تحمل إحدى الشركات المسجلة في السجل التجاري لولاية مساشوسيتس اسم شركة خدمات النقل الخاصة والمملوكة لوكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي ايه". قوام الشركة طائرة نفاثة من طراز جلف ستريم "في" تعمل في مهمات خاصة، بل خاصة جدا.
وأصبح "البساط الطائر" التابع لـ "سي آي ايه" يلفت أنظار هواة جمع صور وموديلات الطائرات. وشوهدت هذه الطائرة خلال الأشهر الماضية في عدد من المطارات في فرانكفورت وغلاسكو ولارنكا، لكن الطائرة التي تحمل الرقم خ973ذ تشاهد على الأكثر في إسلام آباد وكراتشي وفي مطارات عدد من الدول العربية. وتجوب طائرة جلف ستريم مطارات الرياض ودبي والكويت والرباط مثل البساط الطائر، كما تجوب المطار العسكري في العاصمة الأردنية عمان. وتشاهد باستمرار أيضا في وسط آسيا، في باكو وطشقند لكنها تشاهد على الأكثر وهي تهبط وتحط باستمرار في مطار دولي بواشنطن، ما يثير الاعتقاد بأن مركزها الدائم هو في العاصمة الأميركية. هذه الطائرة لا تتحرك للقيام بمهماتها إلا بأمر من قيادة "سي آي ايه" في لانغلي المتاخمة لواشنطن. ما سر هذه الطائرة وما المهمات التي تقوم بها؟ لأول مرة كشفت صحيفة "واشنطن بوست" النقاب عن سر البساط الطائر التابع للسي آي إيه وعن تعاون عدد من الدول العربية مع وكالة الاستخبارات الأميركية فيما يسمى الحرب المناهضة للإرهاب. وتعمل هذه الطائرة في نقل المتهمين بالإرهاب من أنحاء العالم. وقد قامت خلال الأشهر الماضية بنقل متهمين بالانتماء لتنظيم "القاعدة" والطالبان، إذ جرى نقل هؤلاء الأشخاص الذين تسميهم الولايات المتحدة "مقاتلون أعداء" إلى معسكر غوانتنامو في جزيرة كوبا الذي يخضع لسيطرة الولايات المتحدة. كما نقلت عدد منهم إلى مراكز للتحقيق خارج الولايات المتحدة، على سبيل المثال في مصر والمغرب والسعودية كما حطت في سورية على رغم التوتر الدائم في العلاقات بين دمشق وواشنطن. وتتهم منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان في أوروبا والولايات المتحدة هذه الأعمال بأنها قرصنة من الطراز الأول كما تقول إنها تتنافى تماما مع حقوق الإنسان.
وتقول هذه المنظمات إن الولايات المتحدة تنتقد مجموعة من الدول العربية لانتهاكها حقوق الإنسان وتطالبها بأن تتصدر رعاية حقوق الإنسان قائمة الإصلاحات المنشودة. لكن الإدارة الأميركية تقوم عبر الباب الخلفي بتشجيع عدد من الدول العربية على مواصلة انتهاك حقوق الإنسان والتعاون معها في ذلك حين تنقل إليها متهمين بالإرهاب للتحقيق معهم في هذه البلدان على رغم أنها تعرف أن المتهمين سيتعرضون للتعذيب. ويعتبر عدد من المراقبين أن الولايات المتحدة تستخدم هذا الأسلوب منذ زمن بعيد كي تبعد عن نفسها تهمة تعذيب المتهمين بالإرهاب. لكن معلومات وثيقة قالت إن محققين أميركيين يشاركون في عمليات الاستجواب. وتشير منظمة العالم لحقوق الإنسان الأميركية إلى أنها تكافح منذ وقت لهدف وقف عمليات نقل المتهمين إلى بلدان تتهمها المنظمة بانتهاك حقوق الإنسان. وتقول المنظمة إن الولايات المتحدة تدرك جيدا أن المتهمين سيتعرضون للتعذيب خلال استجوابهم، وأن واشنطن تغض النظر عن ذلك. وقال مورتون سكلار، وهو داعية أميركي لحقوق الإنسان، إن الولايات المتحدة تدعم بوضوح مجموعة الدول التي تنتهك الاتفاق الدولي المناهض للتعذيب.
وكان الصحافي الباكستاني مسعود أنور أول من كشف عن سر طائرة "سي آي ايه" جلف ستريم وممارساتها المريبة. ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2001 تحدث هذا الصحافي لأول مرة عن نقل طالب يمني أجبر على صعود الطائرة في مطار كراتشي من قبل مجموعة من الرجال بينهم جنود أميركيون أخفوا وجوههم بأقنعة. وجاء في تقرير أنور أن الولايات المتحدة كانت تعتقد أن الطالب اليمني شارك بصورة أو بأخرى في الهجوم الذي وقع في ميناء عدن على السفينة الحربية الأميركية "كول".
وتحدثت مجلة تلفزيونية سويدية تحمل اسم Kalla Fakta أي "الحقائق الباردة" عن حال قرصنة مماثلة. هذه المرة قامت "جلف ستريم" بعملية خطف في مطار بروما في استوكهولم. وأشارت إلى أنه تم إجبار مواطنين مصريين يقيمان في السويد حيث طلبا حق اللجوء السياسي على أراضيها، على صعود الطائرة بعد تقييد أيديهما وأرجلهما. وقالت المجلة إن منظمات سويدية مهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان ترغب في معرفة سبب نقلهما إلى مصر بهذه الطريقة المريبة. لكن ليس من المنتظر أن تفلح هذه المنظمات في التوصل لمعرفة مصير المواطنين المصريين، ففي الغالب تختفي آثار الأشخاص الذين يستقلون هذه الطائرة ضد إرادتهم. وقال الموظف السابق في "سي آي ايه" بوب بير: "حين يريد الأميركيون استنطاق شخص بصورة جدية فإنهم يحملونه إلى الأردن. وإذا رغبوا في تعرضه للتعذيب فإنهم يسلمونه للسوريين. وإذا أرادوا أن يختفي أثره فإنهم يتركونه للمصريين. ويعتقد أن أثر شخص يدعى محمد مدني اختفى في مصر كما يقول تقرير نشرته خدمة "شبيغل أونلاين" يوم الجمعة قبل الماضي، فقد نقل عنوة على متن "جلف ستريم" من إندونيسيا إلى مصر، إذ قيل إنه كان على صلة بالمدعو ريتشارد سي رايد البريطاني الذي أوقف بمطار باريس، وكان يحاول سحب عود ثقاب من حذائه بعد صعوده طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة. وهذه هي أول مرة تنجح فيها صحيفة أميركية بالكشف عن سر شركة مريبة تابعة لـ "سي آي ايه" تعبر عن سر من أسرار عالم الاستخبارات الغامض الذي لا يمتثل للقوانين المحلية أو الدولية. كما يكشف السر عن تعاون وثيق بين "سي آي ايه" وعدد من الدول العربية. غير أن كشف سر البساط الطائر الخاص بالـ "سي آي ايه" لن يدفع أصحاب الشركة المريبة بوقف نشاطاتهم. فقد تم تغيير اسمها بعد افتضاح أمر الشركة السابقة. وتشرف شركة بايارد للتسويق في بورتلاند بولاية أورغون على تنقلات الطائرة جلف ستريم العابرة للقارات والتي تستطيع الطيران مسافة 10,900 دون توقف. ويملك الشركة اليوم مدير واحد لا يظهر اسمه في السجل التجاري ولا رقم هاتف ولا عنوان. كما يتعين على هواة مراقبة الطائرات التعرف من جديد على جلف ستريم بعد أن تم تغيير رقم الطائرة بعد افتضاح سر المهمات التي تقوم بها
العدد 854 - الخميس 06 يناير 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1425هـ