العدد 871 - الأحد 23 يناير 2005م الموافق 12 ذي الحجة 1425هـ

المشاركون في مؤتمر "العنف": المشكلة في انعدام الثقافة القانونية

من المسئول عن الفجوة بين التشريعات والتطبيق؟

الفجوة كبيرة بين التشريعات وتطبيق القوانين في الدول العربية، هذا ما يؤكده الواقع في الكثير من الدول العربية، وخصوصا تلك التشريعات التي تخص المرأة وحقوقها في الحياة الزوجية، تلك التشريعات التي تخاطب العنف الذي يمارس ضد المرأة، التشريعات التي تمنح المطلقة حقوقها، وما أن تأتي التشريعات مرحلة التطبيق، إلا وتجد أكثر من سد يمنع التطبيق، وقد تسأل المرأة عن عدم تطبيق القانون على رغم وجود تشريع به، فلا تجد جوابا، وبذلك تضيع حقوق المرأة وهي تتعرض لممارسة العنف كل يوم في مختلف البلدان التي لا تعرف كيف تطبق التشريعات التي يمكن أن تمنح المرأة شيئا من حقوقها.

في مؤتمر العنف والتمييز ضد المرأة في دول مجلس التعاون الخليجي، الذي عقد في 8 و9 يناير/كانون الأول الجاري في البحرين، التقينا بعض المشاركين للتعرف على أسباب الفجوة بين التشريعات والتطبيق في الدول العربية.

التعريف

لماذا الفجوة كبيرة في الدول العربية بين التشريعات والتطبيق؟

- تقول نائب المدير العام لبرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مرفت رشماوي: "لا أستطيع أن أقول إنه في جميع الدول العربية لا تطبق التشريعات، هناك قوانين دولية كافية لتعريف موضوع العنف ضد المرأة، لتفصيل واجبات الدولة بما فيها اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فيها مواد واضحة تفصل الدور الذي يجب أن تقوم به الدولة في كل المجالات، سواء كان في الإسكان وفي رفع الوعي، وفي تغيير القوانين وغيرها، وتأتي المرحلة الثانية عندما توقع الدولة اتفاقا دوليا، يجب عليها القيام بعدة خطوات، أولا موائمة تشريعاتها مع الاتفاقات الدولية، البدء في النظر في السياسات الداخلية، والمرحلة الثالثة هي النظر في تطبيق هذه التشريعات والسياسات، ولا نستطيع إنكار ان هناك فجوات في نواح مختلفة".

أين تكمن هذه الفجوات تحديدا؟

- على سبيل المثال ان العنف ضد المرأة غير معروف بوضوح في التشريعات ليس فقط في المنطقة العربية، ولكن في عدد كبير في مناطق العالم، إذن هناك مشكلة في التعريف، ولذلك اتخذت الأمم المتحدة تعريفا واضحا للعنف والتمييز ضد المرأة والذي تتبناه منظمة العفو الدولية، وهذا التعريف يتضمن جوانب مختلفة بما فيها التهديد بالعنف، والعنف نفسه، وما يمكن أن يترتب عليه من جوانب نفسية وجسدية وغيرها، ولذلك فهو يعد تعريفا شاملا للغاية، إذن فالقوانين قد تحتوي على عدد كبير من الحقوق ولكنها أيضا تحتوي على بعض الثغرات.

ثغرات

وماذا عن أهم الثغرات؟

- ليس هناك ما يلزم أجهزة الشرطة باتخاذ إجراءات سريعة وفورية تجاه الأزواج الذين يمارسون العنف ضد زوجاتهم، فعندما تتوجه المرأة إلى مركز الشرطة، كثيرا ما يقال لها عودي إلى بيتك، ويمكن أن تحل هذه المشكلة داخليا، حتى الحالات التي اتخذت فيها الشرطة إجراءات، لم تكن الإجراءات كافية، إذن هناك مناخ من الشعور بعدم وجود حماية للمرأة التي تتعرض للعنف، إضافة إلى المناخ التقليدي التراثي الذي يؤكد ان العنف الذي يمارس ضد المرأة يعد مشكلة داخلية خاصة، يجب التغاضي عنها وتجاوزها فهذا هو المناخ التراثي التقليدي، فتعود دائرة العنف، وتتكرر ممارسة العنف ضد المرأة حتى تعود إلى بيت أسرتها باحثة عن مخرج لها.

بينما تقول نائب رئيس لجنة المرافق العامة والبيئة في مجلس الشورى فوزية الصالح: "إننا كنا في السابق نعاني من انعدام الثقافة القانونية، خلال العامين الماضيين تغير الوضع مع وجود السلطة التشريعية، ومع وجود دولة القانون، يجب أن يكون هناك نوع من التوعية الإعلامية بأهمية القانون، عندما تكون هناك أهمية قانونية يصبح التطبيق سهل، فإذا كان هناك نص أعرفه أستطيع المطالبة به من المشرع والزامه بتطبيقه، عندما تدق مجموعة من الأشخاص على النص القانوني، ولكن مع عدم وعينا بالقوانين وجهلنا بها يصبح التنفيذ ضعيفا".

دور القضاء

وفي خلال المؤتمر قدم عبدالسلام درويش - دولة الإمارات العربية المتحدة - ورقة عمل بعنوان: "دور القضاء في حماية المرأة من العنف والتمييز" وتطرق درويش إلى دور المؤسسات في معالجة مشكلة العنف ضد المرأة من خلال عدة وسائل منها سرعة التقاضي، وذلك بوجوب بحث المحاكم في تبسيط إجراءات التقاضي، بما يحقق الإسراع فيها وحصول المرأة على حقوقها بأسرع وقت ممكن من دون الإخلال بحيثيات المحاكمة وتفعيل قضايا الأمور المستعجلة والمؤقتة بحيث تجد المرأة بيئة مساعدة لاستقرارها لحين انتهاء القضية، ولقد جرب هذا الأمر في محاكم دبي بحيث أصبحت جلسات الأحوال الشخصية أسبوعية، وفي أكثر من دائرة في اليوم، والقضية في غالبها لا تتجاوز الشهر، وهذا ساعد على حل الكثير من الإشكالات التي حدثت بسبب التأخير، وما يترتب عليه من مشكلات، ومن الإجراءات الإيجابية كذلك أن ترفع المرأة القضية في مقر إقامتها، لا في مقر إقامة المدعى عليه بحسب قانون الإجراءات المدنية، وهذا استثناء لصالح المرأة.

الخلاف كثير

ويقول الباحث: "إلى أن الخلاف في الأسرة كثير ومتنوع منه ما يقتصر على سوء التفاهم، واختلاف وجهات النظر وهو الخلاف البسيط العابر، ومنها ما هو مصحوب بالعنف الذي يسيل الدماء وبين هذين المستويين درجات مختلفة من الخلاف والنزاع، وفي معظم الأحيان يكون لدى الطرفين ميل للصلح وإطفاء نار العداوة وإزالة النفور، ولكن لا يعرف أحدهما أو كلاهما كيف يصلح؟ أو كيف يعتذر؟".

ويضيف: "ولهذا فإن لوجود مكاتب الإصلاح في مراكز الشرطة والمؤسسات القضائية دورا كبيرا في حل ومعالجة الكثير من هذه المشكلات، وتوجيه الناس إلى طريق الصواب ومتابعة الحالات الأسرية في بيوتها إلى حين استقرارها وذهاب أسباب توترها، وهذه تجربة طبقناها في مراكز الشرطة بوجود قسم للخدمة الاجتماعية بها اختصاصية تتولى كل المشكلات الأسرية التي تصل إلى المراكز، وهناك الإصلاح الأسري في المحكمة، والذي يقوم بدوره كذلك في محاولة الجلوس مع الطرفين، وتوجيههم إلى طريق الصحيح، ونجحنا في العام الماضي في إجراء الصلح في 42 في المئة من عدد الحالات التي وصلت على ساحات القضاء".

حجم المأساة

ويواصل: "ولعل من أهم المشكلات المؤثرة في معالجة قضايا العنف ضد النساء هو استشعار وكيل النيابة والقاضي المكلف في النظر في الموضوع في حجم المأساة والمشكلة الواقعة، وهذا لا يتأتى إلا من خلال تأهيل الهيئة القضائية ووكلاء النيابة في الجوانب النفسية والاجتماعية والسلوكية والقانونية وغيرها، والتي تساعدهم في النظر إلى القضية بشمولية والقدرة على تقدير الضرر الواقع، إذ إن الضرر النفسي لبعض ممارسات الأزواج أشد من الضرر الجسدي، وبالتالي لا يمكن أن يدرك هذه المسألة إلا المتخصص الذي يستطيع من خلال خبرته ودراسته أن يصل إلى إشكالية الزوجين وتقرير مصير حياتهم الزوجية من خلال الأدلة والشهود والتقدير الشخصي عن وعي ودراسة بما يحقق الأصلح لهذه الأسرة". ومن الأهداف التي أشار إليها الباحث ضرورة تفعيل دور الحكمين الذين ذكرهما الله في كتابه في قوله "فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها" "النساء: 35" لا يقصد به الإصلاح الأسري في المحاكم ولكن في مرحلة التقاضي، وبعد فشل الإصلاح لابد من تفعيل دور الحكمين، لأن الحكمين سينظرون في الخلاف بشكل أشمل من نظرة القاضي، فالقاضي ملزم بالأدلة والبينات أما الحكمين، فيحاولان الصلح بشتى الطرق، وقرار الحكمين ملزم للقاضي أن يحكم به بحسب المعمول به في المذهب المالكي، والمأخوذ به في دولة الإمارات.

وتبقى هناك حقيقة مهمة يفرزها هذا التحقيق، وهي انه على رغم الاهتمام الكبير بقضايا المرأة، وارتفاع الأصوات التي تطالب بأخذ المرأة لحقوقها، وعلى رغم كل ألوان العنف الذي تتعرض له المرأة، فإنه تبقى مشكلة وجود فجوة كبيرة بين التشريعات التي تنصفها، وبين عدم التطبيق الذي يظلمها

العدد 871 - الأحد 23 يناير 2005م الموافق 12 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً