كنت في ذلك اليوم وفي أحد الأماكن العامة أقف مثلي مثل كل الناس، والغريب في الموقف ليس وقوفي! بل هذا شيء طبيعي جدا كوني أنتمي الى بني البشر في هذا البلد ومن عادتهم أن يقفوا ويتعطلوا في كل مكان يتجهون له. .. فلربما أقف في طوابير الإدارات الحكومية أنتظر مدير القسم أو رئيسه إلى أن يكمل شرب الشاي من عند زميله... ولربما طابور الخباز الذي هو الآخر صار يميز ناسا عن ناس ويتسبب في تعطيلنا أو طابور أنتظر من خلاله دوري في المصرف بسبب أن الموظفين الموجودين أقل بكثير من المفروضين. السالفة وما فيها وعندما كنت واقفا في ذاك المكان المسمى "العام"، وعندما أشعل أحدهم سيجارته المراهقة وظل ينفثها يمنة ويسرة... طبعا ذاك المكان كان شبه مكتض... اتبعت معه الأسلوب "المحترم" في تبيان انزعاجي وتذمري وعدم رضاي مما يحصل من نفثه إلى ذاك السم القاتل من سيجارته اللعينة... فأعطيته نظرة بائسة أولا ونظرة مقرونة بتكشيرة ثانيا.. وتأفف مسموع ثالثا... وظليت على هذه الحال حتى تجرأت "على غير عادتي" وطلبت منه أن ينفث دخانه على الأقل في جهة غير التي أوجد فيها أنا... أملا في "إشعال" حاسة الإحساس لو كانت موجودة عنده ليطفئها... ولكن هيهات... فقد واصل غير مبال ولا مكترث... حتى تجرأت ثانية وطلبت منه وبعصبية مقرونة بتهديد ووعيد "على غير عادتي أيضا" بأن يبتعد عني ليدخن في مكان آخر... فماذا تعتقدون رد هذا الاخ على جميع المراحل "المحترمة" التي اتبعتها إياه الى أن "طفرت روحي"... "هذا مكان عام ومن حقي أن أعمل ما أشاء"! حدث بسيط... بل عابر جدا ليس من المفروض أن يكون حدثا عاديا... ولكن للأسف فإنه كذلك... إذ اختلط الحابل بالنابل... ولم يصبح الحق العام معروفا لدى فئة كبيرة من الناس... كثيرون "يتوهمون" بأن الحق العام هو حق مطلق لهم... لربما يسمحوا لنفسهم أن يمارسوه ولكن متى ما وصلت إلى غيرهم ليمارسها عليهم... فهنا تكمن المصيبة! فهم يرضون بهذا "الحق" "لهم"... ولا يرضونه "عليهم"! هو الحال بالضبط يتكرر في مجالات كثيرة، سواء أكانت على مستوى الوظيفة أو على مستوى الأفراد الذين نحتك ونتعامل معهم كل يوم... ولكن ماذا يجب علينا أن نفعل إذا كنا من هؤلاء الأفراد! أو أحدهم كان محيطا بنا؟ في اعتقادي كل ما علينا فعله هو أن يكون لنا خط رجعة من خلاله نتمكن من التأقلم مع الآخر... وهذا الخط يكون مرنا قليلا حتى نستطيع أن نتوافق والآخرين في التعامل، وإلا ستصبح حياتنا كلها مشادات و"هواش" لا سمح الله، كون الحق العام أحيانا يكون نسبيا... أو يفسره بعضهم على هواه ومزاجه، وباختصار... أحيانا الحق العام يعتبر سبيلا
العدد 943 - الثلثاء 05 أبريل 2005م الموافق 25 صفر 1426هـ