"المرأة في دول الخليج العربي تحرم من حقها في الاستقلالية في اختيار زوجها، والسلطات تتقاعس عن حمايتها من العنف الذي تتعرض له، الشرطة تزعم أن هدفها حماية الأسرة من التفكك، في الوقت نفسه الذي تترك فيه الزوج يمارس العنف على زوجته مكتفية بإقرار بعدم تكرار الضرب".
هذه هي ملامح الحوار الذي أجرته "الوسط" مع مستشارة مشروع مناهضة العنف والتمييز ضد المرأة في دول مجلس التعاون الخليجي، في منظمة العفو الدولية دينا المأمون، خلال مؤتمر "مناهضة العنف والتمييز ضد المرأة في القوانين والممارسة في دول مجلس التعاون الخليجي" الذي نظمته منظمة العفو الدولية بالتعاون مع المجلس الأعلى للمرأة حديثا في البحرين، لتتحدث عن العنف والتمييز ضد المرأة في هذه الدول، وتعلن: "على رغم عدم وجود إحصاءات كافية نجزم بشيوع ظاهرة العنف ضد المرأة في الخليج".
لماذا اختيرت دول مجلس التعاون لدراسة ظاهرة العنف؟
- نحن لم نختر التمييز والعنف لاعتباره ظاهرة، ولكننا فريق عمل أردنا دراسة وضع المرأة في دول مجلس التعاون الخليجي، حاولنا دراسة العنف، فاتضح لنا أن التمييز أحد الأسباب التي تعزز العنف.
إحصاءات متضاربة
ما المعوقات التي واجهتموها خلال الدراسة؟
- أهم المعوقات كانت التوثيق، فلا توجد إحصاءات خاصة بالعنف أو بالتمييز، فالإحصاءات متضاربة، ولا توجد بها أية تفاصيل، حاولنا التعرف على حجم مشاركة المرأة في القوى العاملة، لم نستطع الحصول على إحصاءات تؤكد ذلك، فإذا اعتمدنا أفضل الإحصاءات نجد أن مشاركة المرأة في القوى العاملة متدنية، وهذا ما يؤثر على استقلاليتها الاقتصادية، ربما هذا لا يعني أن المرأة المستقلة اقتصاديا لا تتعرض للعنف، ولكن النساء اللاتي يعانين من أوضاع اقتصادية ضعيفة هن الأسوء.
ما تعريفكم المحدد للعنف؟
- عندما نظرنا إلى العنف كانت النظرة محددة بالتعريف الدولي للعنف، ولكننا هنا نتحدث عن العنف الزوجي أو المنزلي الذي يشمل عنف الأب أو الأخ، وهو عنف لا يقتصر على الضرب، ولكنه يتجاوز إلى الحبس، فقد يحبس المرء زوجته، هذا الحبس يعني أنها لا تقوى على التخلص من العنف، وفي هذا الحال يكون الحبس والآثار النفسية المترتبة عليه نوعا من أنواع العنف، ولكن معظم القضايا التي مرت علينا هي قضايا ضرب، وحبس.
تخاذل وتقاعس
هل هناك تعاون من قبل السلطات المختصة في التعامل مع العنف الذي تتعرض له المرأة؟
- بل يؤسفني أن أقول إن هناك تخاذلا من قبل السلطات، فالشرطة في بلدان الخليج تتقاعس في تطبيق القانون، وعندما سألنا الشرطة عن أسباب هذا التقاعس، أجابوا: "إن هدفهم حماية الأسرة من التفكك"، ولكننا لاحظنا أن المرأة ستعاني من تكرار التعرض للعنف، ويصل الأمر إلى الطلاق، إذن فالشرطة في هذا الحال لم تحم الأسرة من التفكك.
وماذا عن الحالات التي أحيلت إليكم؟
- قالت بعض النساء لمنظمة العفو الدولية: ""ن" أزواجهن فرضوا قيودا على تنقلاتهن بعدم السماح لهن بزيارة عائلاتهن، أو السماح لهن بمغادرة المنزل في أوقات محددة، وقالت إحدى النساء لمنظمة العفو الدولية إن زوجها حبسها في غرفة طوال أشهر عدة، وتتقاعس السلطات في دول مجلس التعاون الخليجي عادة عن اتخاذ أي إجراء فيما يتعلق بالعنف المنزلي، وغالبا ما تفضل الشرطة التعامل مع العنف الزوجي عبر الوساطة والمصالحة".
لا تحقيق
ماذا يحدث عندما تتصل النساء بالشرطة؟
- عندما تتصل النساء بالشرطة لكي يشتكين من تعرضهن للضرب على أيدي أزواجهن، تجلب الشرطة عادة الزوج إلى مركز الشرطة لاستجوابه، وفي غالبية الأحيان تحذره الشرطة من أنه إذا ضرب زوجته مرة أخرى، فستتخذ إجراءات ضده، ثم تطلب منه ألا يكرر ذلك، ويقوم الزوج بتوقيع إقرار بأنه لن يضرب زوجته مجددا، وغالبا لا تجري الشرطة مزيدا من التحقيق في القضية، لكنها تحاول عوضا عن ذلك إقناع الزوجة بوجوب العودة إلى المنزل، وليس واضحا ما إذا كانت الشرطة تحتفظ بسجلات لمثل هذا العنف أم لا.
الحرمان
وهل لدول مجلس التعاون خصوصية في هذه الظاهرة؟
- تواجه كثيرات من النساء في العالم العنف على أيدي شركائهن في الزواج، ولكن في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن البيئة الاجتماعية والتمييز يعرض النساء لخطر الحرمان من استقلالية اتخاذ القرار فيما يتعلق باختيار أزواجهن، ويعرقل هذا الحرمان النساء من تمتعهن بحقوقهن الإنسانية الأساسية المحددة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بما فيه حقهن في الأمن الشخصي وعدم التعرض للعنف والمعاملة القاسية واللاإنسانية، والحق في حرية التنقل، ويترتب على الدول واجب حماية جميع الأشخاص الخاضعين لولايتها القضائية من الانتهاكات لهذه الحقوق على أيدي أفراد يتصرفون بصفتهم الخاصة.
شيوع الظاهرة
وماذا عن أهم أسباب ممارسة الرجل العنف ضد المرأة؟
- أهم هذه الأسباب هي الدونية الاجتماعية، فالرجل إذا استضعف المرأة أهانها وضربها، ولكن المرأة القوية المستقلة بذاتها من الناحية الاقتصادية هي الأقل تعرضا للعنف، ونستطيع أن نؤكد أنه على رغم عدم وجود إحصاءات كافية لتبرهن لنا على حجم هذه الظاهرة، فإننا نستطيع أن نجزم بأن هذه الظاهرة شائعة في الخليج.
وما الدور الذي يجب أن تقوم به الدولة في هذا الحال؟
- تعلم النساء المعنفات بتقاعس الشرطة، وانه من غير المحتمل أن تقدم الشرطة أكثر من تحذير إلى أزواجهن ثم تشجعهن على العودة إلى بيت الزوجية، وهنا لابد أن يكون للدولة واجب في صيانة حكم القانون، فالقانون يملي على الشرطة اتخاذ جميع الإجراءات تكفل حماية الضحية عندما تتلقى شكاوى عن أي شكل من أشكال الاعتداء، ومن ضمنها حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي والممارس في العائلة، وأن تقدم مرتكبيه إلى العدالة إذا اقتضى الأمر.
واجب الدولة
وتضيف "قالت السلطات في دول مجلس التعاون الخليجي لمنظمة العفو الدولية إن مثل هذا التصرف من قبل الشرطة يهدف إلى حماية العائلات من التفكك، ولكن ليس في أي من القوانين في دول المجلس ما يلزم الشرطة بإحالة قضايا الاعتداء إلى الوساطة بدل المقاضاة، بل على العكس إذا إن واجب الدولة توخي الدأب في مسئوليتها يقتضي أن تجري الشرطة تحقيقات في حالات العنف ضد المرأة بموجب القانون الجنائي المتعلق بالاعتداء، لكن ما يلاحظ هو أنه حتى عندما تقدم النساء أدلة مادية على العنف غالبا ما تبدي الشرطة عدم رغبتها في اتخاذ التدابير المناسبة لحمايتهن، وبالتالي تعرضهن لاحتمال ممارسة مزيد من العنف ضدهن حالما يرجعن إلى المنزل".
عائق لحمايتها
وأكدت دينا في ختام المؤتمر أن الهدف من إعداد تقارير عن ظاهرة العنف ضد المرأة في دول الخليج لا يقتصر على إجراء دراسة أو إحصاء لعدد حالات العنف في الدول المذكورة، وإنما إجراء دراسة للخيارات التي يمكن أن تكون سببا أو عائقا يحول دون حماية المرأة من العنف. محملة في الوقت ذاته حكومات الدول مسئولية الحصول على المعلومات والإحصاءات عن الظاهرة، شرط أن تكون مستفيضة وحيادية وأن تكون جزءا من أبحاث ودراسات.
ومن جهة أخرى أكدت الناطق الإعلامي للشراكة المجتمعية فوزية ربيعة "ان في البحرين قضايا عنف وتمييز ضد المرأة، ولكننا لا نملك إحصاءات دقيقة، وهذا ما يجعلنا في الشراكة المجتمعية نحرص في أولى خطوات عملنا على الرصد والتوثيق بالتنسيق مع وزيرة الصحة ندى حفاظ، على اختراق النظام في المستشفيات وفي أقسام الطوارىء والمراكز الصحية، هذا بعد التنسيق مع الوزيرة، لأن قضية العنف ضد المرأة قضية خفية، بحاجة إلى ثقافة توعوية، حتى تعلن أنها معنفة، ثم إذا أعلنت ذلك ليس هناك قانون يحميها عندما تعلن ذلك"
العدد 861 - الخميس 13 يناير 2005م الموافق 02 ذي الحجة 1425هـ