في أكتوبر/ تشرين الأول العام نشر بيان للإرهابي الأردني أبومصعب الزرقاوي على صفحات الإنترنت تابعة لشبكة إسلامية جاء فيها أن جماعة التوحيد والجهاد التي يتزعمها قررت إطاعة أسامة بن لادن، ومنذ ذلك الحين والجماعة تطلق على نفسها اسم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين».
هذا التطور دلّ بصورة قاطعة على وجود علاقة وثيقة بين الزرقاوي وبن لادن، ومن خلال تعديل اسم جماعته انضم الزرقاوي بذلك إلى القاعدة. غير أن هذه العلاقة أكثر تعقيداً مما يتصوره المحللون، لكنها على رغم المنافسة هناك تعاون وثيق يخدم مصلحة كل منهما. وقد أشار إلى ذلك خبير القضايا الإسلامية في مقر المستشارية الألمانية غيدو شتاينبيرغ في مقال نشرته مجلة «إنترناسيونالي بوليتيك»، التي تصدرها الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية وحصلنا على نسخة عنه.
ولد أبو مصعب الزرقاوي تحت اسمه المدني أحمد الخليلة في العام في مدينة الزرقاء، بضواحي مدينة عمّان. وهو أردني ينتمي إلى قبيلة بني حسن حسبما أوضح في رسالة وجهها إلى الملك الأردني عبدالله، وليس فلسطينياً. وهذه القبيلة معروفة بأنها موالية للعرش وتتمتع بامتيازات، إذ يشكل رجالها طاقة كبيرة تدير شئون الجيش والشرطة.
غير أن الزرقاوي شب على العنف، وليس هناك ما يكشف عن سبب انتمائه لجماعة إسلامية إذ لم يكن إسلامياً في مطلع شبابه. في نهاية الثمانينات سافر إلى باكستان وأفغانستان إذ شارك في المعارك ضد الاحتلال السوفياتي. في العام عاد إلى الأردن، فيمن عرفوا باسم «الأفغان العرب». وكانت هذه العودة بمثابة تهديد أمني، إذ تنبهت أجهزة الاستخبارات العربية إلى أن هؤلاء راحوا يؤسسون خلايا لهدف قلب أنظمة الحكم في عدد من الدول العربية.
في نهاية العام اعتقل الزرقاوي وسجن لمدة عام، وتعرف في السجن على أبو محمد المقدسي (عصام البرقاوي)، وهو أردني من أصل فلسطيني، كان بمثابة الموجه للمقاتلين الإسلاميين في أفغانستان. وتأثر الزرقاوي كثيراً بأفكار البرقاوي. وفي العام التالي أفرج عن الزرقاوي في إطار عفو عام، لكن بعد وقت قصير عاودت الشرطة الأردنية اعتقاله من جديد. هذه المرة وجهت إليه تهمة التخطيط للقيام بتفجير فندق في عمّان وعدد من الأهداف الأميركية والإسرائيلية. لكن الزرقاوي تمكن من الفرار إلى أفغانستان وقصد بن لادن، ثم توجه إلى هيرات القريبة من الحدود الأفغانية الإيرانية، وهناك أشرف على معسكر للتدريب تابع للقاعدة، وأخذ يسعى لتشكيل قوة من المقاتلين غالبيتهم من فلسطينيي الأردن.
وساعدت تجارب الزرقاوي داخل السجون في بناء شخصيته كرجل يؤمن بالعنف. واضطر الزرقاوي للفرار مرة أخرى في شتاء العام بعد أن تعرضت قواعد القاعدة في أفغانستان إلى هجمات القوات الأميركية. ويعتقد أنه فر عبر إيران ومنها تسلل إلى شمال العراق، إذ تعمل جماعة «أنصار الإسلام» الكردية. واستطاع الزرقاوي أن يخطط من مخبئه في العراق لاغتيال المواطن الأميركي لورانس فولي الموظف في الوكالة الدولية للتنمية. كانت هذه العملية بمثابة تحذير لسلطات الأمن الأردنية وعلامة على أن الزرقاوي لم ينس بلده الأصلي بعد. وكان هذا هو العمل الوحيد الذي قام به في العام .
لاحقاً تحدثت وسائل الإعلام عن نجاح أجهزة الأمن الأوروبية في إحباط محاولات للقيام بأعمال عنف في أوروبا من قبل جماعة التوحيد المحسوبة على الزرقاوي. ودلت التحقيقات مع أفراد هذه الجماعة على وجود صلة بين التوحيد وأنصار الإسلام والقاعدة وبالتالي بين الزرقاوي وبن لادن. وساهم نزاع العراق في انتشار اسم الزرقاوي خصوصاً على لسان كولن باول حين ألقى كلمته الشهيرة أمام مجلس الأمن وحاول حينها إقناع العالم بوجود علاقة بين القاعدة ونظام صدام. وما جاء على لسان باول أن الزرقاوي ينتمي للقاعدة، وقد خضع في أحد مستشفيات بغداد للعلاج إذ تم بتر إحدى ساقيه نتيجة إصابة قديمة في أفغانستان، وأن هذا لم يكن ليتم دون علم المسئولين في بغداد الأمر الذي يشي بوجود صلة بين الطرفين.
استغل الزرقاوي فرصة وجوده في العراق فأقام شبكة من المقاتلين، وبرز اسمه على الأكثر من خلال خطف الرهائن وقطع رؤوسهم، وبث أفلام عن عمليات إعدامهم، وينشط الزرقاوي في العراق حتى اليوم حيث يدعو لتنفيذ أعمال عنف ضد شيعة العراق. وقد حمله العراقيون مسئولية اغتيال السيد محمد باقر الحكيم في أغسطس/ آب والقيام بتفجيرات ضد مدن الشيعة المقدسة في النجف وكربلاء، لإثارة القلاقل وإشعال حرب أهلية بين العراقيين.، إذ يعتقد أن قيام مثل هذ الحرب يساعد في تفاقم الوضع الأمني وبالتالي يعزز وجود الإسلاميين في هذا البلد.
بعد أن ظل الزرقاوي في العام يتبع استراتيجية خاصة به تقوم على الخطف والقتل والتفجير، وجه رسالة إلى بن لادن يعلن فيها ولاءه لزعيم القاعدة. وليس هناك معلومات محددة عن عدد مؤيديه، لكن المؤكد أن هناك تعاوناً بين الزرقاوي وأتباع صدام حسين. ويعتقد المحلل شتاينبيرغ في استنتاجه أن هناك أسباباً مالية وراء خضوع الزرقاوي لإبن لادن، إذ يتطلع الزرقاوي إلى الحصول على تبرعات من أطراف عربية خليجية تمول القاعدة. غير أن الزرقاوي له أطماع كثيرة تتجاوز ما يقوم به في العراق، فهو يتصور نفسه الخليفة المحتمل لأسامة بن لادن.
وعلى العكس من بن لادن الذي لا يقود حرب جهادية من أجل تحرير فلسطين، يدعو الزرقاوي إلى تحرير فلسطين وهو بذلك يحاول كسب تأييد الفلسطينيين وكسب تعاطف الشارع العربي.
وهناك عدة عوامل مشتركة بين الرجلين، إذ يشتركان في السعي لقلب نظام الحكم. الزرقاوي يريد الإطاحة بالنظام الملكي في الأردن وبن لادن يريد الإطاحة بالحكم في المملكة العربية السعودية.
لا يعتقد المحللون أن الزرقاوي هو رجل بن لادن المطيع في العراق، كما أنه ليس غريماً له. كلاهما يتبع نهجاً مماثلاً وأهدافاً مشتركة، خصوصاً محاربة الولايات المتحدة. وكان الزرقاوي في محاولاته التقرب وإعلان الولاء لبن لادن يهدف إلى لفت الأنظار الدولية إلى نفسه. وليس من المنتظر أن يتنازل الزرقاوي عن استقلاليته بصورة نهائية لبن لادن. في المقابل يستفيد بن لادن من ولاء الزرقاوي الذي عيّنه «أميراً» على العراق ليغطي عجز القاعدة عن القيام بدور في العراق، إذ تسلط أنظار العالم على هذا البلد منذ مطلع العام . وهناك علامات قوية تشير إلى أن الزرقاوي يطمع في الحصول على تبرعات من بلدان عربية خليجية بواسطة القاعدة التي ترتبط بصلات جيدة مع عدد منها. كما يطمع الزرقاوي من خلال الانضمام إلى القاعدة باجتذاب أعداد من المقاتلين للمشاركة فيما يقوم به على أرض العراق، ويتركز التفكير بمقاتلين من السعودية والكويت واليمن.
كما تقوم العلاقة بين شبكة الزرقاوي والقاعدة على مواصلة العمل بإيديولوجية العنف. فكلاهما يسعى لإجبار الأميركيين على الانسحاب من العالم العربي والإسلامي، والإطاحة بأنظمة الحكم في الأردن والسعودية، إضافة لقلب أنظمة عربية أخرى وبناء الدولة الإسلامية من دون أن يكون لها حدود محددة.
يبقى القول أن شبكة الزرقاوي تبقى مختلفة عن القاعدة ولن يكشف الزرقاوي مبكرا عن طموحاته الواسعة في الوقت الحالي، لأن الظروف تحتم عليه الآن العناية بتقربه من زعيم القاعدة
العدد 882 - الخميس 03 فبراير 2005م الموافق 23 ذي الحجة 1425هـ