العدد 894 - الثلثاء 15 فبراير 2005م الموافق 06 محرم 1426هـ

المشهد الشعري الحسيني في البحرين... تاريخ وذكريات وليدة قرون طويلة

الباحث التاريخي سالم النويدري لـ "الوسط":

إن الناظر لصفحات التراث الحسيني عبر العصور يرى أن شعراء البحرين تركوا بصمات واضحة على الشعر الحسيني بنمطيه الفصيح والعامي.

ولاشك في أن الحديث عن جذور هذا التراث في أرض البحرين التي دخلت الإسلام عن قناعة والتي عرفت أيضا بولائها الراسخ لأهل البيت "ع" يتطلب كثيرا من الدراسة العلمية والجهد الموثق. "الوسط" فتحت "دفاتر الذكريات" مع الباحث التاريخي البحريني سالم النويدري الذي تحدث عن شعراء كربلاء الذين حفرت أسماؤهم في هذه الجزيرة.

ويؤكد النويدري في بداية حديثه الينا أن الحسين "ع" يمثل رمزا إسلاميا عاما وليس عدلا أن تدعي طائفة حكرها لهذه الشخصية العملاقة. وإنما هنالك الكثير من الشعراء من المسلمين وغيرهم الذين رثوا الحسين "ع" لكونه ملحمة إنسانية عملاقة أكثر منه انتماء إلى قوم من الأقوام.

ويرى النويدري أن علاقة البحرين بالحسين هي علاقة عقائدية على اعتبار أن الولاء لأهل البيت في هذه الأرض يعود إلى صدر الإسلام الأول، ومن المعروف أن كثيرا من رجالات البحرين الكبار من أمثال صعصعة بن صوحان وحكيم بن جبلة وغيرهما كثير يعدون في طليعة الموالين للإمام علي "ع" وكانوا من المنافحين عنه والناصرين له، بالإضافة إلى أن أهل البحرين من العبديين " نسبة إلى عبدالقيس" عرفوا بالولاء الصادق لعترة الرسول "ص" ودافعوا عن الإمام علي "ع" في معاركه كلها، ونصر بعضهم الإمام الحسين "ع" في كربلاء واستشهدوا بين يديه كبقية الأنصار في هذه الفاجعة ومنهم يزيد العبدي وعامر بن مسلم.

وساهم ذلك في بروز شعراء كثيرين في البحرين نصروا قضية ومظلومية كربلاء بألسنتهم منذ القرون الأولى مثل الأعور العبدي في القرن الثاني الهجري وكان لهم بروز في هذا الميدان، حتى قال الإمام الصادق "ع" في حق مصعب العبدي: "علموا أبناءكم شعر العبدي فإنه على دين الله".

الأرض تبكي عليهم

ولكن متى بدأ الرثاء الحسيني في البحرين؟ يجيب الباحث سالم النويدري قائلا:

- لقد بدأ رثاء الحسين "ع" مبكرا ولكن النماذج التي تتوافر بين أيدينا قليلة إذا ما قورنت بالكم الكبير من الشعراء الرثائيين، في العصور اللاحقة وخصوصا من القرن السادس عشر الميلادي فإن النماذج تبدو كثيرة.

ففي القرن السادس عشر الميلادي برز الكثير من الاعلام والذين من بينهم الشيخ علي بن حماد المتوفى في العام 1590م، فهذا الرجل يعد من الشعراء الكبار وله شعر كثير مدون في كتاب المنتخب للطريحي المعروف بـ "الفخري". وهذا الرجل مدفنه الآن في قرية باربار وقبره مشهور فيها ويقع في مسجد الشيخ علي بن حماد بالقرية. ومن شعره قوله في آل البيت"ع":

الأرض تبكي عليهم حين تفقدهم

لأنهم جعلوا للأرض أوتادا

وكذلك يتكرر المشهد ذاته في القرن السابع عشر الميلادي، فمن شعراء هذا القرن السيدماجد بن هاشم الصادقي الجدحفصي المتوفى في العام 1618م، وتتلمذ على يديه طلبة كثيرون ومنهم العالم الكبير الفيض الكاشاني. وله شعر كثير في الحسين "ع"، ومن أشهر شعره قصيدة مشهورة هذا مطلعها:

بكى وليس على صبر بمعذور

من قد أطل عليه يوم عاشور

ومن الاعلام البارزين في الشعر الحسيني في هذا القرن أيضا الشاعر أبوالبحر الخطي والمتوفى في العام 1618م، وله ديوان مطبوع بتحقيق السيدعلي الخطيب الهاشمي، ومن شعره في الحسين قوله:

معاهدهم بالابرقين هوامد

رزقن عهاد المزن تلك المعاهد

وينتقل النويدري إلى شعراء القرن الثامن عشر الميلادي في البحرين قائلا:

- من أشهر أعلام هذا القرن علمان هما: الشيخ حسن الدمستاني صاحب قصيدة "أحرم الحجاج" وهي قصيدة لها شهرتها الواسعة وتوفي في العام 1767م، واشتهر عند أهل البحرين بهذه القصيدة التي يعدها الكثيرون من القصائد الكبار، وقد يعدها البعض من الملاحم إلا أن الملحمة الشعرية بوصفها الدقيق وخصائصها قد لا تنطبق على هذه القصيدة التي قال الدمستاني في مطلعها:

أحرم الحجاج عن لذاتهم بعض الشهور

وأنا المحرم عن لذاتي كل الدهور

وله ديوان مطبوع يحمل مسمى "نيل الأماني" الذي قدم له الشيخ عبدالهادي الفضلي، وله قصيدة لا تقل عنها شهرة وهي القصيدة اللامية، وفيها يتحدث الدمستاني عن وصف المتقين ويخلص بعد ذلك إلى رثاء أبي عبدالله الحسين "ع"، ومن قوله في وصف المتقين:

ولا يسيل لهم دمع على بشر

إلا على معشر في كربلا قتلوا

أما الشاعر الآخر في القرن ذاته هو الشيخ عبدالنبي بن مانع، وهو من أعلام هذا القرن ولا يعرف على وجه الدقة تاريخ وفاته، ويعد أحد الشعراء الكبار المعتبرين عند أهل الاختصاص، ومن أبرز قصائده في الرثاء الحسيني قصيدته التي مطلعها:

قف بالمعالم بين الرسم والعلم

من عرصة الطف لا في عرصة العلم

وعن شعراء القرن التاسع عشر الميلادي يقول النويدري:

- في الحقيقة إن من أبرز الأسماء اللامعة في الشعر الحسيني في بحرين القرن التاسع عشر الميلادي هو الشاعر الشيخ إبراهيم بن محمد حسين آل نشرة الماحوزي، وهو جد أسرة التاجر المعروفة، وهو جد الشيخ سلمان التاجر الذي من شعره قوله ضمن قصيدة له في وصف أنصار الحسين "ع":

يتسابقون إذا دعوا لكريهة

فكأن قرع البض صوت منغام

وإذا هم سمعوا الصريخ تواثبوا

ما بين سابق مهره أو ملجم

ويضيف الباحث النويدري حديثه عن شعراء القرن التاسع عشر ولكن عن شاعر آخر هو السيدهاشم الصياح الذي يعود أصله إلى قرية سترة، وقبره مشهور في قرية الكورة. واشتهر الصياح بقصيدته المعروفة في ذكرى الأربعين "مرور أربعين يوما على واقعة عاشوراء"، والتي مازال يترنم بها خطباء المنبر الحسيني اليوم في هذه الذكرى والتي يقول في مطلعها:

قم جدد الحزن في العشرين من صفر

ففيه ردت رؤوس الآل للحفر

موسوعة أعلام البحرين

وماذا عن القرن العشرين؟ يركز الباحث النويدري في ذاكرته على شاعرين بارزين، هما الشيخ سلمان التاجر المتوفى شابا في العام 1922م، وهو من الشعراء المشهورين في مضمار الشعر الحسيني، وله مؤلفات ذكرها أخوه البحاثة محمد علي التاجر ضمن ترجمته في كتابه المعروف "منتظم الدارين في أعيان البحرين"، ومن تلك المؤلفات أيضا رسالة في أسرار اللغة العربية وكذلك كتاب "شرح المزمور الخامس والأربعين" من كتاب المزامير "كتبه لمناهضة المد التبشيري آنذاك التي تزامن مع وصول مبشرين غربيين إلى البحرين إضافة إلى تأسيس مستشفى الإرسالية الأميركية الذي عده بعض الباحثين بؤرة للتبشير للمسيحية". وشرع المرحوم الشيخ سلمان التاجر بكتابة موسوعة في تراجم أعلام البحرين، إلا أن الأجل لم يمهله لتنفيذها فقام أخوه البحاثة محمد علي التاجر بإكمال هذا المشروع، ومن المفارقة أن غالبية شعره قد ضاع لعوامل عدة كما يذكر أخوه.

ويستدرك الباحث النويدري قائلا:

- على رغم ذلك فإن الشيخ حسين بن علي البلادي قد جمع كثيرا من شعره في كتابه المسمى بـ "رياض المدح والرثاء". وله قصائد كثيرة في رثاء الإمام الحسين "ع" والتي منها القصيدة التي قال الشيخ التاجر في مطلعها:

ما للمنازل قد عفت والارسم

تسفى بها هوج الرياح وتنسم

ومن أبرز الشعراء البحرينيين في هذا القرن أيضا الحاج طه العرادي المتوفى في العام ،1943 وله ديوان شعر أعمل شخصيا على تحقيقه الآن. وشعره يمتاز بالألفاظ الجزلة، وحاول أن يقتفي فيها آثار كبار الشعراء في العصور والأزمنة السابقة. ومن شعره في الرثاء الحسيني قوله في إحدى قصائده:

لعمر أبي إن يغدر الدهر جانبي

فقد غدرت بابن النبي طغامها

فلله يوم جندت فيه جندها

وجاش عليها بالطفوف لهامها

تروم قتالا أو يبايع ضارعا

لطاغ فقد ضلت وخاب مرامها

هيكلية القصيدة الحسينية

وينتقل النويدري إلى ضفة أخرى قد لا تقل في أهميتها عما سبق من حديث، ألا وهي هيكلية القصيدة الحسينية وما الذي يميزها من خواص في البحرين.

يقول النويدري:

- كما هو شأن أمهات القصائد في الشعر العربي فإن القصيدة الحسينية تبدأ عادة بالوقوف على الأطلال وتذكر الأحبة، فالشاعر يصور الحسين بالحبيب الذي فارق أحبته، وقد تطول تلك الأبيات الطللية حتى يتصور القارئ أن الشاعر رمى إلى الغزل في قصيدته.

بعد ذلك يقوم الشاعر بالتخلص إلى رثاء الإمام الحسين "ع" ثم ينتقل الشاعر بعد ذلك إلى وصف شجاعته ومواقفه البطولية وأخيرا يتحدث عن مأساة ما بعد الواقعة وخصوصا ما حل من نوازل عظام بالهاشميات وبنات المصطفى "ص" يعرج فيها غالبا على سرد آهات تلك الرحلة الحزينة لتلك الفاضلات من كربلاء إلى الكوفة ثم الشام وعودة سبايا الركب الحسيني إلى كربلاء وصولا إلى المحطة الأخيرة وهي المدينة المنورة. ويختتمها بإهداء القصيدة للحسين "ع" وذكر اسمه في بعض أبياته الأخيرة، وفي بعض الأحيان قد يدخل الشاعر إلى مرحلة الرثاء مباشرة دون الحاجة إلى مقدمة طللية.

ويفسر الباحث النويدري سر انتشار قصائد بعينها من دون سواها على رغم كثرة القصائد المتشابهة والتي تصب في مجرى واحد بقوله:

- في الواقع إن لكل شاعر من الشعراء ظروفه الخاصة التي تنبع من نزعات ذاتية أو من عوامل محيطة به، فعلى سبيل المثال لا الحصر أن قصيدة "أحرم الحجاج" للشيخ الدمستاني منتشرة كانتشار النار في الهشيم في مجالس العزاء الحسينية في البحرين بل وفي دول الخليج والمنطقة أيضا، فهي رائجة في دول كالعراق وإيران، ومازال الخطباء ينشدونها في مختلف المناطق.

ولابد أن هنالك خصائص أخرى للشعر الحسيني أيضا والتي أهمها العاطفة الجياشة التي تسهم في توسع انتشار القصيدة في مساحات أكبر وفضاءات أرحب. ووفقا لأهل الاختصاص في مجال الشعر فان للقصيدة خصائص عدة قد تحولها إلى ترنيمة على كل لسان، وهي خصائص منها جزالة اللفظ وشفافية الإيحاءات وذات معان مفتوحة.

حفظ التراث الحسيني

أما على صعيد الشعر العامي فان الباحث سالم النويدري يوضح:

- من الصعوبة بمكان تحديد الفترة التي ظهر فيها الشعر العامي أو الشعبي في البحرين ولاسيما على مستوى الشعر الحسيني.

ولعل من أقدم شعراء الشعر العامي الحسيني في البحرين هو الشيخ عبدالنبي بن مانع، فعلى رغم بروز نجمه في الشعر القريض فإن له شعرا عاميا لم يسعفني الوقت للاطلاع عليه، ولكن من بين الشعراء المتميزين في هذا النمط هو الشاعر ملا علي بن فايز الذي يعتبر من أعلام القرن التاسع عشر الميلادي، وله ديوان مطبوع بعنوان "الفائزيات الكبرى"، وهناك شاعر قرين له وهو الحاج أحمد بن عباس العالي، وكان التنافس بينهما في نظم الشعر على أشده، ذكر ذلك الشيخ إبراهيم المبارك في كتابه المخطوط "ماضي البحرين وحاضرها"، وأشار إلى أن الأول منهما يمتاز بشعر البديهة، فيما يمتاز الشاعر الآخر بشعر الروية.

ويتابع النويدري قائلا:

- ومن الشعراء العامين بعدهما تأتي طليعة من الشعراء والذين من ضمنهم ملا علي بن سليم السهلاوي، وله ديوان مطبوع. أما الشاعر العامي الآخر فهو الخطيب الحسيني المعروف ملا عطية بن علي الجمري صاحب ديوان "الجمرات الودية" وهو معين لا ينضب في هذا المجال، بحيث أن خطباء المنبر الحسيني لايزالون حتى يومنا هذا يترنمون بأبياته، كما أن له ديوانا آخر بالشعر الفصيح لم يطبع حتى الآن.

وهنالك شعراء معاصرون متميزون في مضمار الشعر الحسيني ومنهم الشيخ عباس الريس، وله ديوان مطبوع إضافة إلى الشيخ عبدالأمير الجمري وهو يعد من الشعراء المتصدرين في هذا الجانب، وشعره محفوظ في ديوانه "عصارة قلب"، ومنهم أيضا السيدمحمد صالح الموسوي وله شعر فصيح وعامي وهو مكثر فيهما، بجانب الخطيب الشاعر ملا محمد جعفر العرب الذي له ديوان شعر قيد الطبع.

هل هناك من يتحمل صون وحفظ هذا التراث الحسيني من الاندثار والضياع؟

يرى الباحث النويدري أن:

- جمع هذا التراث ينبغي أن يتصدى له أهل الاختصاص، وضمن خطة علمية مدروسة. فالتراث يعاني من آفتين رئيسيتين: أولهما الإهمال والضياع، والآفة الأخرى أن يتصدى له من لا دراية له في هذا الحقل

العدد 894 - الثلثاء 15 فبراير 2005م الموافق 06 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً