شهر أبريل/ نيسان هو شهر العطاء الفلسطيني المتدفق دوما، شهر الشلال الأحمر الذي يروي التراب كاملا من الناصرة وحيفا والنقب وبئر السبع، مرورا بقطاع غزة بمدنه وبلداته ومخيماته، وبشعبنا في الضفة الغربية إلى مخيمات وتجمعات وأماكن سكن شعب فلسطين في الشتاتين العربي والغربي، إذ يعتبر الفلسطيني أينما كان إقامته مؤقتة بانتظار العودة إلى وطنه فلسطين متغلبا على واقع الحال وعلى النسيان.
عندما نراجع التواريخ الفلسطينية النيسانية والتي ليست للنسيان، تحضرنا على الفور ذكرى مذابح النكبة الفلسطينية في سنوات الحرب غير المتكافئة التي أضاعت فلسطين من النهر إلى البحر. وتحضرنا مذابح وجرائم وعمليات قتل واغتيال كثيرة قام بها الإسرائيليون ضد أبناء وبنات شعب فلسطين في الوطن المحتل وخارجه.
تقبع مذبحة دير ياسين على رأس تلك المذابح التي نفذها إرهابيون صهاينة يهود، ومن هؤلاء المجرمين من حاز على جائزة نوبل للسلام مثل مناحيم بيغن، كما منهم بعض المطلوبين للانتربول الدولي مثل رئيس وزراء كيان "إسرائيل" في مرحلة لاحقة اسحق شامير، قاتل المبعوث الدولي الكونت برنادوت أحد أفراد العائلة الملكية الحاكمة في السويد. ومنهم بكل تأكيد الجنرال شارون صديق الرئيس الأميركي بوش الابن، ومروض القادة العرب وقاتل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وواصف الرئيس الفلسطيني الحالي أبومازن بالكتكوت.
لقد أرادوا لمذبحة دير ياسين أن تكون حاضرة في أذهان كل فلسطيني وعربي، لذلك فقد ظلت آثار تلك المذبحة ماثلة في الآباء والأجداد، ومع مرور الزمن انضمت للائحة المذابح والمجازر الصهيونية عشرات المذابح والمجازر الكبرى والصغرى، التي لا مجال هنا لتعدادها لكن نذكر منها مذبحة مخيم جنين التي مازالت حاضرة وطرية.
تحضرنا مذبحة دير ياسين المروعة، تلك التي ارتكبت ضد مدنيين عزل وأبرياء، وتمت مع سبق الإصرار والترصد والتخطيط على أعلى المستويات الصهيونية. فقد كانوا يريدونها رسالة مرعبة للفلسطينيين في قراهم وبلداتهم ومدنهم، حتى يهربوا من ديارهم فيحتلها الصهاينة دونما مقاومة وبراحتهم، وهذا ما كان لهم في كثير من المناطق.
لقد نال الصهاينة من مدنيي دير ياسين، من الأطفال والنساء والشيوخ، وبعد المذبحة البشعة والمرعبة احتفلوا معتبرين ذلك نصرا لهم في حربهم على العرب. ولغاية الآن لم تقم أية هيئة دولية أو حقوقية بمحاسبة أي يهودي ارتكب أعمالا إجرامية وإرهابية وجرائم حرب ضد السكان الفلسطينيين العرب في فلسطين المحتلة والدول العربية المجاورة. بينما تقوم تلك الهيئات الدولية والحقوقية بملاحقة كل من كانت له علاقة بذبح وتعذيب وقتل اليهود في الحرب العالمية الثانية. وهذا يعني أن دم الفلسطيني والعربي مباح بينما الدماء اليهودية لا تذهب هدرا. وهذه معاملة عنصرية للضحايا من الجانب العربي.
إن كيان "إسرائيل" المقام بالقوة على أراضي الشعب الفلسطيني وممتلكاته قام حديثا بتكريم مجموعة من الإرهابيين اليهود على أعلى المستويات. وكانت تلك المجموعة الإرهابية مؤلفة من مواطنين مصريين يهود، قاموا بتنفيذ أعمال إرهابية في مصر في الخمسينات من القرن الماضي بناء على تعليمات من الاستخبارات الإسرائيلية.أما كيان الاحتلال فيعتبر ذلك عملا وطنيا في خدمة دولة "إسرائيل". لو كنت "إسرائيليا" فسأتفهم الدوافع التي حدت بالإرهابيين الكبار في "إسرائيل" إلى تكريم الإرهابيين الصغار. فكيانهم شيد بالإرهاب وجبلت مبانيه وأساساته بعظام ودماء الأبرياء من الفلسطينيين والعرب، لذلك لا خجل في الجهر بتكريم القتلة والمجرمين مادام رؤساء حكومات ووزراء الكيان من المجموعة الإرهابية نفسها.
شهر نيسان الممتلئ بالمناسبات الفلسطينية والعربية شهر غني بالتضحيات؛ ففيه اغتيل القادة الفلسطينيون الثلاثة في لبنان، الشاعر كمال ناصر وأبويوسف النجار وكمال عدوان. وفيه اغتيل القائد أبوجهاد الوزير في تونس التي قبلت حديثا استقبال شارون. وفيه تم اغتيال عبدالعزيز الرنتيسي، وفيه ذكرى عملية نهاريا المميزة بقيادة الأسير اللبناني العربي سمير القنطار ورفاقه الشهداء. وفيه نفذت طائرات حمامة السلام شمعون بيريز الحائز على جائزة نوبل للسلام، صديق المطبعين من التجار ورجال الأعمال والأمراء والرؤساء والقادة العرب، مجزرة قانا الشهيرة في مقر الأمم المتحدة في جنوب لبنان سنة .1996 وفي نيسان وتحديدا في السابع عشر منه يوم الأسرى في السجون الصهيونية، هذا اليوم الكبير الذي يجب أن يكون يوما للضمائر العربية.
ليكن نيسان شهر التضامن العربي والعالمي مع أحياء وشهداء وأسرى فلسطين في السجنين الصغير والكبير. فهناك أكثر من ثمانية آلاف من أطفال وشبيبة وشباب وشابات وشيوخ فلسطين يرزحون في معتقلات العذاب والهوان والذل الإسرائيلية. نعتقد أنه آن الأوان لتتحمل السلطة الفلسطينية والفصائل المعارضة لها مسئولياتها في العمل على إطلاق سراحهم بكل الوسائل.
نضال حمد
العدد 959 - الخميس 21 أبريل 2005م الموافق 12 ربيع الاول 1426هـ