أكدت افتتاحيات الصحف الغربية أن العراقيين وجهوا رسالة واضحة لإقامة نظام سياسي جديد وديمقراطي عبر مشاركتهم في عمليات الاقتراع بأعداد فاقت كل التوقعات وإن لاحظت غيابا شبه كلي للسنة عن العملية الانتخابية. وإذ أغدقت الصحف خصوصا الأميركية أحسن الأوصاف على الشعب العراقي حين لاحظت شجاعته، اعتبرت أن على "المتمردين" أن يقبلوا هذه الرسالة، وأن يعترفوا بأن العراقيين عبروا خلال الانتخابات عن رغبتهم في النضال من أجل حقوقهم بطرق سلمية ودستورية.
واعتبرت الصحف الأميركية أن العراقيين أجابوا بقوة عما إذا كانت المهمة الأميركية في العراق لا تزال قضية عادلة؟ لكن الصحف الغربية أقرت رغم نجاح العملية الانتخابية، بأن الوقت لم يحن بعد لمعرفة موعد انسحاب الأميركيين والبريطانيين من العراق. كما يبدو انه من المبكر جدا بعد رؤية المراحل النهائية لتسوية الأزمة العراقية.
ونشرت "نيويورك تايمز" تحت عنوان "رسالة من العراق" تعليقا على الانتخابات العراقية. فلاحظت أن العراقيين الشجعان شاركوا في عمليات الاقتراع بأعداد فاقت كل التوقعات. إلا أن الصحيفة الأميركية شددت على أن النسبة الكبيرة للعراقيين الذين أدلوا بأصواتهم لا يجب أن تعتم على حقيقة أن الأقلية السنية ظلت محرومة من حق التصويت وذلك بسبب النفور و"الإرهاب". ولكنها استدركت في الوقت عينه، بأنه حتى في بعض المناطق السنية كانت المشاركة أكبر من المتوقع. واعتبرت "نيويورك تايمز" أن الرسالة التي تضمنها يوم الانتخابات العراقي تقول بأن الغالبية العراقية الصامتة تحدت المخاطر والتهديدات وشاركت في التصويت لإقامة نظام سياسي جديد وديمقراطي. ورأت أن على "المتمردين" أن يقبلوا هذه الرسالة، وأن يعترفوا بأن العراقيين عبروا خلال الانتخابات عن رغبتهم في النضال من أجل حقوقهم بطرق سلمية ودستورية. ولفتت إلى أن كل الإخفاقات السياسية التي ارتكبت قبل الانتخابات صغرت أمام النجاح الذي تحقق يوم الانتخاب.
إلا أن الصحيفة الأميركية استدركت بأن هذا النجاح لن يتأكد إلا إذا أدى إلى عراق موحد لا يكون ساحة للحرب الأهلية ويكون مستعدا لمواجهة أعدائه من دون مساعدة عسكرية أميركية. وأشارت إلى انه من المستحيل، من بين ملايين العراقيين الذين شاركوا في التصويت، إحصاء عدد الشيعة الذين صوتوا من أجل إقامة ثيقراطية شيعية في العراق.
في المقابل لاحظت "نيويورك تايمز" أن عددا من الزعماء الشيعة كرروا أنهم يريدون العمل من أجل إقامة دولة علمانية تملك كل فئات الشعب العراقي حصة فيها. من هنا رأت أن ما سيحصل في المرحلة التالية سيعتمد بشكل كبير على الحكمة وضبط النفس اللذين سيتحلى بهما الزعماء الشيعة المنتخبون في الوصول إلى السنة الذين تم تهميشهم. وأوضحت أن إخراج السنة من نفق التيار "الإرهابي" هو التحدي الأبرز في الأسابيع المقبلة. وشددت أيضا على انه يتوجب على الزعماء الأكراد أن يؤكدوا أنهم ومناصريهم ملتزمون بمستقبل العراق كمواطنين عراقيين وليس كعناصر ينتمون إلى دولة منفصلة.
وعلقت "واشنطن بوست" في افتتاحيتها على الانتخابات العراقية. فأشارت إلى انه طوال شهور كانت الأخبار الواردة من العراق تتحدث عن المتطرفين الذين يفجرون أنفسهم لقتل المواطنين العراقيين، أما يوم الأحد فقد رأى العالم أخيرا عراقا آخر إذ ملايين المواطنين توجهوا إلى صناديق الاقتراع متحدين القنابل والتفجيرات. ورأت أن الرسالة التي تضمنتها الانتخابات كانت واضحة وتقول إن غالبية العراقيين تدعم قيام نظام ديمقراطي وعددا كبيرا منهم مستعدون للمخاطرة بحياتهم من أجل ذلك. وشددت على انه من أجل إعطاء الفرصة لقيام العراق من جديد، على الجنود الأميركيين أن يواصلوا القتال والتضحية في هذا البلد.
مشيرة إلى انه خلال يوم الانتخاب اتضح للأميركيين من هي الجهة التي يقاتلون من أجلها في العراق أي ملايين العراقيين الذين عانوا طوال سنوات من قمع النظام الديكتاتوري والذين يرغبون بشدة بالعيش في بلد حر ومسالم. وختمت بالقول إن تصويت العراقيين كان خطوة عبرت عن شجاعة والعراقيين وإيمانهم وإجابة عن السؤال المطروح عما إذا كانت المهمة الأميركية في العراق لا تزال قضية عادلة.
وتناولت الصحف البريطانية أيضا الانتخابات العراقية، فكتبت "الغارديان" البريطانية، افتتاحية تحت عنوان "الطلقة وصندوق الاقتراع" اعتبرت خلالها انه من المبكر جدا إطلاق أية استنتاجات بشأن الانتخابات العراقية بعد ساعات على إقفال صناديق الاقتراع، خصوصا انه من المعروف أن النتائج الرسمية لن تعلن قبل أسبوع ونصف. إلا أنها استدركت بأن ما يمكن استنتاجه من هذه الانتخابات هي أنها نظمت في الوقت المحدد ومن دون سقوط خسائر بالحجم الذي كان متوقعا وان نحو 60 في المئة من الناخبين شاركوا فيها.
غير أن الصحيفة البريطانية رأت انه صحيح أن نسبة المشاركة في المناطق الكردية والشيعية كانت كبيرة إلا انه في المناطق السنية يختلف الأمر كثيرا. فقد أظهرت شاشات قناة "الجزيرة"، مدينة تكريت مسقط رأس الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، مدينة أشباح إذ بدت الشوارع شبه خالية من المارة على رغم انه قيل أن نسبة المشاركة في التصويت في هذه المدينة فاقت التوقعات. هذا وشددت "الغارديان" على انه من الصعب جدا التأكد من أن الانتخابات كانت نزيهة وحرة نظرا لأعمال العنف ومشاعر الإحباط التي أحاطت بها. لافتة إلى أن المفارقة التي طبعت العملية الانتخابية هي أن السنة كانوا مهددين من قبل مناصري أبومصعب الزرقاوي بعدم الخروج من منازلهم بينما أصدر المرجع الديني السيد علي السيستاني فتوى اعتبر فيها أن المشاركة في الانتخابات هي واجب ديني.
وفي ختام الافتتاحية لفتت الصحيفة إلى انه حتى لو تبين أن الانتخابات نجحت إلا أن الوقت لم يحن بعد لمعرفة موعد انسحاب البريطانيين والأميركيين من العراق. كما انه يبدو من المبكر جدا بعد رؤية المراحل النهائية لتسوية الأزمة العراقية. والأهم من ذلك ما زلنا بعيدين عن انتهاء كابوس العنف الذي يعيشه الشعب العراقي... تختم "الغارديان" افتتاحيتها
العدد 880 - الثلثاء 01 فبراير 2005م الموافق 21 ذي الحجة 1425هـ