اجتمع الأميركيون في الرابع من يوليو/ تموز هذا العام في حفلات الشواء وشاهدوا عروض الألعاب النارية، وتذكّروا الرجال الذين اجتمعوا في فيلادلفيا لتوقيع إعلان الاستقلال العام 1776. تُشكِّل الاحتفالات بالنسبة للكثيرين تذكيراً بقيمة الحرية، وبدولة أقامها الشعب في معارضة مباشرة للمَلَكية والطغيان. إلا أنه من السهل أحياناً أن ننسى أن مؤسسي أميركا كانوا مهتمين أيضاً بنوع آخر من الحرية: حرية العبادة.
كانت الحرية الدينية بالنسبة للآباء المؤسسين تكمن في جوهر كون الإنسان أميركياً. كتب جورج واشنطن، أول رئيس أميركي، أن أميركا مفتوحة لاستقبال «المظلومين والمضطهدين من جميع الشعوب والديانات»، بمن فيهم المسيحيين واليهود والمسلمين. إلا أنه عبر التاريخ، فشلت أميركا أحياناً في تحقيق هذا المفهوم المثالي، وخصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
شَهدْتُ ذلك بشكل مباشرة عندما سافرْت كعضو في فريق بحوث ترأسه أكبر أحمد من الجامعة الأميركية إلى 75 مدينة أميركية ومئة مسجد لإنجاز الكتاب الجديد «رحلة عبر أميركا: تحدّي الإسلام»، الذي يبحث في كيفية انخراط المسلمين الأميركيين في المجتمع الأميركي، ويناقش بالتالي موضوع الهوية الأميركية. قابلنا مواطنين أميركيين مسلمين وضعوا في السجن نتيجة اشتباه بأنهم يخططون لنشاطات إرهابية أو يشاركون بها، دون محاكمة وفي ظروف غير إنسانية. وقابلنا آخرين أُلقيَت قنابل حارقة على مساجدهم، وآخرين تعرضوا لهجمات ومضايقات من قبل أعضاء في مجتمعاتهم المحلية.
لا يحتاج المرء لأكثر من أن يدير جهاز التلفزيون ليرى كيف يمتلئ الإعلام بمعلّقين يسخرون ويهزأون من القرآن الكريم والنبي (ص). وقد وصل الأمر لدرجة أن بعض الأميركيين أخبروني أن المسلمين لا يمكن أن يكونوا أميركيين.
يتوجب على هؤلاء الأميركيين قراءة كلمات آبائنا المؤسسين. أظهر هؤلاء العلماء ورجال الدولة العظام احتراماً هائلاً للإسلام، وخرجوا عن طريقهم للترحيب بالمسلمين. وصف جون آدامز، ثاني رئيس أميركي النبي محمد (ص) بأنه واحد من أعظم الرجال الذين سعوا للوصول إلى الحقيقة، مثل سقراط وكونفوشيوس. تعلّم توماس جيفرسون، ثالث رئيس أميركي والمؤلف الذي صاغ كلمات إعلان الاستقلال، اللغة العربية مستخدماً نسخته من القرآن الكريم، وقد استضاف أول مأدبة إفطار رئاسية. كذلك استخدم الآباء المؤسسون مبادئ الحضارات الإسلامية، ضمن غيرها في تشكيل الأنظمة السياسية والقضائية الأميركية.
لعل أكثر الكتابات الملفتة للنظر عن الإسلام والتي كتبها الآباء المؤسسون هي تلك التي جاءت من بنجامين فرانكلين الفيلسوف والعالِم الأميركي العظيم. عبّر فرانكلين عن احترامه للإسلام وإيمانه العميق بالحرية الدينية عندما كتب عن رغبته رؤية مفتي اسطنبول يبشّر بالإسلام من منبر في فيلادلفيا. إلا أنه واجه تحدياً من مواطنيه لإقناعهم بأن يكونوا بنفس هذا القدر من التسامح.
في ديسمبر/ كانون الأول 1763 قامت مجموعة قوامها خمسون من المستكشفين الأوائل من بنسلفانيا، والذين أرادوا وقف هجمات السكان الأميركيين الأصليين على منازلهم، ونتيجة لشعورهم بالإحباط لعدم اتخاذ الحكومة إجراءات ضد القبائل العدائية، قاموا بتعذيب وتشويه وقتل مجموعة مسالمة من السكان الأميركيين الأصليين المسيحيين بأسلوب رهيب مثير للاشمئزاز. وقد كتب بنجامين فرانكلين قائلاً إن هؤلاء المستكشفين الذين يُفترض أنهم مسيحيون كانوا أكثر بربرية من هؤلاء الذين ادّعوا أنهم أعلى مرتبة منهم.
كما أكّد فرانكلين أن الأميركيين الأصليين كانوا في وضع أكثر أمناً لو أنهم كانوا يعيشون في بلد مسلم، حيث إن الإسلام يتعامل بإنسانية حتى مع الأسرى، أكثر مما أظهره هؤلاء الرجال تجاه أناس أحرار. وقد امتدح فرانكلين شعور الرحمة الذي يتمتع به النبي محمد (ص) قائلاً إن النبي امتدح إنسانية الجنود الذين عاملوا أسراهم بالحُسنى. كما تحدث فرانكلين كذلك عن إعجابه بالسلطان صلاح الدين في القرن الثاني عشر، كحاكم أظهر العدالة والرحمة.
تملك نظرة الآباء المؤسسين، في بلد تعاني فيه المشاعر ضد المسلمين من عدم الاستقرار أهمية كبيرة. وفي أوقات من التوتر السائد بين بعض الناس في الولايات المتحدة والعالم المسلم، يستطيع كل من المسلمين وغير المسلمين الاستفادة إذا ما هم أخذوا بعين الاعتبار كلاً من المثل الأميركية للآباء المؤسسين والمثل الإسلامية التي كانوا يحترمونها بعمق.
وقد تعرضت هذه المثل المتكاملة مع بعضها البعض للتحدّي حتى العمق في مواجهات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. لذا، وبينما نعود إلى روتين الحياة بعد احتفالات الرابع من يوليو، آمل أن نأخذ الوقت لنستذكر أميركا الحقيقية كما تخيلها هؤلاء الرجال العظماء العام 1776، وأن نعمل على جعلها حقيقة، فلا يتوقع الآباء المؤسسون منا أقلّ من ذلك
العدد 2865 - السبت 10 يوليو 2010م الموافق 27 رجب 1431هـ
نأمل ذلك
نأمل ذلك