العدد 869 - الجمعة 21 يناير 2005م الموافق 10 ذي الحجة 1425هـ

الشكوك الأوروبية تزعزع مكانة واشنطن المالية والتجارية

عزز قرار منظمة التجارة العالمية الذي يرخص للشركات الأميركية استخدام الأسماء الجغرافية لمنتجاتها مثل "فلوريدا أورانغ واداهو بوتيتو" في الاسواق الاوروبية احتمالات تزايد الخلافات الأميركية الاوروبية بشأن العلامات التجارية في الاسواق الدولية في ضوء تنامي شكوك المؤسسات الاقتصادية الاوروبية تجاه نوايا واشنطن الاقتصادية والتجارية.

وتشكو شركات أوروبية كبرى تستثمر في أسواق المال الاميركية من أن احجام واشنطن عن التدخل لوقف تدهور الدولار وخفض العجز في موازنتها كبدها خسائر باهظة بلغت مليارات الدولارات العام الماضي. ويرى مسئولون أميركيون أن الاوروبيين ينبغي أن ينهوا اجراءات التمييز ضد الشركات الأميركية التي تستخدم اسماء جغرافية لمنتجاتها في الاسواق الاوروبية، وأشار المفوض التجاري الاميركي روبرت زوليك إلى أن قرار منظمة التجارة العالمية يعد انتصارا للمزارعين وشركات الأغذية الاميركية، مشيرا إلى أن القرار يعطي للشركات الأميركية فرصا متساوية مع الشركات الاوروبية لاستخدام العلامات التجارية ذات المدلولات الجغرافية في الاسواق الاوروبية.

وأوضح أن قبول الاوروبيين قرار منظمة التجارة العالمية سيمهد الطريق للكثير من الشركات الاميركية للتقدم بطلبات لتسجيل علامات تجارية تستخدم اسماء جغرافية لمنتجاتها في الاسواق الاوروبية.

ويرى محللون اقتصاديون أميركيون أن الكثير من الولايات الأميركية وخصوصا المنتجة للحاصلات الزراعية والأغذية مثل فلوريدا وتكساس وكاليفورنيا ستستفيد من قرار منظمة التجارة، إذ سيمكنها من طرح منتجات تحمل المنطقة الجغرافية التي أنتجتها، ما سيسهم في رواجها.

ويرى محللون اقتصاديون اميركيون أن الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والتي اتسعت خلال العام 2004 تهدد مصالح الطرفين وتلقي بتداعياتها السلبية على جولات تحرير التجارة.

وأوضح المحلل الاقتصادي الأميركي فيلكس رويتن أن الولايات المتحدة ينبغي عليها أن تعمل على احتواء خلافاتها التجارية مع الاتحاد الاوروبي لتدعيم معدل نمو الاقتصاد العالمي.

وقال إن الرئيس الاميركي جورج بوش - خلال جولته الاوروبية المقرر لها فبراير/ شباط المقبل - ينبغي عليه ازالة جميع العقبات التي تعرقل التعاون التجاري والاستثماري بين الطرفين وتأكيد قدرة الولايات المتحدة على إدارة النظام المالي العالمي.

وأوضح أن القضايا الاقتصادية ينبغي أن تكون لها الأولوية في اجندة مباحثات بوش مع قادة الدول الاوروبية للحفاظ على مكانة واشنطن كمركز مالي وتجاري عالمي، مشيرا إلى أن الاتحاد الاوروبي يعد الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة.

ويبدو الاحتياج الاميركي للاتحاد الاوروبي جليا في ضوء ارتفاع معدلات المديونية الاميركية وحاجة واشنطن إلى تدفقات مالية مباشرة تصل إلى ملياري دولار يوميا لخدمة أعباء الديون إضافة إلى مزيد من الاستثمارات في البورصة الاميركية.

وتشير الاحصاءات إلى أن إجمالي الاستثمارات الاوروبية المباشرة في الولايات المتحدة بلغ تريليون دولار ابتداء من العام 2002 متضمنة أصولا ثابتة طويلة الأجل كالمصانع والعقارات وغيرها.

ويمتلك الاوروبيون الذين يبدون قلقهم من استمرار تراجع الدولار أمام اليورو استثمارات في البورصات الاميركية تقدر بنحو 816 مليار دولار.

وأشار محللون اقتصاديون أوروبيون إلى أن خسائر الشركات الاوروبية التي تستثمر في صناديق الاستثمار الاميركية تقدر بعدة مليارات من الدولارات نتيجة انخفاض الدولار بنحو 30 في المئة أمام اليورو.

ويتشكك عدد كبير من المستثمرين الاوروبيين في إمكان قيام الإدارة الاميركية باتخاذ إجراءات فعالة لوقف تراجع الدولار مقابل اليورو والين الياباني وخفض معدلات العجز في الموازنة التى تعد أحد الأسباب الرئيسية وراء تدهور قيمة الدولار.

ويرى المحلل الاقتصادي الاميركي شارلي شارفسكي ان إدارة بوش ينبغي عليها اتخاذ إجراءات تعكس جديتها لإعادة الاستقرار المالي على المستوى العالمي وخصوصا تدعيم الدولار والعمل على خفض العجز المتزايد في الموازنة الاميركية.

وقال ان الخلافات السياسية بين الطرفين ينبغي الا تؤثر على الاستثمارات المشتركة والجهود الرامية إلى إعادة التوازن إلى النظام المالي العالمي.

ووفقا للاحصاءات بلغ إجمالي استثمارات دول اوروبا الجديدة "بلدان شرق ووسط أوروبا التي انضمت للاتحاد الاوروبى في الاول من مايو/ أيار الماضي التي تعرف بانتماءاتها الاميركية" في السندات الاميركية 16 مليار دولار فقط مقابل 250 مليار دولار لما يسمى بدول اوروبا القديمة "غرب أوروبا" التي تضم دولا لا تحظى بالتوافق السياسي مع واشنطن.

وتتفق عدد من الشركات الاوروبية الكبرى مع إدارة بوش بشأن حاجة دول منطقة اليورو إلى زيادة معدلات نمو الناتج المحلى الاجمالي لتدعيم الاقتصاد الاوروبي والاميركي.

ويرى محللون اقتصاديون أوروبيون ان واشنطن لا تبدي حماسا كافيا بشأن الاستجابة للمطالب الاوروبية في ضوء استفادة صادراتها من تراجع الدولار الذى يوفر للمنتجات الأميركية ميزة تنافسية أفضل من تلك التي تتوافر في السوق الاوروبية، مشيرين إلى أن نمو الناتج المحلي الاجمالي في دول منطقة اليورو سيتأثر سلبا بانخفاض الدولار إلى أدنى مستوى له في 11 شهرا أمام اليورو.

وقال المحلل الاقتصادي الاميركي بيتر موريتشي ان واشنطن لا تبذل جهودا كافية للسيطرة على العجز في الموازنة والميزان التجاري وهو ما ينعكس سلبا على النمو في منطقة اليورو ودول جنوب شرق آسيا.

وأشار معهد الدراسات الاقتصادية - الذي يتخذ من واشنطن مقرا له - إلى أن خفض معدلات العجز التجاري المتزايد في الولايات المتحدة يستلزم مزيدا من الخفض لقيمة الدولار أمام عملات شركاء واشنطن التجاريين.

وأوضح الاقتصادي فريد فرجشتين أن معدل الانخفاض الحالي للدولار سيدعم الصادرات الاميركية بشكل جزئي الا انه لن يوفر زخما قويا للشركات الاميركية على المدى الطويل في حال عدم حدوث هبوط حاد في قيمة الدولار خلال الأشهر المقبلة.

وأضاف ان العجز التجاري المتزايد بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين يهدد نمو الناتج المحلي الاجمالي الاميركي ويقلص معدل ثقة المستهلكين الاميركيين إذ يمثل الإنفاق الاستهلاكي نحو ثلثي حجم الناتج المحلي الإجمالي الاميركي البالغ حجمه عشرة تريليونات دولار.

وعلى رغم تراجع أسعار النفط في السوق الدولية أثارت توقعات عدد كبير من المحللين والمؤسسات الاقتصادية الاميركية والدولية المتعلقة باحتمال زيادة معدل الفائدة في الولايات المتحدة لتصل إلى 4 في المئة في نهاية العام 2005 المخاوف من تدني معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي في العالم وتأثر أسواق المال الاميركية والدولية بالتداعيات السلبية لرفع معدل الفائدة.

ويرى محللون اقتصاديون اميركيون ان بنك الاحتياط الفيدرالي الاميركي "البنك المركزي" الذي رفع معدل الفائدة بنحو ربع نقطة مئوية في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي لتصل إلى 2,25 في المئة لم يستبعد زيادة الفائدة مرات عدة خلال اجتماعاته المقبلة للسيطرة على معدلات التضخم وزيادة مستويات الادخار التي وصلت إلى معدلات متدنية خلال العامين الماضيين نتيجة انخفاض معدلات الفائدة إلى أدنى مستوياتها خلال السنوات الأربعين الماضية .

وأوضح المحلل الاقتصادي دافيد بيرسون ان تحسن مؤشرات سوق العمل الأميركية والخوف من احتمال ارتفاع معدل التضخم سيدفعان بنك الاحتياط الفيدرالي إلى زيادة معدل الفائدة أكثر من مرة خلال العام ،2005 وتوقع المحلل الاقتصادي كين كيم ارتفاع معدل الفائدة في الولايات المتحدة إلى 2,5 في المئة في مارس المقبل ثم زيادتها إلى 3 في المئة في منتصف العام و3,5 في المئة في نهاية العام 2005 للسيطرة على معدلات التضخم.

وتعزز التحديات السياسية والاقتصادية الراهنة التي تواجه دول اليورو الشكوك بشأن إمكان زيادة معدلات النمو والصادرات والاستثمارات الاوروبية وتدعيم الكيان الاقتصادي والسياسي الموحد في أوروبا، وتتمثل أبرز التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها اوروبا العام الجاري في اليورو القوي وتراجع سوق العقارات وإقرار الدستور الموحد والخلاف الالماني الايطالي بشأن عضوية مجلس الأمن الدولي.

ويرى محللون سياسيون واقتصاديون ان الإشكال يكمن في صعوبة توقع اتجاه تلك التحديات السياسية والاقتصادية في العام الجاري في ضوء حال الترقب وعدم اليقين السائدة في الدول أعضاء الاتحاد الاوروبي بشأن الاجراءات التي سيتبعها البنك المركزى الاوروبي والمفوضية الاوروبية للتعامل مع تلك التحديات التى تهدد الكيان الاوروبي الموحد.

وتشكك هؤلاء في ايجاد حل سريع لمشكلة التزايد المستمر في قيمة اليورو أمام الدولار الذى ينعكس سلبا على أداء الاقتصادات الاوروبية، إذ يحرم الصادرات الاوروبية من ميزة تنافسية مهمة ويضعف الطلب عليها في الاسواق الدولية بسبب ارتفاع أسعارها

العدد 869 - الجمعة 21 يناير 2005م الموافق 10 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً