العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ

... وأرادنا الحسين حسينيينة

بعض الناس يتصورون أن عاشوراء الحسين "ع" مسألة تعبدية محضة، وشهادة الحسين "ع" شأن منفصل عن واقعنا المعاش في أبعاده الاجتماعية والثقافية والسياسية ولا علاقة تربطها - أي شهادة الحسين "ع" - بواقع الأمة الإسلامية وهمومها وقضاياها المصيرية. هذا الفهم الساذج لكربلاء الحسين "ع" يجعل الكثيرين ينظرون إلى عاشوراء على أنه موسم لابد ألا يتسم بغير المجالس الحسينية المأسوية والمواكب الحسينية التقليدية وما يرافق كل ذلك بالصورة المطابقة لما عاش الآباء من اقتصار على استذكار المأساة في إحياء عاشوراء، وهذه النظرة تثير في الناس أن ينظروا لبني أمية على أنهم الشجرة الملعونة في التاريخ التي لا شبيه لها في الواقع، والمأساة الحسينية لا علاقة تربطها بالأمة بقدر ما هي خصوصية قدرت للحسين "ع" لإمامته وقرابته من الرسول الأكرم "ص"، من دون أن تربط هذه النظرة حركة الحسين "ع" وشهادته بالمشروع الإسلامي الكبير الذي أسسه الرسول الأعظم "ص" وتناوله منه علي "ع" ليسلمه إلى الحسن"ع" وليتسلم مسئولياته بعد ذلك الإمام الحسين"ع".

هذه النظرة الساذجة لعاشوراء الحسين "ع" التي تخرج عن أفق المأساة لا يمكنها أبدا أن تستوعب هدفية كربلاء ودورها في رسم ملامح الدين الإسلامي الذي حفظه الحسين وأكد شعائره، فالحسين "ع" ترك فريضة الحج من دون أن يكملها ولكنه بثورته حفظ هذه الفريضة في مشاعرها وأورادها وما تختزنه من دلالات تحيي بها الإنسان وترقى بإنسانيته، والحسين "ع" انشغل بالخطابة والسفر والمواجهة عن المبالغة في التعاطي مع عبادة الصلاة كما كان شأن عبدالله بن عمر ولكنه من جهة أخرى حفظ بثورته قيمة الصلاة وأسرارها وأكدها كفريضة واعية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتغضب لله وترضى لرضاه. وعلى هذا كانت شهادة الحسين "ع" تجاه جميع المشاعر والفعاليات والتوجيهات الدينية والدنيوية... حفظها كلها وعظم من شأنها ومدها بالمناعة التي تلزمها لتتجاوز كل المشروعات الأموية والطاغوتية التي أرادت أن تفرغ الإسلام المحمدي من معانيه لكي لا يعرفه الناس أو أنهم يعرفونه إسلاما أمويا لا يختلف كثيرا عن النصرانية المحرفة أو اليهودية المضيعة. فالحسين "ع" إذا كنا نريد أن نحيي ذكراه بالصورة التي تصيرنا أحياء معه لابد أن نحيي إلى جانب المأساة في ذكراه وعيه وبصيرته وحس المسئولية الكبير لديه. فلا جدوى لإحياء المأساة من دون عقل ينطلق بها ولا جدوى بتعقل لا يتوافر على العواطف التي تحركه وتثيره وتدفعه إلى الأمام. فالحضور الحسيني لا يتحقق في واقعنا لرشادنا ونهضتنا إلا من خلال استيعاب الحسين "ع" كعنوان حياة متكامل يستوعب الوعي والتعقل من جهة، ويستوعب العاطفة والمأساة من جهة أخرى. وآنذاك يمكننا أن نصبح الحسينيين كما أراد الحسين.

حسين محمد الصباغ

العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً