عاشت عدد من مناطق دول المغرب العربي خلال الأسبوع الماضي أجواء مناخية غير مسبوقة تمثلت في هبوب رياح باردة ناتجة عن كتل قطبية شمالية تسللت عبر أوروبا والمتوسط. وهكذا تصقعت الأجواء في ليبيا لأول مرة، فيما هبت الثلوج بكثافة غير مسبوقة على تونس والجزائر، فيما انتقلت هذه الظاهرة العادية بالنسبة لمغاربة المناطق الجبلية لتشمل مناطق أخرى قلما عرفت هذه الظاهرة كالمناطق الشرقية والشمالية وعلى رأسها مدينتا وجدة والناظور، ما أدى إلى قطع عدد من محاور شبكة الطرق بالمغرب.
في المغرب الذي انحبست الأمطار عن أراضيه ما جعل الموسم الفلاحي الحالي مهدداً بالجفاف، واكتست عدد من مناطقه الساحلية بالثلوج. مدينة الناظور اكتست منذ صباح الخميس قبل الماضي حلة ثلجية بيضاء، واندهش السكان لتساقط الثلوج لأول مرة عليها، وخرج الجميع للاستمتاع بالمدينة التي تحولت إلى زربية بيضاء تغوي الناظرين. وردّد الأطفال جملاً بالأمازيغية الريفية عكست مدى فرحتهم بالثلوج من قبيل «ياكتا واتحفر» أي الثلوج تتساقط و«يصباح واتحفر» أي الثلوج جميلة.
وقد تخلى سكان مدينة الناظور (شمال المغرب)، عن عادة المكوث بالبيت خلال الأسبوع الأول لعيد الأضحى لينزلوا إلى الشوارع للتمتع بالمناظر الرائعة. كما غابت طاولات وكراسي المقاهي الموجودة على جنبات شارع محمد الخامس عن مكانها لتفسح المجال أمام الثلوج المتراكمة، فيما زادت جذوع أشجار النخيل الضخمة من روعة المشهد بالشارع الرئيسي الذي يقطع المدينة.
وزاد من بهاء المنظر تل «بابلو» المطل عليها وجبل «غوروغو» الذي يطل على مدينة مليلية المحتلة من الجهة الأخرى اللذين لبسا حلة بيضاء، لتزيد الأجواء شاعرية بفعل اللون الرمادي الذي غطى سماء المدينة. وقضى أطفال الناظور أوقاتهم في جمع كرات الثلج وتشكيل المجسمات، احتفالاً بالحدث الذي تزامن مع عطلة النصف الأول من السنة الدراسية.
كما انعكس تهاطل الثلوج بمدينة الناظور على المحلات التجارية، التي تخلت عن عرض الأثاث والأجهزة الإلكترونية، لتزين واجهاتها بأجهزة التدفئة بسبب الانخفاض المفرط الذي سجلته درجات الحرارة خلال الفترة الماضية. وقد أدى تساقط الثلوج التي بلغ علوها ما بين و سنتيمتراً في الناظور وضواحيها إلى قطع الكثير من الطرق.
قلما عرفت الجزائر التساقطات الثلجية باستثناء مناطقها الجبلية (الأطلس الصحراوي)، لذلك ولافتقار مدن وبلدات الشمال لآليات إزالة الثلوج عن الطرق والمعابر فقد شلت هذه التساقطات حركة السير في الكثير من محاور الطرق للجهة الشمالية، وكذلك عرقلة السير والنشاط العادي للكثير من المدارس والإدارات.
هذه الثلوج لم تشهدها الجزائر من قبل، وخصوصا العاصمة التي كستها الثلوج مصحوبة بانخفاض كبير في درجة الحرارة، إذ نزلت في بعض الجهات تحت معدل الصفر، ما تسبب في اضطراب حركة الملاحة الجوية وتوزيع الكهرباء والغاز الذي ارتفعت أسعاره في المدة الأخيرة ما أدى إلى عدد من التظاهرات الإحتجاجية. وقد عمدت الشركة الجزائرية لتوزيع الكهرباء والغاز بالمناطق الغربية والشرقية إلى قطع تزويد الزبائن بهذه المادة بسبب تزايد الطلب عليها في المناطق الشمالية خصوصاً للتدفئة.
الجزائر لم تسجل نسبة مهمة في التساقطات الثلجية على مستوى مختلف مناطق الجزائر منذ العام ، فمن جراء هذه الثلوج قضى مستعملو الطريق وخصوصا أصحاب الشاحنات ليالي الأسبوع الماضي في العراء بسبب كثافة الثلوج وانعدام الرؤية، ما دفع بسكان المناطق المحاذية لمحاور الطرق إلى تقديم المساعدة وتزويد هؤلاء بالمشروبات الدافئة.
وقد بلغ ارتفاع الثلوج سنتيمترا في بعض الجهات، ما تسبب في انقلاب بعض الشاحنات والحافلات إحداهم كانت تقل على متنها مسافراً. كما تسببت هذه الموجة الباردة في وفاة عدد من الأشخاص وخصوصا من فئة الشيوخ والمسنين.
أكد المسئول بمديرية الأرصاد الجوية بالدار البيضاء محمد بلعوشي أن منطقة المغرب العربي تشهد حالياً موجة من البرد القارص ناجمة عن تسرب كتل هوائية قطبية جافة إلى شمال إفريقيا عبر أوروبا. وأوضح بلعوشي «أن من نتائج هذه الحال انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة التي تنجم عنها تساقط أمطار وثلوج قرب الجبال وشمال المغرب العربي».
ولاحظ بلعوشي أن هذا الجو غير المستقر يكون في الغالب مطبوعاً بالصقيع مع بروز طقس مشمس تتخلله رياح جد قوية على الواجهة المتوسطية فيما سيظل الجو بعد ذلك مشمساً لكنه بارد.
تأثيرات انخفاض الحرارة تجاوزت المعطيات المناخية والجغرافية لتشمل الوضع الصحي لغالبية سكان المنطقة، فالبرد الذي وصفه سكان المنطقة الشرقية بـ «الموت الكحلة» (الموت الأسود) كانت تأثيراته قوية على مختلف أعضاء الجسم، وهكذا تفشت بعض الأمراض مثل النزلات البردية المصحوبة بالسعال والحمى، لتضاف إلى سكان المنطقة متطلبات معيشية أخرى تضاف إلى الخبز اليومي ولتشمل خشب التدفئة ومضادات الزكام والحمى
العدد 882 - الخميس 03 فبراير 2005م الموافق 23 ذي الحجة 1425هـ