاستراتيجية الوطنية الشاملة، والوفاء بالالتزامات الدولية، مثل أهداف الألفية الثانية أو الالتزامات بموجب المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان، لا يمكن أن تتحقق إلا بشراكة فعلية بين الأطراف الثلاثة.
وتطرقت الدراسة إلى ما وصفته بـ «لا دستورية بعض البنود القانونية»، إذ أشارت إلى أنه وعلى رغم إقرار السلطة السياسية في الدستور بحق تشكيل النقابات والجمعيات، ناهيك عن إقرارها بعدم المساس بجوهر الحريات والحق، إلى أنها تنتهك هذا الالتزام متى شاءت وبأية وسيلة ارتضت، وهو ما حول الديمقراطية إلى مصطلحات رنانة خاوية من المعنى، ولا تصلح إلا للتسويق على الصعيد الإعلامي في المحافل الدولية.
ولفتت الدراسة إلى أن مؤسسات المجتمع المدني وبعد اطلاعها على مسودة القانون الجديد للجمعيات، اتضح أن واضعها لم يأخذ في اعتباره النصوص الدستورية الكافلة للحريات، بقدر استناده إلى نصوص قانون مكافحة الإرهاب، إذ أوضح مستشار الوزارة أن القانون بني على أسس الحداثة وقانون مكافحة الإرهاب وتجارب الدول المتقدمة.
واعتبرت الدراسة أن نصوص القانون الجديد جاءت مجحفة ومكبلة لحريات مؤسسات المجتمع المدني، وهو ما أثار صدمة لديها وعكس خيبة أمل في التوقعات التي بنتها منظمات المجتمع المدني فيما يتعلق بالعمل بحرية تحت مظلة القانون، وأضحت جميع مؤسسات المجتمع المدني تحت إدارة الوزارة بشكل مباشر وكأنها جزء من القطاع الحكومي، وفقدت بذلك كونها مؤسسات مستقلة ولها شخصيتها الاعتبارية.
وأشارت الدراسة إلى أن عدداً من مواد مسودة قانون الجمعيات، تشترط إخطار الوزارة المعنية بوجود كل المجموعات غير الرسمية والمجموعات التي لا تنال الشخصية القانونية، وإنما تعمل على تحقيق هدف خاص أو تسعى إلى مطلب طارئ، إذ إنه بالإضافة إلى فرض إخطار الوزارة بوجود هذه المجموعات، نص القانون أيضاً على أن تتبع تعليمات الوزارة.
ولفتت إلى أن هذه المواد تعطي الوزارة صلاحية قانونية في التدخل بالشئون الداخلية للمنظمات، بما يخالف العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وأنه من غير المعقول أن تخطر المنظمات ذوات الشخصية الاعتبارية الوزارة عن كل لجنة تتشكل بغرض تحقيق هدف من أهداف المنظمة، والتي وافقت عليه الوزارة لقبول تأسيسها.
إذ أشارت إلى أن نصوص المادة تحرم «اللجان الأهلية المؤقتة» أو «مجموعات الاهتمام الخاص»، والتي ليست لها شخصية قانونية من أن تتشكل لهدف تحقيق مطلب اجتماعي طارئ أو تحقيق هدف خاص.
وفيما يتعلق بالتمويل، أوضحت الدراسة أن القانون يشترط الموافقة المسبقة قبل القيام بأي تصرف مالي، مثل الحصول على تمويل أو فتح حساب مصرفي، ناهيك عن أنه لا يجيز للمنظمات الحصول على أموال من جهة أجنبية خارج البحري، ولا أن ترسل شيئاً إلى أشخاص أو منظمات خارجية إلا بإذن كتابي من الوزارة.
وجاء في الدراسة أن «جمع التبرعات أمر مهم لأية منظمة مدنية، إذ تعتمد بشكل كبير على تمويل أنشطتها على هذه التبرعات، وخصوصاً بالنسبة للبحرين التي مازال فيها الأفراد والشركات غير واعين لأهمية التبرع لهذه المنظمات ودعمها، ما يوقع أغلبها في ضائقة مالية لا يمكن حلها إلا عن طريق جمع التبرعات من خلال الأنشطة الخيرية وحملات جمع التبرعات واليانصيب».
وأضافت الدراسة «تحتج الدولة بوضع قوانين تقيد التمويل بمحاربة تمويل منظمات إرهابية أو محاربة الاحتيال، ولكن الدولة تستطيع تطبيق القوانين الخاصة بالاحتيال العام بحسب قانون العقوبات في البحرين على الأفراد والجمعيات في حال تبين وجود احتيال في عملية جمع التبرعات».
وبشأن «الإغلاق الإداري» للجمعيات، أوضحت الدراسة أن القانون يعطي الوزير المختص الحق في غلق أية منظمة إدارياً لمدة تزيد على 60 يوماً، من دون إعطاء مبررات أو إذن قضائي مسبق، مشيرة إلى أن النص يعطي الوزير السلطة المطلقة بحل المنظمات من دون سبب وبالاستعانة بوزارة الداخلية، وكأن المنظمات المدنية منظمات إرهابية تحتاج إلى أقصى درجة من الردع.
وأشارت الدراسة إلى أنه على رغم ما يقال من قبل حكومة البحرين، وعلى رغم كل الاتفاقيات والعهود الدولية التي صادقت عليها، إلا أن حرية النقابات والجمعيات والأحزاب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان، منتهكة ومقيدة، نبدأ من القيود على التسجيل إلى الرقابة على التمويل، إلى تقييد علاقاتها والتدخل في شئونها الداخلية إلى حد تعيين مجالس إدارتها أو حلها.
وجاء في الدراسة أن «تدخل الحكومة من خلال فرض قوانين، تعوق دور وعمل المنظمات بالشكل الذي يتفق مع تعهدات البحرين والتزاماتها الدولية، والتي تضعها الآن في موقف محرج تجاه المجتمع الدولي، إذ إنها وعلى رغم سماحها بقيام نقابات عمالية، إلا أنها تحارب وتمنع قيام أية نقابة في القطاع العام، وتحاكم أعضاء هذه النقابات يصل لحد الفصل من العمل».
وطالبت الدراسة حكومة البحرين بتغيير قانون الجمعيات الأهلية ليتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي التزمت بها، وكفالة كل الحقوق التي تستبعها حرية الجمعيات والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً كالحق بالإضراب وبحرية التجمع.
كما أشار التقرير إلى أن من بين الالتزامات الخاصة بالحكومات «تشجيع المشاركة الشعبية في الحياة العامة المواطنية الإيجابية»، وهو ما يقتضي التوقف عند مسألة التمييز الطائفي ومخاطره وتداعياته على عملية الإصلاح في الحالة البحرينية.
وفي الباب المتعلق بـ «تقييم أداء منظمات المجتمع المدني» أشارت الدراسة إلى أن قيادة الجمعيات الأهلية مثلت إغراءً لدى البعض من أجل البروز في المجتمع وتسليط الأضواء والتأهل للترشيح في الانتخابات النيابية أو البلدية، ناهيك عن أن قيادة بعض الجمعيات تتيح للبعض البروز على المسرح الدولي بغض النظر عن فاعليته ودوره الوطني.
واعتبرت الدراسة أن أخطر ظاهرة تشهدها الجمعيات الأهلية، هو تعرض البعض منها للاستقطاب الطائفي الذي اخترق الحياة السياسية والمجتمعية، وأنه بدلاً من أن تساهم في تعزيز اللحمة الوطنية، وتعزيز المواطنة، أضحت عاملاً لإضعاف الهوية الوطنية وتعزيز الانتماءات الفرعية.
وارتأت الدراسة أن أبرز السلبيات التي رافقت تشكيل الجمعيات الأهلية، تتمثل في التزاحم بين الجمعيات الأهلية في ذات التخصص، ومن بينها على سبيل المثال وجود خمس جمعيات حقوقية تقوم بمهمات مماثلة، في حين أن الوضع الطبيعي أن يكون هناك تخصص فيما بين هذه الجمعيات، إضافة إلى التزاحم بين الجمعيات المتماثلة في الحيز الجغرافي ذاته، ومن بينها الجمعيات الخيرية، والسبب في ذلك الانحيازات الطائفية لهذه الجمعيات.
كما اعتبرت أن من بين السلبيات، أن غالبية الجمعيات الشبابية هي امتداد للجمعيات السياسية، وهي تقوم بنشاطات متماثلة وهي تتنافس فيما بينها على الفئة العمرية ذاتها.
وتمحورت وثيقة الشراكة في مجملها بشأن المطالبة بتحسين ظروف عمل المنظمات غير القانونية وخلق بيئة قانونية مساعدة لها، وكشفت الدراسات المحلية التي تم إنجازها في ضوء الوثيقة عن أهمية البعد المحلي في فهم أوضاع الجمعيات، باعتبار أن الخصوصيات تلعب دوراً مهماً في العالم العربي، وهو الذي جعل بعض علماء الاجتماع الغرب يفضلون الحديث عن مجتمعات مدنية عربية وليس عن مجتمع مدني عربي واحد، وذلك نظراً لاتساع الفوارق بين دولة عربية وأخرى.
كما لفتت الدراسات إلى أن التنوع في أوضاع المجتمعات العربية واختلاف أنساقها الاجتماعية وسياقاتها التاريخية والسياسية لا يمنع القول بوجود قواسم مشتركة بينها، وأن الطبيعة الاحتكارية للدولة تعتبر من أهم هذه القواسم، إذ تلعب الدولة في العالم العربي دوراً محورياً في تنظيم شئون المجتمع يصل إلى درجة الاحتكار والوصاية والتدخل في كل جزئيات حياة الأفراد، وهو ما جعل مبدأ استقلالية منظمات المجتمع المدني، والقبول بدورها الرقابي أو الاحتجاجي أحياناً محل نزاع مستمر بينها وبين حكومات المنطقة.
وكشفت الدراسات عن لجوء أغلب حكومات المنطقة إلى آليات التشريع لإحكام سيطرتها على منظمات المجتمع المدني، بدءاً من تعقيد إجراءات التأسيس، ومروراً بمحاولات التحكم في تسييرها وتمويلها والتدخل في شئونها بطرق عدة، وصولاً لمحاصرتها إدارياً، وتمكين السلطة التنفيذية من صلاحيات حلها، أو إحالة مسئوليها إلى المحاكم، والتهديد بسجنهم. إلا أن الدراسات عادت لتؤكد أن كل هذه العوائق لم تحل من دون استمرار التوسع الكمي، وحتى الكيفي للمنظمات غير الحكومية التي تحولت إلى ظاهرة اجتماعية وسياسية لافتة للنظر في المجتمعات العربية، بعد أن قارب عدد الجمعيات الـ 300 ألف جمعية، وأنه على رغم أن الكثير من هذه الجمعيات تابعة للحكومات أو خاضعة لها عبر روابط عديدة ومتداخلة، إلا أن المجتمع الدولي أصبح يلح أكثر من أي وقت مضى على دور هذه الجمعيات، ويطالب بضرورة حمايتها ودعمها والشراكة معها.
العدد 2828 - الخميس 03 يونيو 2010م الموافق 20 جمادى الآخرة 1431هـ