الإنسان الذي ينبض قلبه بالإيمان، دائما يشغل فكره وقلبه آناء الليل وأطراف النهار في مشروعات تنهض بالأمة أخلاقيا وأدبيا ودينيا من دون أن يرجو من وراء ذلك الشكر من المخلوق بقدر ما يطمح إلى أن يكون له قدم صدق عند مليك مقتدر، ليستظل بظله يوم لا ظل إلا ظله، ولا يحيد عن تحقيق هذا المطلب قيد أنملة، ويجعل من الاختلاف في الأمة رحمة ووئاما وتآلفا ومحبة ومودة واعتصاما بحبل الله المتين، لأنه يعلم حق اليقين أن التمسك بالأوامر الإلهية حتما سيكون سببا قويا ليرتقي بنفسه وبمجتمعه بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لأنه يعلم العلم الأكيد أن المؤمن الصادق والأمين على دينه، لابد أن يكون رحيما عطوفا حنونا على أقرانه من البشر مهما اختلف معهم في أية مفصلة من مفاصل الحياة، ويعلم أن من يتصف بصفة الإيمان الحقيقي سيكون رمزا للإنسانية الراقية، يعلم أن الإيمان بالله يجعله لا يغدر ولا يفجر ولا يعتدي ولا يفتك بالآخرين ولا يرعب الآمنين ولا يسلب البسمة من ثغور الأطفال ولا يهتك أعراض النساء، لأنه يعلم ان تلك الأفعال لا تنم إلا من البعد عن الرحمة الربانية، ويعلم العلم اليقيني أن ممارسة الموبقات بكل أصنافها توهن الدين وتشوهه في أعين الجاهلين بحقيقته، ولا يتوانى أبدا في فعل الخير ويتسابق في الأعمال التي تعز بها الأمة، وليس في قاموسه البغض والكراهية لأحد.
تراه يحمل على عاتقه نشر الأمل والتفاؤل بين بني البشر، يسعده إذا ما رأى الناس في محبة ووئام وتآلف وتجمعهم مظلة واحدة لا يفرقهم لون ولا جنس ولا نسب، لأنه يعلم يقينا أن أكرمهم عند الله أتقاهم، لم يتأت لأية شخصية إلا بعد تغلغل الإيمان الواعي بحقيقته الناصعة في أعماقه وأصبح كالدم الذي يسري في عروقه، وسيكون دائم الانشغال بنفسه يراقبها ويصلحها إذا مالت حتى لا تبتعد عن الألطاف الإلهية، ويجعلها تسبح في ملكوت الواحد القهار، لأنه يعلم أنه لو تركها سيسمح للخطط الشيطانية أن تخلخل الركائز الخيرة في نفسه، ويعلم أن تداعيات السقوط هلاك لنفسه وللناس كافة.
في أيامنا الحاضرة نحن بحاجة ماسة إلى شخصية حاضرة بوعيها وبإيمانها العميق في أوساطنا لتخلق لنا حياة مفروشة بالورود تفوح منه الروائح الطيبة لينثر على رؤوس الناس... كل الناس... المحبة والمودة، وها نحن في أيام الرسول "ص" الذي أخرج الناس من ظلمات البغض والكراهية إلى نور المحبة والوئام، فتجعل الأمة من اختلافها في مولده رحمة ووحدة بينها، ورحم الله تلك النفس التي تجعل من الاختلاف وحدة للمسلمين في كل مكان وفي كل زمان، فلترفع الأمة كل اختلافاتها أمام هذه المناسبة العظيمة وتبدأ في توحيد صفوفها، لتكون نبراسا يهتدى بها، ولتكون رحمة للعالم وليس نقمة.
مناسبة تلتف حولها الأمة بكاملها لابد أن تخرج برؤى خيرة تنعكس على كل البشرية، كيف لا ونحن نحتفل بأقدس إنسان على وجه الأرض، الذي كان همه سعادة هذا الإنسان والحفاظ على نفسه وماله وعرضه، وها هي وصاياه في هذا المجال كثيرة وما علينا إلا أن نتصفح في بطون الكتب للتعرف على صاحب القلب الكبير الذي استوعب كل الإنسانية من دون استثناء... نحن بحاجة ماسة إلى أن نرجع إلى منقذ البشرية لنستلهم منه السجايا النورانية لنسعد بها ونسعد الآخرين، ليس في قلب النبي الأكرم "ص" إلا الدعاء إلى هذه الأمة "اللهم اهد قومي أنهم لا يعلمون"، إنهم لا يعلمون أن الدين المعاملة الحسنة مع الآخرين، انهم لا يعلمون أن الدين نشر الخير في أوساط الناس، إنهم لا يعلمون أن الاعتداء وقتل النفس المحترمة ابتعاد عن الدين، إنهم لا يعلمون أن ما يقومون به من أعمال إرهابية تغضب الله ورسوله، وإنهم لا يعلمون أن من قتل نفسا بغير حق كأنه قتل الناس جميعا، إنهم لا يعلمون أن من اقترف ذنبا صغيرا ضد أخيه الإنسان يحاسبه الله يوم القيامة حسابا عسيرا وسيخرجه من رحمته إن لم يغفر له ما اقترف من الذنب، فكيف لو ارتكب جرما كبيرا والعياذ بالله؟ وإنهم لا يعلمون أن من علامات المؤمن أن يحب للناس ما يحبه لنفسه. أمل يخالج نفوسنا أن نرى أمتنا عارفة بدينها وأن تكون مصدرا للخيرات والبركات، وليس مصدرا لإراقة الدماء وبث الرعب في قلوب الآمنين، ونسأله - جلت عظمته - أن يهدينا إلى الصراط المستقيم ويبعد عن كل البشر الأبرياء في عالمنا الواسع شر الأشرار وطوارق الليل والنهار، آمين رب العالمين.
سلمان سالم
العدد 958 - الأربعاء 20 أبريل 2005م الموافق 11 ربيع الاول 1426هـ