العدد 880 - الثلثاء 01 فبراير 2005م الموافق 21 ذي الحجة 1425هـ

الفساد في مجتمعاتنا

نسمع الكثير عن الفساد في مجتمعاتنا التي يصاب بها كثيرون ممن يعانون من النقائص الخلقية، فهذه الفئة من الناس أغواهم الشيطان عن الحق، فجرثومة الداء مرتبطة بضمير الانسان، فان كان هذا الانسان ميت القلب طبل الشيطان وزمر، فالذي يأكل أموال الناس بالباطل ويبتدع الطرق لانتشار هذه الاعمال الفاسدة هو بلا شك مريض نفسيا ومنحرف أخلاقيا.

فقد مررت بموضوع في كتاب "الأخلاق عند الإمام الصادق" لمؤلفه العلامة محمد أمين زين الدين يحذر من النقائص التي يسببها جمع المال فأحببت ان يطلع عليها القراء الأعزاء كي يستفيدوا مما جاء فيها.

خلق الانسان وخلقت معه الحاجة والوسائل التي يسد بها تلك الحاجة، لابد للانسان من القوت لأنه يريد ان يعيش ولابد له من الملبس لأنه يريد ان يجتمع، ولابد له من المسكن لأنه يريد ان يستقل، اذا فالانسان محتاج الى هذه الضرورات والى امثالها من وسائل الحياة، وهو محتاج الى مال يبلغه تلك الغايات، والى مكسب يوصله الى المال، وكيف يحصل على الكسب بغير الاجتماع؟

حلقات من الحاجة يتصل بعضها ببعض، ولا ينفك بعضها عن بعض والمال بعض هذه الحلقات المتصلة، ولا ينكر أحد أهميته في الحياة، ولكن الشيء الذي يستنكره العقل ان يجعل المال هو الغاية الأولى والأخيرة تحطم في سبيله كل غاية، وتستخدم في تحصيله كل وسيلة وينبذ كل تشريع ونظام.

النفس ميالة الى الشهوات والمال يسهل لها طريق الحصول على هذه الغاية، هذا هو مبدأ الشر وهذه هي جرثومة الداء، هذا هو الذي يفسر لنا المبالغة التي نجدها في ذم المال والتحذير منه فإن التخلص من الأدواء التي يسببها جمع المال عسير جدا.

"ان الشيطان يدير ابن آدم في كل شيء فاذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته"، هذه كلمة قالها الامام الصادق "ع" في التحذير من المال وبالاحرى في التحذير من النقائص التي يسببها جمع المال. الشيطان يجثم لابن آدم عند المال اذا اعياه في كل شيء، اذا فالمال أعظم شباك الشيطان وأكبر مصائده، والانسان مفتقر الى المال لأن الحاجة تدعوه الى طلبه، فاذا لابد ان يلتقي الخصمان على مجزرة المال، ولابد ان يغلب المتيقظ منهما الغافل، ويظفر الجاد بالهازل، فإن المال باب الشهوات ومفتاح المطامع، والانسان رهين اطماعه وعبد شهواته، وهكذا يستعبد الحر ويبلغ الشيطان أمنيته من عدوه فيأخذ برقبته رضي الانسان بهذه النتيجة أم أباها.

وللشريعة الاسلامية نظرة معتدلة الى المال، فهو خادم أمين يبلغ به الانسان حاجته، وللخادم الأمين منزلته وله مقامه، على ان يبقى السيد سيدا، ويظل العبد عبدا، والمال وسيلة محبوبة توصل الانسان الى الخير، وتحصل له السعادة ووسلة الخير خير، وسبب السعادة سعادة، على ان تبقى الوسيلة وسيلة والغاية غاية، وأما تحصيل المال بالسرقة والخيانة والظلم في المعاملة والتعدي على الحقوق... و... فهو أشد المحظورات عند الشرع والعقل، ومن أعظم المنكرات في علم الاخلاق، لانه يميت الغاية قبل الحصول على الوسيلة، وينقض الاساس قبل ان يتم البناء، ولست بحاجة الى ذكر الشواهد على ذلك من كلمات الامام الصادق "ع" لأن تحريم هذه الاشياء من ضروريات الدين الاسلامي.

ولست أذكر الربا والمرابين الا بخير، فإن الربا اختلاس يبيحه النظام المدني، والمرابين سراق يحترمهم القانون، وماذا على المسلم اذا أكل الربا هنيئا مادام القانون يثبت هذا التجاوز، ومادامت المعاملات الربوية شائعة بين الناس، فليغتصب اموال الناس باسم النظام وليموه على جريمته باسم التأويل، وليكن بعد هذا محاربا لله ولرسوله في رأي القرآن، وليكن الربا أشد حرمة من الزنى في رأي الامام الصادق "ع" فإنه يتأول قبل ان يرتكب وليس عليه بعد التأويل شيء. وبعد فإن تحريم الربا فكرة يجب على المسلم ان يعترف بها في مقام الاعتقاد وليس عليه ان يطبقها في مقام العمل.

والفقير قد يكون آمنا من اكثر هذه الجرائم التي تتعلق بالمال ولكنه قد يتعرض لما هو أشد منها جرما وأكثر اثما. قد يحمله الاعواز على ان يسرق، وقد يدعوه الفقر الى ان يخون أو يستدين ثم ينكر، وقد ... وقد... والفقير الى جانب اليأس أقرب منه الى طرف الرجاء، والى الجزع اكثر ميلا منه الى الصبر. وأكثر ما يقترفه من الذنوب نتيجة ذلك اليأس وثمرة ذلك الجزع، وأحاديث الأئمة من أهل البيت "ع" قد تنوعت للفقير بأنواع البشائر لتحيي فيه ميت الرجاء وتبعث في قلبه روح الأمل، ثم أمرته بالكسب ورغبته في الاقتصاد، وللامام الصادق "ع" كلمات تتصل بهذا الحديث يجب ان تتخذ قواعد عامة في باب الاقتصاد ومن هذه الكلمات قوله:

- "لا تكسل في معيشتك فتكون كلا على غيرك".

- "ضمنت لمن اقتصد ان لا يفتقر".

- "انظر من هو دونك في المقدرة، ولا تنظر الى من هو فوقك".

"السرف أمر يبغضه الله حتى طرحك النواة فإنها تصلح لشيء".

- "من كان رفيقا في أمره نال ما يريد من الناس".

- "تعوذوا بالله من غلبة الدين وغلبة الرجال".

نعيمة مطر محمد

العدد 880 - الثلثاء 01 فبراير 2005م الموافق 21 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً