رسم رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون بمصادقة حكومته على مسار "الجدار العنصري المعدل" وتطبيق خطة فك الارتباط، الحدود الشرقية لـ "إسرائيل"، وهو مخطط لموت القدس العربية. وكانت تلك الحكومة صادقت قبل ثمانية أيام على المسار المعدل لجدار الفصل العنصري بتأييد 20 وزيرا ومعارضة الوزير يسرائيل كاتس وامتناع الوزير نتان شيرانسكي إذ يضم الجدار العنصري إلى "إسرائيل" نحو 10 في المئة من أراضي الضفة الغربية المحتلة ويحاصر أكثر من مئتي ألف فلسطيني بينهم فلسطينيو القدس العربية المحتلة.
كما صادقت الحكومة الإسرائيلية الأحد الماضي على خطة فك الارتباط القاضية بإخلاء المستوطنات كافة في قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية إذ أيد قرار تطبيق خطة فك الارتباط 17 وزيرا فيما عارضه خمسة وزراء جميعهم من حزب الليكود.
وأكد رئيس قسم الجغرافيا في جامعة بن غوريون الإسرائيلية في بئر السبع المتخصص في موضوع الجغرافيا السياسية أورن يفتاحئيل أن المعلومات بشأن الجدار غير دقيقة وان الجدار العازل يشمل في جانبه الغربي الإسرائيلي نحو 10 في المئة من مساحة الضفة الغربية وان التقارير التي تنشرها وسائل الإعلام الإسرائيلية غير دقيقة وهي مسيسة بكل تأكيد كونها لا تأخذ في الاعتبار القدس الشرقية العربية ونحو ربع البحر الميت وهما منطقتان تابعتان للضفة الغربية.
وأكد أن الحديث عن 7 في المئة أو 10 في المئة من أراضي الضفة لا يغير من حقيقة أن بناء الجدار في الأراضي الفلسطينية هو عمل غير قانوني و"إسرائيل" لا تملك الحق للقيام بذلك كما أكدت محكمة العدل الدولية في لاهاي وانه من ناحية القانون الدولي فإن بناء الجدار مثله مثل بناء المستوطنات التي تعتبر جريمة حرب وفقا للقانون الدولي. وقال إن مصادقة الحكومة الإسرائيلية على مسار الجدار العازل يشكل مسا خطيرا للغاية بالفلسطينيين وسيضع صعوبات جدية أمام قيام دولة فلسطينية سيما وان بناء الجدار سيتسبب باستمرار المواجهات بين "إسرائيل" والفلسطينيين، مبينا أن ثمة جانبين مهمين لبناء الجدار العازل الجانب الأول جغرافي والجانب الثاني سياسي وانه من الناحية الجغرافية فإن الجدار يقسم الضفة الغربية إلى قسمين بسبب مخطط ربط مستوطنة معاليه ادوميم في القدس.
وأضاف انه على رغم شق طريق التفافية بين رام الله وبيت لحم فإن هذه الطريق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية وبامكان "إسرائيل" إغلاقها متى تشاء وان الجدار يقسم الأراضي الفلسطينية إلى كانتونات هي غزة والخليل ورام الله مع المناطق الواقعة شمالها.
وأضاف يفتاحئيل أنني أطلق على هذا المخطط اسم مخطط موت القدس العربية لأنه يهدف إلى فصل القدس العربية عن محيطها الفلسطيني، إضافة إلى أن الجدار يحتجز داخل القدس عددا كبيرا من الفلسطينيين "أكثر من 200 ألف نسمة" من دون أن تكون لهم جنسية وعزلهم عن مواردهم الروحية والمادية في الضفة الغربية، وانه من الناحية السياسية يصعب أن يصدق أحد بأن يوافق أي زعيم أو أي شعب على نهب أراضيه من خلال الجدار العازل. موضحا "اعتقد أن التسوية السلمية لا يمكن أن تتم من دون انسحاب "إسرائيل" من الأراضي الفلسطينية كافة وتعويض الفلسطينيين بأراض ذات نوعية مماثلة هو حل معقول ولكن تبقى هنا مشكلة تقطيع أوصال الضفة الغربية ومشكلة القدس العربية". وقال رئيس قسم الجغرافيا إن خطة فك الارتباط سوية مع الجدار تعرقل عملية سلمية محتملة بدلا من أن تكون خطوة باتجاه السلام.
ولفت يفتاحئيل إلى قضية أخرى وهي المستوطنات الإسرائيلية التي لا يشملها الجدار وستبقى إلى الشرق منه مثل مستوطنات كريات أربع قرب الخليل وعوفرا وبيت أيل قرب رام الله وألون موريه وعيلي قرب نابلس. وأشار إلى انه لم يتحدث أحد من المسئولين الإسرائيليين عما سيحدث لهذه المستوطنات وما هو مصيرها، مبينا أن خطة فك الارتباط تتضمن جانبا ايجابيا وهو تفكيك المستوطنات وهذه سابقة مهمة ويتوجب عدم الاستهانة بها، إلا انه رفض في الوقت ذاته اعتبار خطة فك الارتباط تشكل نهاية الاحتلال، وقال "سنشهد الآن احتلالا أكثر ذكاء وهو ما كان يسعى إلى تحقيقه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود باراك".
وذكر أن الوضع في الأراضي الفلسطينية يمكن وصفه بزحف الابرتهايد إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وان "إسرائيل" لا تعلن عن حالة التفرقة العنصرية الناشئة في الأراضي الفلسطينية. من جانبه، قال المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية ألوف بن إن الأمر الأهم الذي تحدده قرارات الحكومة هو "موروث شارون" في رسم حدود "إسرائيل" والحقائق السياسية التي سيخلفها وراءه.
وأكد بن أن القرار الأهم بين الاثنين هو ذلك المتعلق بإقرار مسار جدار الفصل العنصري كونه سيضع إشارة بخصوص الحدود الشرقية لـ "إسرائيل" وسيكون الحدود التي ستفصل في المستقبل بين "إسرائيل" والدولة الفلسطينية العتيدة. واعتبر الكاتب انه بعد ضغوط دولية وتدخل الجهاز القضائي الإسرائيلي أصبح خط شارون يسير في أعقاب سلفه باراك لافتا إلى أن الملاحظة الواردة في القرار المتعلق بجدار الفصل العنصري بأن الجدار هو وسيلة أمنية مؤقتة لمنع الهجمات ولا يعبر عن حدود سياسية أو غير ذلك ليست سوى ملاحظة تحذيرية التي يستخدمها محامون وليست أكثر من ذلك ما يؤكد أنها عديمة القيمة. وأضاف بن أن شارون يحاول إعطاء شيئا ما للجميع وللقوى السياسية في وسط الحلبة السياسية الإسرائيلية الداخلية منح شارون "مغادرة غزة" وهي الفكرة التي تحظى بشعبية كبيرة ومنح وزراء العمل تقريب الجدار من الخط الأخضر وخصوصا في مقاطعه الجنوبية ولأعضاء الليكود المعتدلين منح شارون جدارا محيطا بالكتلتين الاستيطانيتين غوش عتصيون ومعاليه ادوميم وللأميركيين منح شارون القرار غير المسبوق بإخلاء مستوطنات وللفلسطينيين منح شارون المناطق القريبة من مستوطنات نافيه دكاليم ونيتساريم في قطاع غزة وغنيم في شمال الضفة والأسرى والمدن التي سيتسلمها الفلسطينيون هذا الأسبوع.
ونقل بن عن مصادر في مكتب شارون قولها إن مسار الجدار تم عرضه على المسئولين في البيت الأبيض وهؤلاء لم يقدموا ملاحظات وانه بحسب اللغة الدبلوماسية فإن هذا يعني أن المسار مقبول على الأميركان وان لم يعلنوا تأييدهم له علنا وان شارون أرجأ إقرار مسار الجدار المعدل واحضره إلى الحكومة بالتزامن مع إقرار خطة فك الارتباط وذلك بهدف تحييد انتقادات ممكنة من جانب واشنطن.
وذكر الكاتب أن الأميركيين يخشون من انقطاع التواصل الجغرافي الفلسطيني وخصوصا في منطقة الكتلة الاستيطانية ارييل ومخطط ربط معاليه ادوميم بالقدس المعروف باسم مخطط "ايه-1". وأضاف ان شارون يتقدم في تنفيذ "ايه-1" بصمت ويأمل أن يكتفي الأميركيون والفلسطينيون بطريق شرقية توصل رام الله مع بيت لحم من خلال شريط ضيق بين معاليه ادوميم وأريحا
العدد 906 - الأحد 27 فبراير 2005م الموافق 18 محرم 1426هـ