ما إن غربت شمس التاسع والعشرين من يناير/ كانون الثاني خلف البحر حتى أشرقت شمس أخرى، كانت أشد سطوعا، وأكثر بهاء. .. تلك شمس الحرية التي انتظرناها، وعندما حضرت كانت أكثر إشراقا وتوهجا فانشدت إليها كل الأعين... وأقيمت لها الأفراح العامرة، فهي بعد أن تشرق لا تغيب. كانت تلك الطائرة العابرة للسماء تحمل في قلبها رجالا ما غادروا يوما القلوب منذ انتزعوا من أرضهم رغما عن إرادتهم، بل كانت تحمل قلوبا عصت على الجلاد وحطمت الأصفاد... ولم تكسر.
الطائرة كسرت رهبة الانتظار وهبطت فتوجهت كل العيون إلى بابها لتعانق ا لأحرار قبل أن تصل إليهم الأيدي وتعانقهم الصدور. وعندما لامست أقدامهم تراب الوطن ارتعشت القلوب، فهذه الأرض تقدست حين وهبوها عمرهم، وحين ارتفعت أيديهم ارتسمت شارة النصر... كبيرق في سماء الوطن ومشهد خالد لن يغادر الذاكرة.
نزل الشيخ عبدالكريم بعدما استعاد عمته البيضاء وازدادت نصاعة كما لحيته البيضاء الطويلة. خلفه الحاج أبوعلي الديراني متوكئا على عكازه شامخا... وبعدهما سارت قافلة المحررين حسن وأنور وجواد. يوم بعد آخر يثبت حزب الله أنه تجربة فريدة من نوعها في مقاومة الاحتلال والغطرسة الإسرائيلية ويؤكد أن همم الرجال لا تثنيها الصعاب وأن قلوب الأبطال أرسخ من راسيات الجبال، لا تزعزعها الأهوال وليس في قاموسها المحال، يتقدم هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم ورفعوا لواء الدفاع عن الإسلام فوق رؤوسهم وحملوا أرواحهم على أكفهم وشعارهم هيهات منا الذلة، يتقدمهم سيد من نسل الرسول "ص" والزهراء البتول والمرتضى عليهما السلام، وله من خصال جده الحسين الشهيد "ع" والكرامة والإباء والشهامة. من بين كل مواقف الخزي والعار التي لاقتها الأمة الإسلامية على يد أنظمتها في مقابل محرفي الكلم وقتلة الأنبياء، ظهر هؤلاء الفتية ليذيقوا الصهاينة كأسا مرة ويلحقوا بهم العار بعد أن أخرجوا الجيش الذي لا يقهر من جنوب لبنان أذلة صاغرين مذعورين خائفين، ليعيدوا لهذه الأمة بعضا من كرامتها المهدورة وجزءا من حقوقها المسلوبة وانصياع حكامها للعدو الأميركي في كل ما يأمرهم به.
نعم، لقد ظهر بطل من أبطال المقاومة الإسلامية متحديا الظلم والاحتلال في زمن غاب عنه حاكم يطالب باسترداد الحرية المسلوبة.
فاطمة مهدي حسين الجمري
العدد 880 - الثلثاء 01 فبراير 2005م الموافق 21 ذي الحجة 1425هـ