العدد 2890 - الأربعاء 04 أغسطس 2010م الموافق 22 شعبان 1431هـ

رسم صورة أكثر انفتاحاً لتركيا

مارك فان يتير - فنان ومدير صالة ماركيز للرقص، وهي مساحة فنية مستقلة في اسطنبول، والمقال ينشر بالتعاو 

04 أغسطس 2010

إذا نظرنا إلى صورة شخصية الفن العالمي اليوم لاحظنا ناحية تبرز بشكل واضح، يشهد خط سريان الفن الحديث، الذي يبقى مركّزاً في شمال غرب أوروبا والولايات المتحدة، يشهد تحولاً في المحور. أصبحت دول استثنيت منذ فترة طويلة من المشاركة مثل تركيا تتوق لتثبيت نفسها كلاعبة في صناعة الفن.

فتحت العديد من مراكز ومتاحف ومعارض الفنون ذات الأهمية أبوابها في تركيا خلال العقد الأخير، ويبدو أن هذا التوجه يزداد قوة واندفاعاً. وقد فعلت هذه المؤسسات الكثير لكشف تقاليد تركيا في الفن الحديث، ومركزها اسطنبول.

ويبرز من بين هذه المراكز مجمع الفنون والثقافة المدعو «سنترال اسطنبول» الذي عقد مؤخراً معرضاً استذكاريّاً نُظّم بشكل رائع للفنان التركي يوكسل أرسلان البالغ من العمر 76 سنة.

عاد الفنان الذي يعيش في منفاه الذاتي في باريس لتجنب الرقابة على مواضيعه الاشتراكية والمتهكمة الناقدة في أعماله، التي تركز على الطبقة العاملة، عاد إلى تركيا العام 2009 لعرض استمر لمدة سبعة شهور.

وفي مايو/ أيار 2010 استضافت مساحة عرض جديدة اسمها «غاليري رامبا» عرضاً كبيراً لأعمال جنكيز تشيكل، الفنان الذي يعود إليه فضل إنشاء الفن التشكيلي في تركيا، والذي يعكس عمله التوترات السياسية والاجتماعية قبل انقلاب العام 1980 العسكري.

ومن المعارض المثيرة للانتباه «غاليري باس» التي قدمت مؤخراً عرضاً لمجلات وأعمال «كوريدور» وهي مجموعة من الفنانين عملوا بين الأعوام 1988 و1995. لم تظهر أعمال بعض هؤلاء الفنانين إلا الآن في معارض التيار الرئيس في تركيا.

إلا أن هذه الحركة مازالت صغيرة، إذ لم تبدأ هذه المنتديات والمنابر للبحث الفني ونشر الأعمال الفنية بالظهور إلا الآن، حيث بدأ الجمهور التركي باحتضان حركاته الفنية.

وإذا أخذنا بالاعتبار الإنجازات العظيمة في مجال الفن الحديث في الغرب، فمن الواضح أن الفنانين الذين هددوا القيم المجتمعية والثقافية الراسخة هم الذين كانت لهم أهم المساهمات.

تحوّل فنانون غربيون مثل الألماني جوزيف بيوز، والذي يعتبر واحداً من أهم فناني القرن العشرين فكره إلى أنه يجب اقتصار الفن على صنع الأشياء الملموسة. وقد قام بتطوير فكرة «النحت الاجتماعي»، ورأى المجتمع نفسه كعمل فني معقد يشارك كل فرد في إيجاده. قام بيوز على سبيل المثال، ومن أجل إبراز الوعي البيئي والتغيير الاجتماعي بزرع 7000 شجرة بلوط في كاسل بألمانيا بمساعدة متطوعين. رافقت كل شجرة صخرة من البازلت شكّلتا معاً منحوتة عنوانها «7000 بلوطة».

وبالمثل، استخدمت مجموعة من الفنانين والكتّاب الأتراك الفن الحديث لتحدي جريمة قتل هرانت دينك، رئيس تحرير الصحيفة التركية الأرمنية «أغوس»، وهو من أنصار حقوق الإنسان. قام الفنانون بتغطية أنفسهم بالجرائد ليخلقوا عملاً فنياً بالحجم الطبيعي، واستلقوا في الشوارع حيث اغتيل «دينك» بالرصاص، احتجاجاً على موته وعلى الخلاف المحيط بتغطية صحيفته لوجهات نظر المجتمع التركي حول قتل الأرمن العام 1915 بيد القوات العثمانية.

ولكن حتى يتسنى فهم الاهتمام الأخير بالفن التركي الحديث يتوجب على المرء أولاً أن يدرس تاريخ الدولة الحديث.

وقع آخر انقلاب عسكري في تركيا العام 1980. استخدم الجيش الذي يحمي بقوة وإخلاص النظام العلماني أساليب عنفية، مثل تهديد الصحافيين واغتيال المفكرين اليساريين بهدف الحفاظ على النظام العلماني أثناء السنوات التي أدت إلى، وتبعت انقلاب العام 1980. وفي غياب أية مساحة لتحدّي الوضع القائم، بقي النشاط الفني الحديث في تركيا تحت الأرض لمدة طويلة.

ومنذ تأسيس الجمهورية لم تسنح الفرصة ولم يتوافر المَخرَج لأن يكون المرء ناقداً بشكل مفتوح للدولة العسكرية. استمرت الجمهورية بالنهج العثماني بدعم الفن، مبدئياً كأداة لتعزيز الشعور الوطني، وهذا واضح في العدد الواسع من الصور الشخصية والتماثيل التي تم التكليف بإعدادها، لمؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.

إلا أنه ونظراً لسياسات جديدة تتعلق بطلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وانفتاح عالمي أعظم عبر الإنترنت، شهد العقد الأخير ظهور مجتمع أكثر انفتاحاً للحوار والجدل حول قضايا اجتماعية وسياسية متنوعة. أصبح المجتمع التركي اليوم أكثر قابلية لمواجهة ماضيه الوحشي. أصبحت مواضيع لم يكن من المسموح الخوض بها مفتوحة اليوم للجدل.

أرى هنا الأمل الأكبر بظهور مجتمع تركي أكثر انفتاحاً، يعمل باتجاه مستقبل نشط منفتح. وبفضل بيئة تشجّع أكثر على الحوار المفتوح، يبدو أن هناك اليوم مؤسسة لتشجيع الفن التركي الحديث على الازدهار.

العدد 2890 - الأربعاء 04 أغسطس 2010م الموافق 22 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً