العدد 958 - الأربعاء 20 أبريل 2005م الموافق 11 ربيع الاول 1426هـ

سنوات حافلة بالنضال والتضحية...!

محمد حسين نصرالله...

يا من كنت معي في الأسواق تطوف. .. وأحلامك ملء البحر، وفي عينيك قوارب صيادي الأمس وعمال اليوم وأشعار المستقبل، يا غصنا مزروعا في راحات المكدودين المنهوبين المتحفين برايات الوطن الأكبر، اليك سلامي مشفوع بملايين القبلات، وأزهار من قلبي لك في هذا الوطن القابع في داخلك المتعب، يا فارسنا بالأمس، ويا فارسنا اليوم، ويا وردا نحفظه للمستقبل خذنا في ساعات الحزن الأبدية أطفالا تتراشق بالقبلات الخضراء.

"الرفيق الشهيد سعيد العويناتي"

على مدار الخمسين عاما قدم شعبنا تضحيات كبيرة وغالية إذ سقط الكثير من الشهداء الأبرار من مختلف مناطق البحرين واعتقل الآلاف من أبناء الوطن وأعداد كبيرة من مناضلي جبهة التحرير الوطني البحرانية مازلنا نتذكرهم ونترحم لشهدائنا ونخلدهم ونكرمهم أحسن تكريم.

وفي كل انتفاضة وطنية يهب الشعب بأسره وبمختلف طوائفه ينادي ويطالب بتحسين المعيشة وضد التعسف للشركات الأجنبية.

خمسون عاما كانت حاسمة في تطور الحركة الوطنية البحرينية ومنها بدأت مرحلة جديدة من النضال والعمل السياسي المنظم لمناضلينا، فمنذ بزوغ فجر جبهة التحرير الوطني البحرانية والشمس مشرقة لا تغيب أبدا ساطعة بنورها على جبين قادتها ومؤسسيها الذين رفعوا راية العز والكرامة لهذا الشعب الوفي...

ومازلت هنا في بداية الطريق لأذكر أبناءنا من هذا الجيل بتلك الحياة لأولئك المناضلين الذين رحلوا أو من هم مازالوا يواصلون المسيرة بروح وطنية صادقة.

وفي هذا الموضوع أتناول شخصية المناضل الوطني محمد حسين نصر الله وسيرته النضالية ويعذرني من أي تقصير في المعلومات وأتمنى ان أوفق في سردها للقارئ الكريم...

عرف محمد حسين بتواضعه وأخلاقه العالية وحبه للناس البسطاء والكادحين وتقديم المساعدة لكل محتاج.

عشق النضال منذ أن عرف طريقه نحو جبهة التحرير الوطني وذلك في نهاية الخمسينات، كان عنيدا صلبا في مواقفه النضالية وحريصا وأمينا ومدافعا قويا عن مبادئ وأهداف الجبهة... "هو منامي الأصل، من فريق الحمام".

هو واحد من ابرز مناضلي الحركة الوطنية والديمقراطية في البلاد، بعد تخرجه من الثانوية العامة أراد هذا البطل أن يكمل تعليمه في الخارج ولكن والده منعه في بداية الأمر خشية عليه من الاغتراب وهو وحيده، وعاود يطلب من والده وبعد الحاح شديد وافق له على السفر إلى لبنان والالتحاق بالجامعة الأميركية وذلك في العام 1959م.

كان محمد متأثرا كثيرا بالحوادث الكبيرة التي عاشتها البلاد ابان المعركة النضالية التي خاضتها هيئة الاتحاد الوطني في 54 - 1956م.

فرسخت في عقليته تلك الحوادث وتلك المواقف والأساليب التي تتبعها السلطات الاستعمارية تجاه شعبنا من خلال زرع قنابل الفتنة الطائفية باستخدام مبدأ فرق تسد ما بين الطوائف والمذاهب.

فنمت عنده الشعور الوطني وخصوصا بعد القضاء على هيئة الاتحاد الوطني واعتقال ونفي قادتها البواسل.

منذ ذلك التاريخ بدأ محمد مسيرته النضالية التي واجه فيها الصعاب والمتاعب ولكنه صبر بإرادة المناضل الناكر للذات حتى أكمل تعليمه ونال الشهادة الجامعية ودبلوم التربية.

عاد محمد إلى البحرين إلى أهله وأحبابه حاملا معه حب النضال والتضحية على أرض الواقع، التحق بمهنة التدريس ثم رقي إلى مساعد مدير في الكثير من المدارس بعدها أصبح مديرا ومن ثم عين مراقب مناهج في وزارة التربية وبدأت مرحلة اعتقاله تلك المرحلة المشؤومة وذلك العام 1969م، وهي حملة واسعة طالت مناضلينا الشرفاء من جبهة التحرير الوطني البحرانية بقيادة المرتزق أيان هندرسون ولكن الشعب الوفي أبى أن يرضخ لتلك الحملة الشنيعة فهب لنجدة الأبطال وخرجت الجماهير بمسيرات تظاهرية عارمة صاخبة تطالب بإطلاق سراحهم.

وعلى رغم استقلال البحرين العام 1971م فإن الاعتقالات في صفوف الرفاق القادة الوطنين والعمال الطليعيين كانت مستمرة، وبعد فوز الكتلة في الانتخابات النيابية العام 1973م وبعد الانتصار الكبير الذي حققته الحركة الوطنية وجبهة التحرير في البرلمان بإيصال مرشحيها تم اطلاق سراح الكثير من المناضلين ومنهم محمد حسين الذي حظي باحتفال شعبي كبير بمناسبة خروجه من السجن.

وكان محمد عرضة لأية حملة تتعرض لها الحركة الوطنية فهو في مقدمة المعتقلين بما فيها هجمة أغسطس/ آب 1975م بعدها اعتقل في العام 1978م والتي استمرت حتى 1983 وهي المدة التي قضاها لأكثر من خمس سنوات متتالية ظلما وقهرا ولكنه تحمل على نفسه فداء لهذا الوطن الغالي ولشعبه الذي يكافح من أجل الحرية والاستقلال.

في العام 1984 تزوج محمد من إحدى الأسر الكريمة ولديه الآن ولد اسمه حسين وثلاث بنات.

في العام 1986 وعندما فصلوني من عملي جاهد كثيرا من أجل أن أحصل على وظيفة معه ومكثنا سنتين معا في عمل واحد إلا أنه ظل ملاحقا ومطاردا في لقمة عيشه من أجهزة الاستخبارات، خصوصا في الفترة العصيبة التي عانت منها الحركة الوطنية وجبهة التحرير بعد ضربة 1986م، وما نتج عنها من تداعيات مازالت آثارها باقية.

وفي صيف 1990م عندما غزت القوات العراقية دولة الكويت لم يسلم رفيقنا المناضل مفداهمت المخابرات العميلة منزله وفتشته وعبثت في ما يحتويه من ممتلكات وخصوصا كتبه العلمية والتاريخية ومن ثم استجوبوه... كل هذه الأوضاع والظروف الصعبة لم تزحزح محمد عن أفكاره وقناعته وبقي وفيا لرفاقه ومبادئه.

نعم هكذا هي حياة المناضلين الشرفاء وفاء وأمانة بحق وطنهم وعروبتهم يضحون بكل ما يملكون ويصبرون على ما يتعرضون له من أشكال الحرمان من العيش الكريم والعمل ومتعة السفر، وما يلاقون من صنوف التعذيب والتنكيل والقهر والظلم داخل السجون والزنازين الانفرادية أو النفي عن وطنهم، كل ذلك لا يثنيهم أو يزحزحهم عن مبادئهم المرسومة، بل يزيدهم إصرارا وتحديا ويظلون واقفين صامدين لا تخيفهم أو تهيبهم تلك الممارسات ولا تثنيهم أية تيارات أو اغراءات.

ومحمد حسين نصرالله مناضل وطني أفنى عمره خدمة لوطنه، فهو شعلة مضيئة تنير الطريق للكثير من الأفراد والجماعات ومثل يقتدى به وقدوة للأجيال القادمة، وما التكريم الذي حظي به في ذكرى اليوبيل الذهبي لجبهة التحرير الوطني البحرانية - وهي أول قوة سياسية منظمة سعت لاكتساب النضال الوطني ضد الهيمنة البريطانية - إلا تقدير وعرفان لدوره النضالي وحرصه الشديد على تحرير البحرين وسعادة شعبها.

فتحية تقدير واعتزاز لهذا المناضل ولكل المناضلين والرفاق والرفيقات والاصدقاء.

علي الوادي

العدد 958 - الأربعاء 20 أبريل 2005م الموافق 11 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً